بدا خبرا مفاجئا، لم تستطع كثير من العقول استيعابه، حتى صار لغزا يستعصي على الفهم، فإيمان العوام يسيطر على المشهد السياسي!
لقد أطاح عبد الفتاح السيسي؛ بالفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري، وكثير من أسباب الدهشة لهذا القرار؛ أن قرار تنصيب الرجل لهذا المنصب المهم جاء لأنه صهره ويأتي، بالتالي، في سياق تأميم عبد الفتاح السيسي للجيش، ولمؤسسات الدولة المصرية، ولهذا فإن بعض الذين استسلموا لهذه الرؤية، وهي صحيحة نظريا، لم يروا في قرار عزل رئيس الإركان أن مصدره أزمة، لكنه التمهيد لتنصيبه رئيسا للوزراء!
عندما تم الإعلان قبل عامين عن قيام السيسي بتعيين الرجل القوي في المجلس العسكري اللواء "العصار" وزيرا للإنتاج الحربي، قال البعض بأن هذا تمهيدا لتنصيبه رئيسا للوزراء، وقد استبعدت ذلك، فلو كانت النية تتجه للتنصيب، لما كان الأمر بحاجة إلى خطوة تمهيدية؛ وزيرا ثم رئيسا للحكومة، لكن إبعاد "العصار" كان شلوتا لأعلى، من رجل هو المكلف، منذ حكم المجلس العسكري، بالاتصال بالولايات المتحدة الأمريكية، فأراد السيسي بهذا القرار أن يبعده عن دائرة النفوذ، ليكون الاتصال مباشرا بينه وبين الجانب الأمريكي، وبدون أي وسيط!
كانت النية تتجه إلى تعديل الدستور ليتم الأخذ منها لصالح رئيس الجمهورية، ولما وجدوا أن هذا صعبا، كان القرار باختيار رؤساء حكومة، يتصرفون على أنهم مجرد "سكرتارية"
وفي اعتقادي، أن الأمر لو صدر للسيسي من البيت الأبيض، فسوف يناور حتى لا يرضخ له؛ لأنه إن رضخ فسيكون كبراقش التي جنت على نفسها، ليكون قرار عزله هو مسألة وقت، ويكون العد التنازلي لعمره في السلطة قد بدأ، وهو، ولأنه أسرف في القتل، فلن يترك الحكم طواعية، ولن يفعل إلا بالنزع، وقد نراه في الغد في إيران، مبتزا كافة الأطراف لتتدخل لدي الولايات المتحدة لتبقي عليه، ولا تحمله من أمره رهقا.
هناك من يرجعون الإطاحة بالفريق حجازي؛ إلى أحداث الواحات، ويذهبون بعيدا حد التعامل مع هذا الحادث على أنه نتاج مؤامرة، شارك فيها الجيش، الذي تأخر بإرسال طائراته لإنقاذ عناصر الفرقة الأمنية. ولا أعتقد أن الأمر كذلك، وإن صدر في نفس التوقيت قرار الإطاحة بثلاث من قيادات وزارة الداخلية، فحقيقة الأمر أن ذهاب قوات الشرطة منفردة إلى طريق الواحات هو الأمر الغريب، لا سيما وأن الاختصاص المباشر للصحراء منعقد للجيش وليس للشرطة، وذهاب الشرطة منفردة خطأ استراتيجيا، إذا سلمنا به فإن من تتم الإطاحة به هو وزير الداخلية. أما بخصوص تأخر الانقاذ، فلا نعلم أن الوزير قد خاطب الجيش طالبا النجدة، ونعلم أن حبيب العادلي كان قد بدأ في عهد مبارك تسليح الشرطة كما الجيش، وأن الداخلية تمتلك أربع طائرات، كانت تكفي لتحقيق الغطاء الجوي للقوة التي أبيت في الصحراء!
هناك من يرجعون الإطاحة بالفريق حجازي إلى أحداث الواحات..
ليس السيسي هو الذي يقيل أحدا من رجاله لأمر كهذا
ليس السيسي هو الذي يقيل أحدا من رجاله لأمر كهذا، وقد وقعت عمليات إرهابية كثيرة، ولم يفكر، مجرد التفكير، في إقالة أي مسؤول أمني. وفي ظني أن إقالة القيادات الشرطية الثلاث هو غطاء للقرار المهم بالإطاحة برئيس أركان الجيش، والذي يبدو أنه قرار مرتبط بزيارته الاخيرة للولايات المتحدة الامريكية، فهل كلفه الأمريكان بشيء، أو طلبوا منه موقفا، أو استمعوا منه إلى تقدير موقف رأى السيسي أنه كان سلبيا وأنه لم يعد الرجل الذي يشعر معه بـ"الأمان"؟!
