لاقى أمر العاهل السعودي بإنشاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي، استحسانا كبيرا في الوسط الرسمي والشعبي السعودي، باعتباره عملا عظيما يعكس عناية خادم الحرمين بالسنة النبوية، واهتمامه بخدمتها، لما لها من مكانة عظيمة في الإسلام، بحسب المشيدين بالأمر الملكي والمادحين له.
ووفقا لما جاء في الأمر الملكي، فإن بواعث إنشاء المجمع تنبع من "عظم مكانة السنة النبوية لدى المسلمين، كونها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن، واستمرارا لما نهجت عليه هذه الدولة من خدمتها للشريعة الإسلامية ومصادرها، ولأهمية وجود جهة تعنى بخدمة الحديث النبوي الشريف وعلومه، جمعا وتصنيفا وتحقيقا ودراسة".
وتحدث متخصصون في الحديث النبوي وعلومه، عن تطلعهم الدائم لإنشاء مثل هذا المجمع؛ ليطلع بمهمة خدمة الحديث النبوي وفق منهجية علمية منضبطة، وبالاستناد إلى خطة عمل مدروسة، يتولى وضعها وتنفيذها علماء وأساتذة من المتخصصين في الحديث النبوي، من المشهود لهم برسوخ القدم في علومه وفنونه المختلفة.
وفي هذا السياق، قال مساعد الأمين العام للندوة الدولية للحديث الشريف بدبي، عبد السلام أبو سمحة، "إن فكرة إنشاء مجمع علمي يختص بدراسة الحديث النبوي ليست وليدة الساعة، بل هي موضع اهتمام وعناية ومدارسة مجموعة من الأكاديميين والباحثين في الحديث النبوي وعلومه منذ أكثر من ثلاث سنوات".
وأضاف أبو سمحة لـ"عربي21": تباحثنا في ذلك مع إخوة كرام في السعودية واليمن ومصر، وكان إنشاء مجمع لهذا الغرض على غرار مجمع الفقه الإسلامي، يمثل للمتخصصين في الحديث النبوي وعلومه أمنية عظيمة".
وذكر أبو سمحة أنه والدكتور اليمني عبد الجبار المراني، تبنيا منذ فترة فكرة الدعوة إلى إنشاء مثل هذا المجمع، وتحفيز المعنيين للقيام عليها، ودعمها؛ كي ترى النور، والتي طرحت في عهد الراحل الملك عبد الله، مضيفا أن الدكتور عبد الجبار، المقيم في السعودية، كتب رؤيته عن المشروع، وزار مجموعة من العلماء في السعودية، وطرح عليهم أهمية تبني المملكة له".
وتحدث أبو سمحة عن أهمية تبني المملكة العربية السعودية لمثل هذا المشروع العلمي الرائد، لمكانتها الهامة في العالم الإسلامي، لافتا إلى أن المشروع -فيما يبدو- نضج واكتمل في عهد الملك سلمان، الذي أمر بإنشائه قبل أيام.
وانتقد أبو سمحة ما أسماه "التعامل السطحي" مع الإعلان عن إنشاء المجمع، والمتجه في أغلبه إلى إثارة المخاوف حول أهداف المشروع وبواعثه الحقيقية، كتمرير أجندات سياسية معينة، وربطه بأهداف وأبعاد سياسية خفية".
وأكدّ أبو سمحة أن المخاوف المثارة حول العبث بالأحاديث النبوية الثابتة (كالدعوة إلى إلغائها أو إسقاطها) أمر مستبعد جدا، ولا يمكن حدوثه في سياق ما يقال عن مكافحة الإهاب؛ لأن دواوين الحديث مستقرة، وعلوم الحديث ثابتة ومتينة، وليست ضعيفة يمكن أن تهتز بهذه الطريقة"، على حد قوله.
ولفت أبو سمحة إلى أنه يتوقع أن يكون من مهام المجمع مناقشة استدلالات "المتشددين التكفيرين" بالأحاديث النبوية التي وظفوها لخدمة تصوراتهم ورؤاهم، وإظهار مدى تهافت تلك الاستدلالات، وبيان مكامن الخطأ فيها، وأنها لا تدل على ما أرادوا تقريره وإشاعته.
وجوابا عن سؤال: ما الذي يتمنى على المجمع القيام به؟ قال أبو سمحة: "ما أتمناه أن يشتغل المجمع في عدة اتجاهات، أولها تحقيق التراث وتنقيحه على أيد ماهرة من أهل المعرفة والاختصاص، تبتعد كليا عن الأغراض التجارية، وهذا مع رصانة الأعمال الصادرة عن المجمع قد يكسبه صفة مرجعية مستقبلا في إجازة التحقيقات التراثية وتزكيتها ".
وثاني تلك الاتجاهات التي تمنى أبو سمحة على المجمع الاشتغال عليها، مراجعة شروحات الأحاديث المتداولة، التي توظفها التنظيمات المتشددة لخدمة أغراضها وأهدافها، وبيان الفهم الصحيح لتلك الأحاديث، بما تقتضيه قواعد الاستنباط والاستدلال المقررة عند أئمتنا السابقين".
وذكر أبو سمحة أن من المهام الكبرى التي يتطلع إلى قيام المجمع بها، تولي الرد على الطعون والشبهات المثارة حول السنة النبوية، كذلك ثمة تطلع إلى الاهتمام بتوحيد وتنظيم العمل الإلكتروني الخادم للحديث النبوي وعلومه.
