نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للصحافي بول كوتشرين، يقول فيه إنه وبعد أقل من أسبوع من حملة السعودية ضد الفساد فإنه تم اصطياد عشرات الأمراء، بينهم ثلاثة من أثرى الأثرياء.
ويشير كوتشرين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "تم تصوير الاعتقالات على أنها تنظيف لبيئة الاستثمار السعودية؛ لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، وحتى أولئك الذين يعارضون الطريقة التي تم فيها تنفيذ الحملة يعترفون بأن هناك حاجة لترميم النظام".
ويعلق الكاتب قائلا: "واضح أن هذا التحرك من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو لتعزيز سلطته، ما جعل العديد يشكون في كون الفساد هو المحرك الوحيد، إن كان أصلا هو الدافع".
ويستدرك كوتشرين بأنه "بالنسبة للمستثمرين الذين يحاولون قراءة المؤشرات من الخارج، مهما كانت المكائد والدوافع خلف الاعتقالات، فإنها تجلب إصلاحات كانت هناك حاجة ملحة لها منذ زمن طويل".
وينقل الموقع عن المتختصص في اقتصاد الشرق الأوسط مع شركة "كابتال إيكونوميكس" في لندن، جيسون توفي، قوله: "واضح أن الحملة على الفساد شيء جيد؛ لأن الفساد أعاق الاقتصاد السعودي لعقود"، وأضاف قائلا: "فأولا واجهت الشركات الصغيرة صعوبة في التنافس مع الشركات الكبيرة، التي كانت في السابق على علاقة جيدة مع العائلة المالكة، لكن كان على الأشخاص والشركات الاعتماد على جيش من الوسطاء للتعامل مع البيرقراطية".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك، فإن اعتقال 11 أميرا وأربعة وزراء وعشرات الآخرين يوم السبت، بمن فيهم الأمير الوليد بن طلال، قد يكون له أثر سلبي على الاستثمار -داخل وخارج المملكة- فعلى المدى القصير ليس معروفا إن كانت تلك الاعتقالات ستتسع".
ويلفت كوتشرين إلى أن "الفندق، الذي استضاف مؤتمر الاستثمارات، الذي وصف بأنه (دافوس في الصحراء، فندق (ريتز كارلتون)، الذي مضى على افتتاحه 6 سنوات، تحول بين ليلة وضحاها إلى سجن، وهذا أمر يقلق المستثمرين".
ويوضح الكاتب أن "هناك قلقا، من شركة (تويتر) وشركة (سيتي غروب) إلى شركة (أبل)، حيث يمتلك كثير ممن يظن أنهم محتجزون داخل الفندق نسبا مهمة من هذه الشركات، وقد طرحت أسئلة أيضا حول فندق السافوي في لندن، الذي يملكه الوليد بن طلال، فهل سيصبح ملكا للحكومة السعودية؟".
ويبين كوتشرين أنه "في الوقت الذي لم تكن فيه التداعيات كبيرة، ولا تزال لم تتكشف بشكل كامل، إلا أن إحدى البؤر المتأثرة هو لبنان، الذي وصل إلى حالة انفعال بعد أن استقال رئيس وزرائه من الرياض في اليوم الذي وقعت فيه الاعتقالات ذاته، خاصة بسبب العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين".
ويذهب الكاتب إلى أن "هناك حاجة ملحة للسعودية لجذب الاستثمارات لتنويع اقتصادها وإبعاده عن النفط، وتسعى خطة السعودية رؤية 2030، التي أعلن عنها محمد بن سلمان في حزيران/ يونيو 2016، إلى أيجاد 450 ألف وظيفة في القطاع غير الحكومي بحلول عام 2020، وأن يدعم الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 60% من 40% عام 2014".
ويورد الموقع نقلا عن مراقبين، قولهم إن الحملة الشاملة الأخيرة من الاعتقالات، بالإضافة إلى تقوية سيطرة محمد بن سلمان على المملكة، همت أيضا تحذير للاصطفاف مع الإصلاحات، ويقول الأستاذ المساعد في العلوم السياسية المقارنة في لندن "سكول أوف إيكونوميكس" ستيفين هيرتوغ: "كان الكثير من ذلك إخبار آل سعود البقاء خارج الأعمال المتعلقة بالحكومة، وهذا بحد ذاته شيء جيد.. وسنرى كم سيتسبب ذلك بأضرار جانبية على شكل هروب رؤوس الأموال وثقة رجال الأعمال بالاقتصاد".