السيسي، وباعتباره صاحب سوابق في ميدان التآمر الفسيح، يعلم أهمية موقع رئيس الأركان، والذي كان قناة الاتصال مع الأمريكيين، للتمهيد للانقلاب العسكري. فقد رُفعت تقارير إلى الرئيس محمد مرسي تفيد أن رئيس أركان الجيش، ووزير الدفاع الحالي، قد تردد على مبنى السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي دخلها في موكب. ويقول الراوي، إن التقرير المرفوع للرئيس تضمن أرقام السيارات، ولم يكن الرئيس يدرك أن وزير دفاعه ضالع في المؤامرة، فأخبره بما وصله من معلومات، وطلب منه أن يبحث عن بديل للواء صدقي صبحي!
ما علينا، فكون السيسي وحجازي صهرين، فإنه دفع بكثيرين للاعتقاد أن الأخير سند الأول، ولهذا فإن الاطاحة به أربكت أصحاب هذا الاعتقاد، فأربكهم قرار الاطاحة، فذهبوا إلى التفكير البسيط، ليدعموا نهج إيمان العوام، ثم ينشرونه على البرية بالقول ما حدث مخطط يستهدف تعيين "حجازي" رئيسا للحكومة، وكأن هناك ما يمنع؛ فكان لا بد للتمهيد لهذه الخطوة الكبيرة!
التسليم بأن الصهر لن يختلف مع صهره، هو أمر لا وجود له ولو في الحياة الطبيعية
ماذا سمع رئيس الأركان في واشنطن؟ وماذا قالوا له. وماذا قال لهم؟!
ما علينا، فماذا سمع رئيس الأركان في واشنطن؟ وماذا قالوا له. وماذا قال لهم؟!
من الملاحظ أن السيسي فقد الحماس الإقليمي والدولي له، وقد تبدد الإعجاب من أول نظرة الذي حكم العلاقة بينه وبين ترامب، لا سيما بعد صفقة الأسلحة من كوريا الشمالية، والتي مثلت لعبا منه بالنار، ثم إن وجوده لن يحقق الاستقرار الداخلي، فالإجماع منعقد على أنه إذا كان الحراك الثوري قد توقف، فإن المستقبل ليس مضمونا، فمصر تقف على كف عفريت. وإذا كان الإنجاز المهم لهذه الدوائر هو عزل الإسلاميين، فإن الشرارة إذا انطلقت، فقد تأتي بالإسلاميين مرة أخرى، وبيد هذه الدوائر إعادة تدوير الانقلاب، وقد كانت هذه خطتها منذ الانتخابات الرئاسية الأولى، لكنها لم تحرص على إلزام السيسي بها!
هل وصل السيسي إلى مرحلة برويز مشرف، والذي كان رجل أمريكا لكن الشعب قرر اسقاطه في الانتخابات الرئاسية، فأرسلت واشنطن بنازير بوتو، لتقطع الطريق على نواز شريف، وهذا لم يمنع من أن يقوم مشرف رجل أمريكا بقتل موفدة أمريكا لباكستان، لكن في النهاية كان زوجها هو المرشح الفائز بكل ما عرف عنه من فساد؟!
بعيدا عن القوى الشرعية، التي تعيش في أوهامها عن القوة الخارقة للسيسي، يمكننا القول إن السيسي لا يقف على أرض صلبة، وأن كل الدوائر لديها استعداد لأن تقرأ الفاتحة على روحه، إذا تحرك الشعب!
فهل يتحرك؟!
يحضرني الآن واقع مصر قبل حركة ضباط الجيش في يوليو 1952، إذ كانت القوى السياسية تدور في فلك الحكم القائم، والصراع بين القصر والاحتلال ويشغل حزب الأغلبية "الوفد" الشرعية الدستورية وضرورة الالتزام بها، فإذا بتسعين ضابطا لا أكثر يتحركون على قاعدة "ويفوز باللذات كل مغامر"، فإذا بالملك أضعف مما يتصورون!
لا بأس فقد يتحرك غيرنا!