مع تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية، تتسع الخلافات في وجهات النظر بين الدول الفاعلة بشأن العديد من القضايا والملفات العالقة.
وتواجه
تركيا تحديات وضغوطات كبيرة من قبل الدول الكبرى، بشأن مواقفها الإقليمية والدولية، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية، وسط العديد من التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد التركي في ظل تصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية.
وانعكس التوتر التركي الأمريكي، بشأن أزمة
وقف التأشيرات بين البلدين، على سعر صرف الليرة التركية ومؤشرات البورصة في الساعات الأولى من بدء الأزمة وتصاعد حدة التوتر بين البلدين، حيث انخفضت قيمة الليرة التركية بنسبة 2 % أمام الدولار وسجلت يوم الاثنين الماضي 3.70 ليرة للدولار مقابل 3.61.
وكانت الدولتان قد علقتا خدمات التأشيرات الأحد الماضي، وأرجعت السفارة الأمريكية في
أنقرة قرار وقف إصدارها معظم أنواع التأشيرات للمواطنين الأتراك إلى الحاجة إلى "إعادة تقييم التزام الحكومة التركية تجاه منشآت وأفراد البعثة (الدبلوماسية) الأمريكية"، فيما صدر بيان مماثل من السفارة التركية في واشنطن بعد ساعات من بيان السفارة الأمريكية أعنت فيه وقف إصدار التأشيرات للمواطنين الأمريكيون.
وتصاعدت حدة التوتر بين الدولتين بعد اعتقال المواطن التركي، متين طوبوز، الموظف في القنصلية الأمريكية بتركيا، الأسبوع الماضي بتهمة ارتباطه بمنظمة فتح الله غولن.
اقرأ أيضا: تركيا تتوقع حل خلاف التأشيرات مع أمريكا قريبا
وعلى صعيد متصل، أغضب تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، موسكو، رغم التحسن الواضح الذي طرأ على العلاقات بين البلدين، عندما أكد أردوغان مؤتمر صحفي له مع نظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو، أن تركيا تدعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، ولن تعترف بتبعية شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي.
وجاء الرد الروسي عبر تغريده عضو مجلس الاتحاد الروسي، أليكسي بوشكوف، على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال فيها: "سواء اعترف أردوغان بتبعية القرم إلى روسيا أم لا، لن يتغير بذلك وضع القرم، إنه يعرف ذلك، ويفعل ما يرضي بوروشينكو لا أكثر".
وعلق الباحث الاقتصادي أحمد مصبح، على مدى تأثر الاقتصاد التركي بالأحداث الجيوسياسية، قائلا: "الاقتصاد التركي أحد أكثر الاقتصاديات الناشئة تحقيقا للنمو الاقتصادي خلال العقد الاخير بالرغم من التقلبات والتحديات التي واجهتها وما زالت تواجهها الحكومة التركية سواء على الصعيد المحلى أو الدولي".
وأكد مصبح لـ
"عربي21": أن الاقتصاد التركي لديه البنية التحتية التي تؤهله للصمود في وجه تلك التقلبات، وهذا ما أثبتته الأشهر الماضية خصوصا بعد الانقلاب العسكري، والأزمة التركية الروسية، والأزمة التركية الهولندية.
وأشار مصبح إلى أن الاقتصاد التركي يرتكز على عدة ركائز أساسية تتمثل في: "البنية المتنوعة للاقتصاد وعدم اعتماده على الإيرادات الريعية، وحجم الشراكات والتبادلات التجارية الضخمة على مستوى العالم، ناهيك عن نجاح الحكومة التركية في تأسيس بنية تحتية قوية ومتطورة في جميع المجالات من اتصالات ومواصلات وموانئ، إضافة إلى الاصلاحات الدورية أو المستمرة فيما يتعلق ببيئة الأعمال، سوق صناعات ضخم ، سوق استهلاكي ضخم حوافز كبيرة لتشجيع الاستثمارات".
وأوضح الباحث الاقتصادي أن ما سبق من معطيات مكنت الاقتصاد التركي من الصمود، لافتا إلى أنه وفقا للإحصائيات الدولية حقق الاقتصاد التركي نموا واستقرارا خلال الربع الاول من 2017، مع تحقيق نمو في معظم القطاعات ( الزراعة، البناء، السياحة )، وكذلك الصادرات التركية التي حققت ارتفاع بمعدل 10 % مقارنة بالعام الماضي.
اقرأ أيضا: يلدريم: اقتصاد تركيا حقق قفزة كبيرة خلال 15 عاما
وقال مصبح خلال حديثه لـ
"عربي21": " إذا تم وضع مؤشرات الاقتصاد التركي في سياق أزمات تركيا الدولية والمحلية نستطيع القول أن الاقتصاد التركي يسير بخطى ثابتة إلى الأمام وإن اختلفت وتيرة وسرعة تلك الخطى".
وفيما يتعلق بتأثر سعر صرف الليرة التركية بتلك الأزمات، يرى مصبح أن ارتفاع قيمة العملة أو انخفاضها أمام العملات الأجنبية ليس مؤشرا حقيقيا على قوة الاقتصاد أو ضعفه، مؤكدا أن أسعار الصرف ترتبط بشكل وثيق بالأحداث السياسة والمتغيرات الدولية والمحلية، وأن العملات المحلية للاقتصاديات الناشئة مثل تركيا وماليزيا المكسيك تتأثر بسرعة بأي تغير يحدث على الدولار الأمريكي.
وتابع: "لذا انخفاض الليرة التركية 2% في الساعات الأولى بعد الأزمة الدبلوماسية هو رد فعل طبيعي، ولا يشكل أي مشكلة اقتصادية، خصوصا في ظل امتلاك تركيا لحجم كافي من السيولة النقدية التي تمكنها من سداد الديون المستحقة قصيرة الأجل، الأمر الذي يعزز الثقة الائتمانية في السوق المالي".
واستبعد مصبح تأثير التوتر التركي الأمريكي على الاقتصاد التركي، قائلا: "لن تكون لها تأثير أقوى من الانقلاب أو حتى أزمة إسقاط الطائرة الروسية، والذي استطاع الاقتصاد التركي امتصاصها والصمود أمامها".