من جهته، أثنى الباحث الشرعي اليمني، عبد الجبار المراني، على مجمع الملك سلمان للحديث النبوي الشريف، ووصفه بـ"المشروع العظيم"، داعيا للقائمين عليه بالتوفيق والسداد.
وجوابا عن سؤال "عربي21" حول أهداف المجمع، والغاية من إنشائه؟ أحال المراني على ما جاء في
أدبيات الإعلان عن المجمع، المتمثلة على وجه الإجمال في خدمة الحديث النبوي وعلومه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.
في الوقت الذي يؤكد فيه مؤيدو إنشاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي على جلالة أهدافه، ونبل مقاصده، فإن منتقديه تنتابهم هواجس كثيرة حول أهدافه الحقيقية التي تتماهى مع المطالب الأمريكية الرامية إلى تجفيف منابع الفكر الديني المتطرف، باعتبار الوهابية من أكبر روافد ذلك الفكر وفق التوصيفات الأمريكية.
من جهته، رأى الأكاديمي السوري، المتخصص في الحديث النبوي وعلومه، عداب محمود الحمش، أن "الوهابية -التي قام عليها النظام السعودي- استمدت أفكارها ومقولاتها من الجانب البربهاري المتشدد في مذهب الإمام أحمد، ومما كتبه الشيخ ابن تيمية، المشحون بردود الفعل تجاه المعارضين، وليس في تاريخنا الإسلامي عالم استعمل جملة (فإن تاب وإلا ضُربت عنقه)، وأخواتها، كما استعملها ابن تيمية".
وبعد حديثه عن طبيعة التشدد المتغلغل في الدعوة الوهابية، التي قادت إلى نشوء جماعات الغلو والتشدد كتنظيم الدولة الإسلامية، قال الحمش "إن تفطن الملك سلمان وولي عهده، اليوم، لتنقية الحديث النبوي ومراجعته، لا يحتمل أكثر من احتمالين اثنين، أولهما: أن تكون هذه المراجعة استجابة لأوامر أمريكية؛ لأن العالم مهدد من فراخهم الدمويين"، بحسب عبارته.
وأضاف لـ"عربي21": "العالم كله يعلم أن فكر تنظيم الدولة الإسلامية، والقاعدة والنصرة وأخواتها، هو فكر وهابي خالص مهما حاولوا إلصاقه بالإخوان وغير الإخوان".
ووفقا للحمش، فإن الاحتمال الثاني هو أن يكون ولي العهد الجديد يريد الانفكاك عن المؤسسة الدينية جهارا نهارا، ويكون مستشاروه والمقربون العلمانيون أفهموه أن إسقاط المؤسسة الدينية القائمة على زعم الكتاب والسنة، لا يمكن تحقيقه من دون إظهار ضعفهم في نقد الحديث النبوي؛ لأن ثقافتهم أبعد ما تكون عن القرآن، وهي ثقافة روايات في المرتبة الأولى والثالثة والسابعة".
ولفت الحمش إلى أن "من شواهد صدق هذا التحليل، إضافة إلى (علمانية الأسرة الحاكمة)، أن ولي العهد الجديد أنشأ هيئة للترفيه في مقابل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتداولت وسائل الإعلام اختلاط الرجال والنساء والرقص والغناء في احتفالاتهم الأخيرة باليوم الوطني للسعودية.
وتابع الحمش: "وزيادة في إذلال المؤسسة الدينية، وضعوا على رأس مشروعهم الجديد شيخا من (آل الشيخ)، لا نعرفه بتخصص في الحديث الشريف، فضلا عن نقده"، مستدركا بقوله: "بيد أن كثيرا من المشتغلين بالحديث النبوي في السعودية على جانب عال من التقوى والاستقامة، ولا أحسبهم سيبيعون دينهم وأخلاقهم من أجل أحد".
بدوره، انتقد الناشط الإسلامي الأردني، خالد الجوابرة، عبر صفحته على "فيسبوك"، إنشاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي، بقوله: "هذا القرار وفي هذا التوقيت، وهذه الظروف التي تمر بها السعودية تحديدا، يعد قرارا خطيرا، له ما بعده".
وتساءل الجوابرة: "ما علاقة النائب العام بالأحاديث النبوية الشريفة"؟ في إشارة منه إلى ما قاله النائب العام السعودي سعود بن عبد الله المعجب من أن "مبادرة الملك سلمان بإنشاء مجمع للحديث تهدف لكشف المفاهيم المكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام".
وأبدى الجوابرة، في حديثه لـ"عربي21"، تخوفه من أن تتم ملاحقة كل من سيعارض القرارات التي ستخرج عن هذا المجمع، والتي ستكون بالتأكيد باسم الإسلام.
ولفت الجوابرة إلى أن "الفكر المتشدد موجود في السعودية منذ فترة طويلة"، متسائلا: "لماذا سكتوا عنه كل هذا الوقت، ولم يتفطنوا لمحاربته بهذه الطريقة إلا الآن"؟.
يشار إلى أن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي رأوا في تصريحات وزارة الثقافة والإعلام السعودية من "أن المملكة ستراقب تفسير أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، لكيلا تستخدم في تبرير العنف أو الإرهاب"، توضيحا للمهمة الأساسية التي سيتولى مجمع الملك سلمان للحديث النبوي القيام بها.