اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم التدخل في أزمة
كردستان العراق رغم ما شكلته من أهمية خلال الفترة الأخيرة، ما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الموقف، لا سيما أن واشنطن تعد حليفا مهما للأكراد.
ففي حين عارضت كل من تركيا وإيران وحكومة بغداد والنظام السوري الاستفتاء ومساعي
الأكراد للانفصال وإفشال العمل بنتائجه، كانت حكومة كردستان بأمس الحاجة إلى حلفائها، وبدت في عزلة كاملة بسبب جيرانها الذين عارضوا خطوتها أحادية الجانب.
إلا أن أمريكا سبق أن طالبت بتأجيل الاستفتاء، وهو الأمر الذي تجاهلته حكومة إقليم كردستان، بقيادة مسعود البارزاني.
وعلى الرغم من أحداث كركوك الأخيرة المهمة، والتصعيد الميداني الذي قامت به حكومة بغداد، واستعادتها لمناطق كانت تخضع لسيطرة الأكراد بعد 2003، إلا أن أمريكا فضلت عدم التدخل لصالح أي من الأطراف، مع دعوتها لعدم المواجهة عسكريا.
ويمكن القول بأن أمريكا كان يمكن لها الاستفادة من إجراء الاستفتاء في كردستان ضد
إيران، من خلال الأمور التالية:
- أن يصبح ورقة للمساومة لاستخدامها لاحقا دون العمل بنتائجه بالوقت الحالي.
- إثارة مخاوف الإيرانيين من أن يصبح الإقليم منطلقا لزعزعة الاستقرار الداخلي في إيران، وقاعدة للتجسس عليها.
- استغلال حجم التبادل التجاري الضخم بين إيران وإقليم كردستان.
- زعزعة العلاقات التي أقامتها إيران مع الأجنحة الكردية في مقدمتها الاتحاد الوطني الكردستاني.
وعلى الرغم من ذلك، قال ترامب في أحدث تصريحاته حول أزمة كردستان وكركوك إن بلاده "لا تنحاز لأي طرف، لكننا لا نحبذ أن يدخلوا في مواجهات".
اقرأ أيضا: ترامب: "لا ننحاز لأي طرف" في النزاع
وفي قراءته لهذه التصريحات، ذهب الخبير في الشأن الأمريكي الدكتور صبري سميرة، إلى أن الأمر لا يتوقف عند الرغبة في تحقيق هذه المصالح الكبيرة، بل إن المسألة متوقفة على ماذا سينتج عنها، وهل تتوفر القدرة لتحقيقها، وهل التوقيت مناسب؟
وأوضح لـ"
عربي21" أن واشنطن رأت أنه ليس لديها الاستطاعة وليس للأكراد قدرة حقيقية على أن يفرضوا استفتاء كردستان كأمر واقع، لأنها ستدخل في مماحكات كثيرة واصطفافات كثيرة إقليميا ودوليا، وفق قوله.
وتاليا أهم النقاط المتعلقة بالموقف الأمريكي:
1- ليست أولوية
قال سميرة إن "التقديرات الأمريكية تعتبر القضية الكردية ليس ذات أولوية، لذلك لم تشجع واشنطن الأكراد على الاستفتاء، ولكن بموازاة ذلك لم تمنعهم، لترى إلى أي مدى يستطيعون أن يذهبوا، لتستخدمهم ورقة ضغط على الحكومة العراقية، فالسياسة مصالح وحسابات وابتزاز أيضا، فأمريكا تبتز الطرفين في العراق".
بدوره، أوضح المختص بالشأن الإيراني، يوسف عزيزي، أن أمريكا وجهات دولية أخرى كان يمكن لها أن تستفيد لما حصل في كردستان على حساب إيران، من خلال الدفع باتجاه دعم استفتاء إقليم كردستان، والاحتفاظ به ورقة مهمة لوقت مؤجل.
ولكنه أشار في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن الولايات المتحدة في ظل إدارتها بقيادة ترامب تريد أن تتفرغ للملف الإيراني برمته، الأمر الذي أكد عليه الرئيس الأمريكي في آخر خطاب له تناول فيه العلاقات مع إيران والملف النووي المرتبط بها.
ووافق عزيزي ما ذهب إليه سميرة، بأن ما حدث في كردستان لا يشكل أولوية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه رأى أن الإدارة الأمريكية تريد أن تنخرط بالأزمات التي لديها تماس مباشر مع إيران ميدانيا.
فاستراتيجية ترامب التي طرحها، تستهدف تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال محاربة المليشيات والقوات المحسوبة عليها، التي تتلقى دعما مباشرا منها، وفق رأيه.
وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى ما قاله أمس مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وفق ما نقله التلفزيون الإيراني: "أمريكا غاضبة لأن طهران عرقلت مخططاتها في لبنان وسوريا والعراق".
2- ملف الإرهاب
ويمكن فهم الموقف الأمريكي أكثر من خلال تصريحات الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية، التي دلت على أنها تركز في تعاطيها مع ملف العراق على مكافحة الإرهاب، فهي تدعم القوات الكردية في كل من الجارتين سوريا والعراق، في حربها على التنظيمات المسلحة التي تصفها بالإرهاب.
