نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب إيشان ثارور، يقول فيه إن العيون في الشرق الأوسط كلها مركزة على الرياض، حيث "كانت العاصمة السعودية مكانا لسلسلة من الأحداث في نهاية الأسبوع، التي أعطت بعدا دراميا للطموحات الوحشية للقيادة السعودية الجديدة".
ويشير الكاتب أولا إلى إعلان المسؤولين السعوديين عن اعتراض صاروخ باليستي وصل إلى شمال العاصمة الرياض، وأطلقه الحوثيون في اليمن، الذي تقود فيه السعودية تدخلا عسكريا تحول إلى حرب طويلة ومدمرة، وتم الإعلان عن فرض حصار شامل على اليمن يوم الأحد.
ويقول ثارور في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الأمر الثاني هو قرار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الاستقالة أثناء زيارته للسعودية، الذي فاجأ الكثير من المحللين، وأدخل بلده في أزمة سياسية جديدة، ثم جاءت المفاجأة الثالثة في الساعات الأخيرة من يوم السبت، حيث قامت السلطات بما يعتقد أنها عملية تطهير واسعة، وشملت على اعتقال أعداد من أبناء العائلة المالكة، بالإضافة إلى وزراء حاليين وسابقين في حملة لتوطيد سلطة الأمير محمد بن سلمان".
ويلفت الكاتب إلى أن "من بين الذين شملتهم الاعتقالات الأمير متعب بن عبد الله، وهو رئيس قوة النخبة- الحرس الوطني والابن المفضل للملك الراحل عبد الله، وكان من بين الذين اعتقلوا الأمير الوليد بن طلال، الملياردير المعروف وصاحب الاستثمارات المعروفة في شركات تكنولوجيا مثل (تويتر) و(أبل) وغيرهما".
ويذكر ثارور أن التقارير تظهر أنه تم احتجاز المعتقلين في فندق خمس نجوم "ريتز كارلتون"، حيث تأتي الاعتقالات، كما ورد في تقرير مراسل الصحيفة كريم فهيم، في مرحلة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي لم تمر بها المملكة من قبل، وتقوم بمحاولة فتح الاقتصاد وجذب المستثمرين، وتحرير البلد من الاعتماد على النفط، وتحتاج الجهود لتنظيف الفساد في البلد، حيث يشعر السكان الشباب أنهم محرومون من عالم الثروة التي يتمتع بها أبناء العائلة المالكة والمتحالفون معهم.
وتنوه الصحيفة إلى ما كتبه ديفيد كيرباتريك من صحيفة "نيويورك تايمز" أن السعودية "هي ملكية مطلقة دون دستور مكتوب أو مؤسسات حكومية مستقلة، مثل البرلمان أو المحاكم، ولهذا فإن اتهامات الفساد يصعب التأكد منها"، وأضاف أن "الخطوط التي تفصل ما بين الأموال العامة وثروات العائلة المالكة غامضة، والفساد كما تصفه بقية الدول مستشر".
ويقول ثارور إن وكالة الأنباء السعودية بثت أخبارا عن مرسوم للملك سلمان يعلن فيه تأسيس مفوضية للتحقيق في الفساد، أو بحسب ما جاء في المرسوم "استغلال أصحاب ضعاف النفوس، الذين وضعوا مصالحهم الخاصة فوق المصالح العامة"، وترأس اللجنة محمد بن سلمان، الذي يعتقد الكثيرون أنه بصدد استلام السلطة، مشيرا إلى أنه يعتقد أن الاعتقالات كان يعد لها قبل أكثر من عام.
ويشير الكاتب إلى مقتل نائب أمير منطقة عسير الأمير منصور بن مقرن، في حادث تحطم طائرة مروحية، لافتا إلى أن منصور هو ابن الأمير الذي تم عزله من ولاية العرش بعد وفاة الملك عبد الله.