ويقول كوتشرين: "إلى الآن، ومع أن المعتقلين خسروا ثرواتهم بسبب تراجع أسعار الأسهم في شركاتهم، فإنه لم يكن هناك أثر سلبي على الاقتصاد السعودي، ومع أن الحملة جمدت حسابات المعتقلين البنكية، واضعة حوالي 33 مليار دولار من الأموال الشخصية في خطر، بحسب أرقام (بلومبيرغ)، إلا أنه لم يتم تجميد حسابات الشركات".
ويستدرك الكاتب بأن "الحجم الكامل لاستثمارات هؤلاء الأمراء في الاقتصاد السعودي غير معروفة، فيقول توفي إن (لهم أصابع في عدة مجالات)، وللحصول على ثقة المستثمر، فإن على الرياض أن تثبت بسرعة أن الاعتقالات لن تؤدي إلى محاكمات استعراضية، وأن يكون الهدف هو إلغاء النظام القديم الذي احتكر الاقتصاد".
وينقل الموقع عن المستشار في "غولف ستيت أنالاتيكس" ثيودور كراسيك، قوله إن على المملكة أن تتعلم من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بمن فيها الإمارات، التي بدأت حملات ضد الفساد خاصة بها، ويضيف كاراسيك: "الآن هو دور السعودية، يجب أن تبعث رسالة للجميع في المملكة وفي المنطقة بأنها ضد الفساد وضد الابتزاز، وأنها تسعى لفتح أبوابها للمستثمرين في بيئة جديدة شفافة".
ويستدرك كوتشرين بأن "السعوديين سلكوا طريقا آخر، فالإماراتيون قاموا بحملتهم بهدوء، وعلى فترة ممتدة من الزمن، وليس إعلانا مفاجئا تم بموجبه جمع الكبار كلهم في فندق خمس نجوم، إلا أن سرعة وسعة الحملة قد تضربان الاقتصاد على المدى القصير، حيث يخشى المستثمرون من وضع أموالهم في ظروف استثمارية غير مشجعة".
ويقول تيوفي: "يجب الملاحظة أن الاستثمار في السعودية تراجع بنسبة 16% العام الماضي.. وآخر ما تحتاجه البلد هو الفوضى السياسية في وقت كانت تحاول فيه جذب المستثمرين الأجانب لتطبيق خطة رؤية 2030، لكن بسبب عدم الوضوح وعدم إمكانية الاعتماد على الشراكات مع المعتقلين.. فقد يؤثر ذلك على الاستثمار أيضا"..
ويعلق الكاتب قائلا إنه "بسبب عدم الوضوح وحجم التحقيقات في الفساد فإن المستثمرين الدوليين ترددوا خوفا من أن يعلقوا أنفسهم، فالاتهامات بدفع الرشاوى لتأمين عقود في المملكة قبل عشرات السنين، بما في ذلك شركة (برتش إيروسبيس)، التي تم التحقيق في تعاملاتها من مكتب التحقيق في الاحتيالات الخطيرة عام 2000".
ويستدرك كوتشرين بأنه "لا يبدو أن محمد بن سلمان يريد الذهاب إلى ذلك الحد، حيث يقول توفي: (التركيز ليس على الرشاوى التي تدفعها الشركات الأجنبية للوزراء السعوديين والتجار، ولا أظن أن محمد بن سلمان يريد جر الشركات الدولية الكبيرة (للمحاسبة) علنا)".
ويقول هيرتوغ للموقع: "من المبكر معرفة ما سيحصل، لكن ملاحقة المزيد من رجال الأعمال غير المرتبطين بالعائلة المالكة سيكون مكلفا اقتصاديا، فأتوقع أن تقتصر الأهداف المستقبلية على الأمراء والمسؤولين الآخرين"، أما كراسيك فيقول إنه سمع أنه سيتم اعتقال المزيد بتهمة الفساد على مدى الأسبوعين القادمين.
وينوه الكاتب إلى أن بعض الاعتقالات فاجأت المحللين، خاصة تلك المتعلقة بالإعلام الذي دعم العائلة المالكة السعودية، مثل وليد الإبراهيم مالك شبكة "أم بي سي"، التي تملك "العربية"، بالإضافة إلى الوليد بن طلال الذي يملك 80% من "روتانا".
