نشر موقع "لوبلوغ" الأمريكي تقريرا حول السياسات السعودية وتأثيرها على الأوضاع في الشرق الأوسط، اعتبر فيه أن المملكة تتحمل مسؤولية انعدام الاستقرار في المنطقة، وأن أسلوب محمد بن سلمان المتهور وعديم الخبرة ينذر بكارثة على المستويين الداخلي والخارجي.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن المملكة السعودية التي تدار بنظام حكم العائلة الواحدة وبطريقة عفا عليها الزمن، لطالما عانت من الهشاشة السياسية. ولذلك، من المفاجئ أن يصمد هذا الكيان السياسي حتى القرن 21. فالطبقة الحاكمة فيها هي عبارة عن مجموعة من الأمراء الذين يعيشون من ريع الثروات النفطية الهائلة، وتستخدم هذه الموارد أيضا لشراء ولاء الشعب الذي يتزايد تعداده بشكل سريع.
وأضاف الموقع أن حكام السعودية مارسوا هذه اللعبة لوقت طويل على الرغم من التقلبات التي تشهدها أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتبعية اقتصاد المملكة للصادرات النفطية. ولذلك، كان احتمال سقوطهم قائما باستمرار. وفي الوقت الراهن، يبدو أن اللعبة التي يقوم بها الملك وابنه المفضل، الشاب الطموح والمفتقد للخبرة، جعلت هذا الاحتمال أقرب من أي وقت مضى.
وأوضح الموقع أن صراع السلطة الذي يخوضه ولي العهد محمد بن سلمان، تضمن قيامه مؤخرا بحملة اعتقالات ضخمة امتدت إلى أمراء ومسؤولين ورجال أعمال بارزين، في تهديد مباشر للطريقة التقليدية والثابتة التي كان انتقال الحكم يدار بها في المملكة.
وعلى الرغم من وجود شخص واحد في منصب الملك في كل مرة، إلا أن نظام الحكم العائلي يضمن توزيع الصلاحيات بين مختلف أفراد العائلة المالكة. ولكن مع هذه الحملة الأخيرة وتجميع كل النفوذ في يد الشاب محمد بن سلمان، يبدو أن هذا النظام قد أصبح جزءا من الماضي.
وأشار الموقع إلى أن السؤال ظل مطروحا لعقود من الزمن، حول مآل حكم المملكة بعد انتقال السلطة من الأب المؤسس عبد العزيز بن سعود وأبنائه نحو الجيل الثالث من العائلة المالكة. وفي الواقع، ليس هناك سبب وجيه يبرر قيام الملك سلمان، الملك السادس منذ وفاة الأب المؤسس خلال سنة 1953، بتمرير الحكم نحو ابنه المفضل محمد.
وأوضح الموقع أن الملك سلمان بدت عليه علامات الضعف والشيخوخة منذ توليه الحكم قبل سنتين عن عمر يناهز 79 سنة. ولم يكن صف ولاية العهد يتضمن فقط بقية إخوة الملك من أبناء عبد العزيز، بل أيضا أحفادا له يتقدمون في ترتيب الولاية والخبرة والكفاءة. وبعض هؤلاء أبناء ملوك، على غرار مدير المخابرات والسفير السابق في واشنطن وبريطانيا، الأمير تركي بن فيصل.
واعتبر الموقع أنه على الرغم من الدعاية التي رافقت حملة الاعتقالات الأخيرة، وحالة الإجماع العائلي التي قد تظهر حول قرار تعيين محمد بن سلمان كولي للعهد، فإنه لا شك في وجود حالة من الرفض والامتعاض داخل العائلة لصعود هذا الشاب، وهو ما ينذر بالمزيد من انعدام الاستقرار الداخلي في السعودية.
ورأى الموقع أن الخطوات الجريئة التي يقوم بها ولي العهد تعيد للأذهان صراع السلطة الذي خاضه شاب آخر ضمن نظام دكتاتوري، وهو كيم جونغ أون من كوريا الجنوبية، حيث إن كليهما من العمر نفسه تقريبا، وقاما بتصفية الخصوم دون إقامة أي اعتبار لروابط الدم والعائلة.