وترى الولايات المتحدة أن التركيز على الملف الأمني أولوية على غيره من الملفات، ولا تريد أن يغرق حلفاؤها في العراق من حكومة بغداد وإقليم كردستان في صراع في حين أن المخطط الأمريكي لم ينته بعد، المتعلق بالتخلص من تنظيم الدولة.
ورأى سميرة أن الأكراد سيستمرون على ما هم عليه من تعاون مع أمريكا في هذا الملف، لأن لهم مصلحة حقيقية ذاتية بأن يستمروا عليه، بالإضافة إلى أنهم بحاجة لأمريكا.
3- العلاقات مع حكومة بغداد
وعلى الرغم من العلاقات التي تربط الولايات المتحدة بالأكراد في العراق، إلا أن العلاقات الأمريكية مع الحكومة في بغداد تعد قوية ووثيقة، ويحظى العبادي بدعم أمريكي بسبب أولوية واشنطن بمحاربة الإرهاب.
وأكد سميرة أن الولايات المتحدة الأمريكية آثرت عدم التدخل، بسبب أن لها علاقات مع الطرفين، ولديها حسابات ومصالح معهما، فالوضع القائم في العراق اليوم والنظام السياسي العراقي جاء بتدخل أمريكي بعد 2003.
بالإضافة إلى أن الأكراد حققوا ما حققوه في شمال العراق من مكاسب على الأرض، وحقوق وامتيازات من حكم ذاتي مشاركة سياسية وغيره بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
وأوضح سميرة أن واشنطن في الأزمة الأخيرة، تركت الأمر لحسابات وتوازنات القوى الداخلية بين العراقيين، كردا وعربا سنة وشيعة، وبين الدولة العراق وبين إقليم كردستان.
ورأى الخبير الأمريكي أن الإدارة الأمريكية "لا ترى أفقا للأكراد، لذلك لم تردعهم فهي كانت واثقة من أنهم سيرتدعون ويتوقفون من تلقاء نفسهم".
4- الإرادة الدولية
وبرر عزيزي موقف الإدارة الأمريكية بما يتعلق بملف كردستان بالقول إنها لا تريد الدخول بعلاقات صراعية مع الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة، لا سيما تركيا.
وقال إن "أمريكا لم تدعم الأكراد، لأنها تعلم أن الموازين الداخلية والإقليمية المحيطة بكردستان لا تسمح، لذلك تخشى أن تتضرر علاقاتها مع تركيا وإيران، ومعالجة الأزمة السورية".
وبدت الإرادة الدولية معارضة للاستفتاء الكردي، ومؤيدة لوحدة العراق، إذ طالب الاتحاد الأوروبي، الإقليم الكردي بالعدول عن استفتائه "أحادي الجانب"، مجددا دعمه الكامل لوحدة العراق وسيادته وسلامته الإقليمية.
ورفضت كل من الولايات المتحدة وتركيا وإيران وروسيا والعراق وسوريا والمغرب عملية الاستفتاء، ووصفتها بغير الخادمة لأمن واستقرار المنطقة وطموحات المكون الكردي أيضا.
وفي بيان صادر عن الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، اعتبر الاتحاد الاستفتاء المزمع "عملًا انفراديًا، سيؤدي إلى نتائج عكسية يجب تجنبها".
اقرأ أيضا: توالي الرفض الدولي والإقليمي لاستفتاء أكراد العراق
وسبق أن حذّر مجلس الأمن من تأثير استفتاء "كردستان" على الاستقرار، ومجددا تمسكه بـ"سيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه" أيضا.
5- التوقيت السيء
وسبق أن طالبت أمريكا البارزاني بتأجيل الاستفتاء، ولكنه تجاهل الطلب الأمريكي، الأمر الذي تبين في ما بعد بأنه كلف زعيم إقليم كردستان الكثير، بسبب التوقيت الذي وصف بـ"السيء" لإعلان الاستفتاء، والتسبب بخسارة الأكراد مناطق استراتيجية سبق أن سيطر عليها بعد 2003.
وأشار عزيزي إلى أن البارزاني أخطأ في توقيته في إعلان استفتاء الانفصال، بالإضافة إلى عدم ديمقراطيته في إدارته للإقليم.
6- طبيعة العلاقة مع الأكراد
ويمكن فهم الموقف الأمريكي أيضا، من خلال فهم طبيعة الحاجة الكردية لأمريكا كحليفة لها.
إذ أوضح الخبير بالشأن الأمريكي سميرة أن "أمريكا غير قلقة من أنها في حال عدم دعم الأكراد في قضيتهم، فإنهم سيتركونها، فهي تعلم أن الأكراد ملتصقون فيها بشكل كامل".
ومنذ الاجتياح الأمريكي عام 2003، سيطرت قوات البيشمركة تدريجيا على 23 ألف كلم مربعة من أصل 37 ألفا هي مساحة المناطق التي يطالب بها الأكراد خارج الإقليم.
لكن هذه الأراضي خسرها الأكراد كلها في غضون 48 ساعة، وكانت الضربة الأقسى خسارتهم حقول نفط كركوك، ما يبدد أملهم في بناء دولة مستقلة علما أنهم كانوا يصدّرون قرابة ثلاثة أرباع نفط كركوك عبر كردستان، رغم عدم موافقة بغداد.
وشنّت القوات العراقية عمليتها بعد رفض الأكراد الشرط الذي وضعه لهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإلغاء الاستفتاء على الاستقلال، الذي أجراه الإقليم في 25 أيلول/ سبتمبر.