وتورد الصحيفة أن المحللين يرون في الاعتقالات رسالة للمؤثرين ورجال الأعمال، وللمواطنين السعوديين، حيث يقول علي الشهابي من المؤسسة السعودية في واشنطن، إن المتشككين قد يرون في التطورات لعبة على السلطة، لكنها رسالة للمواطنين السعوديين تعلن نهاية عهد النخبة، وأضاف أن هذه الخطوة ستترك آثارها بين المواطنين، خاصة أن تصرفات النخبة ظلت موضوعا مثيرا ولعقود طويلة.
ويفيد ثارور بأن آخرين يرون أنها محاولة متعجلة من الأمير ليؤمن قاعدة السلطة، حيث يقول المحلل بروس ريدل، من معهد "بروكينغز": "يرى المراقبون العارفون بالشأن السعودي أن اعتقالات العلماء والمثقفين هذا الصيف هي دليل على التوترات داخل المملكة"، وأضاف: "لا يوجد ما يضمن حدوث انتقال سلس للسلطة في حال توفي الملك سلمان أو تنحى عن السلطة، وتظهر الاعتقالات الأخيرة أن النقاش بشأن نقل الخلافة أصعب مما يتصوره الملك وابنه".
وتنقل الصحيفة عن الباحث الزائر في معهد "أمريكان إنتربرايز" المحافظ أندرو باوين، قوله إن حملة مكافحة الفساد تشبه تلك التي قام بها الرئيس الصيني تشي جينبنغ، ويمكن مقارنة حملة مكافحة الفساد التي قام بها ولي العهد السعودي، وأضاف باوين: "حملة تشي ضد الفساد العام كان يقصد منها تنظيف صورة الحزب الشيوعي، لكنها استخدمت فرصة لتهميش المعارضين وتقوية موقعه".
ويقول الكاتب: "بعيدا عن السياسة المحلية، فإن ولي العهد قام باتخاذ طريق جدلي في الخارج؛ بصفته مهندسا لسياسة خارجية سعودية أكثر قوة، وتقوم على استهداف إيران، وعلى ما يبدو كان هذا هو سبب استقالة الحريري".
ويذهب ثارور إلى أنه "لا يمكن فصل استقالة رئيس الوزراء اللبناني الحليف القوي للسعودية، التي اتهم فيها إيران وعملاءها بمحاولة اغتياله عن التنافس السعودي الإيراني، حيث اتهم الحريري إيران بإنشاء دولة داخل دولة بدعمها لحزب الله، وألقى حسن نصر الله يوم الأحد خطابا قال فيه إنه سينتظر ليرى ما الذي دفع السعودية لإجبار رئيس الحكومة اللبنانية على الاستقالة".
ويبين الكاتب أن "ولي العهد السعودي يشعر بالجرأة لدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له، وبدا الأخير يكرر كلام السعوديين من ناحية الموقف من إيران، ففي يوم الأحد وصف ترامب الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على الرياض، قائلا إنه (ضربة قامت بها إيران)، ومنح ترامب السعودية الضوء الأخضر للتحرك مع عدد من الدول ضد الجارة قطر".
ويختم ثارور مقاله بالإشارة إلى أن ريدل يرى أن "التطورات الأخيرة لا تشجع"، "فالمملكة على منعطف طرق، واقتصادها يعاني من ركود؛ بسبب أسعار النفط المنخفضة، والحرب في اليمن تحولت لمستنقع، وفشل الحصار على قطر فشلا ذريعا، أما التأثير الإيراني فهو واسع في كل من العراق وسوريا ولبنان، وبالنسبة للخلافة فعليها علامات استفهام، وهي أكثر مرحلة تقلبا في تاريخ السعودية الحديث".
التايمز: كان يجب الاستفادة من موهبة الوليد بن طلال لا اعتقاله
ميدل إيست آي: هل تحطم استقالة الحريري آمال بناء لبنان جديد؟
ذا أتلانتك: الصراع على العرش السعودي يجري علنا