ويرى كوتشرين أن "اعتقال الأشخاص ذوي العلاقة بشركات الإنشاء لم يكن مفاجئا، حيث يقول توفي: (كان لا بد من جر شركات الإنشاءات التي لطالما قيل إنها تتعامل بعقود مضخمة)، وكانت أكبر الشركات التي تأثرت بهذه الحملة يمتلكها بكر بن لادن، مدير مجموعة ابن لادن للبناء، وهي إحدى الشركات المطورة في مكة المكرمة".
ويلاحظ الكاتب أن "هذه الشركة في وضع اقتصادي سيئ بعد أن خسرت مليارات بسبب عدم حصولها على عقود حكومية، بعد حادثة الرافعة، التي قتلت 107 أشخاص عام 2015، حيث قامت الشركة بطرد 77 ألف عامل أجنبي في "2016.
ويشير كوتشرين إلى أن "الشركة الأخرى هي شركة (سعودي أوجيه)، التي أنشأتها عائلة الحريري، والتي أعلنت إفلاسها في تموز/ يوليو، وأحد الأمراء المعتقلين هو الأمير عبد العزيز بن فهد، الذي يملك حصة غير رسمية كبيرة في الشركة، بحسب هيرتوغ، الذي قال: (كانت سعودي أوجيه متورطة في مشاريع مشكوك فيها تحت حكم الملك فهد والملك عبدالله)، وللمفارقة فإن شركة (سعودي أوجيه) هي التي شيدت فندق (رتز كارلتون)، حيث يعتقل الأمراء".
ويقول الكاتب إنه "مع استقالة الحريري قبل ساعات من الاعتقالات، كانت هناك تساؤلات حول إمكانية وجود رابط بين الاستقالة والتحقيقات، حيث يقول توفي: (من الصعب معرفة ماذا يحصل، لكن هناك إشاعات بأن الحريري علق في الحملة ضد الفساد)".
ويورد الموقع نقلا عن مسؤول لبناني كبير، قوله يوم الخميس لـ"رويترز"، إن العديد من المسؤولين في الحكومة يعتقدون أن المملكة تحتجز الحريري ضد إرادته، وأضاف: "إن إبقاء الحريري والحد من حريته في الرياض هجوم على سيادة لبنان، وكرامته هي كرامتنا، وسنعمل مع دول أجنبية ليعود إلى لبنان".
ويلفت كوتشرين إلى أن "هناك تخمينات حول التنسيق بين الرياض وواشنطن، حيث زار زوج ابنة الرئيس دونالد ترامب الرياض في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، دون إعلان عن الزيارة، واجتمع بمحمد بن سلمان، بالإضافة إلى أن هناك اتهامات بأن من اعتقلوا، مثل ابن طلال، كانوا على علاقة بشركة الضغط (بوديستا غروب)، التي أسسها جون بوديستا، الذي كان مديرا سابقا لحملة هيلاري كلينتون الانتخابية".
ويفيد الكاتب بأن "الأمير ابن طلال كان مؤيدا لكلينتون، وعارض رئاسة ترامب علنا من خلال "تويتر" خلال الحملة عام 2016، فغرد ضد ترامب قائلا: (أنت عار، ليس على الحزب الجمهوري فقط، لكن لأمريكا كلها.. انسحب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية لأنك لن تفوز".
ويقول كاراسيك إن "الاعتقالات تتعلق بالخلط في الأموال بين البنوك اللبنانية والسعودية القائمة على (البقشيس)، ولذلك استقال الحريري، وهو الآن يساعد السعوديين في فك الارتباط بين البنوك اللبنانية والنظام البنكي السعودي، لخلق ثقافة تهدف إلى ملاحقة حزب الله (ماليا)".
ويختم كوتشرين مقاله بالقول إن "ما يخشاه المراقبون الآن هو أن تقوم السعودية بسحب أموالها من البنوك اللبنانية، أو أن تقوم بطرد العاملين من لبنان في المملكة، كما فعلت الإمارات، ما سيشكل كارثة كبيرة؛ لأن الكثير من الأموال تأتي من الخليج، حيث تشكل التحويلات من دول الخليح حوالي ثلثي التحويلات (الشخصية) الورادة من الخارج إلى لبنان".
ديلي تلغراف: في لبنان يسألون "أين سعد الحريري؟"
روبرت فيسك: هذه قصة إجبار الحريري على الاستقالة
واشنطن بوست: إدارة ترامب تخالف تصريحاته بشأن السعودية