وقد تضمنت تحركات الرئيس الكوري إعدام خصوم باستعمال مدافع مضادة للطائرات. أما أسلوب الشاب السعودي، فقد كان أقل عنفا واكتفى بسجنهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض، وهو ما يعد طريقة أقل دموية، ولكنها تطرح عدة تساؤلات حول المستقبل، باعتبار أنه كسب لنفسه أعداء وربما يضطر في النهاية لاستخدام أسلوب الرئيس الكوري للتخلص من الخطر.
وأكد الموقع أن غياب الاستقرار على الصعيد الداخلي في المملكة سيؤثر كثيرا على مواقف الأطراف الخارجية، ولاسيما الولايات المتحدة، عند اتخاذ قرار القبول بمحمد بن سلمان كحاكم جديد للملكة ومن أجل فهم خطورة هذه الحسابات، يكفي النظر للضفة الأخرى من الخليج لرؤية ما حل بنفوذ واشنطن في المنطقة بعد دعمها لنظام الشاه في طهران.
بالإضافة إلى هذه الحسابات الخارجية، فإن أسلوب محمد بن سلمان الداخلي مرتبط بتصدير انعدام الاستقرار من المملكة نحو باقي دول المنطقة. ولا يقتصر سبب ذلك فقط على كوْن تجميع السلطات في يد هذا الشاب يضاعف من أضرار التهور وانعدام الخبرة، بل أيضا على أن وجود صراعات خارجية يساعد الحكام على تثبيت حكمهم عبر إلهاء الشعب عن المشاكل الداخلية وتغذية الشعور القومي لديه.
واعتبر الموقع أن السعودية كانت حتى قبل صعود ابن سلمان مصدرا لغياب الاستقرار وتصدير المشاكل للمنطقة. وقد تضمنت ممارساتها استخدام قوات عسكرية للقضاء على تحركات الأغلبية الشيعية في البحرين التي تحكمها عائلة سنية، وتأجيج الحرب الأهلية في سوريا بالتعاون مع المتطرفين في تنظيم القاعدة.
وحذر الموقع من أن ابن سلمان يسير بسرعة أكبر نحو المزيد من تقويض الاستقرار في المنطقة، ومن أولى علامات هذا التوجه كانت الحرب التي شنها على اليمن، حيث شاركت القوات السعودية والإماراتية في التدخل في هذا الصراع الداخلي، الذي كان سببه الأصلي انقسام القبائل حول الحكم في اليمن، وتسبب هذا التدخل بتحويل الصراع إلى أزمة إنسانية دولية.
وأكد الموقع أن هذا الشاب المتهور زاد من تعقيد الأوضاع في هذا البلد المجاور، حيث إنه بعد وقت قصير من حملة الاعتقالات التي شنها في الرياض، أعلن عن فرض حصار كامل حول اليمن، من البر والجو والبحر، في تواصل لسياسة العقاب الجماعي التي يتعرض لها الشعب اليمني دون أي ذنب، في هذا الصراع العبثي من أجل السيطرة على البلاد.
كما اعتبر الموقع أن محاولات محمد بن سلمان لإخضاع أمير قطر انتهت إلى فشل ذريع ولم تؤدّ لشيء، سوى لتأجيج التوترات والانقسامات في منطقة الخليج العربي. وبالتزامن مع حملة الاعتقالات المفاجئة، أقدمت السعودية على خطوة جديدة لتقويض الاستقرار في لبنان، حيث بدا واضحا أن النظام السعودي يقف وراء إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن استقالته. ويذكر أن عائلة الحريري كانت قد جمعت ثروتها الكبيرة في المملكة السعودية، كما أن سعد الحريري يحمل الجنسية السعودية، وقد أعلن استقالته في أثناء وجوده في الرياض.
ورجح الموقع أن نوايا الرياض تتجه نحو تصعيد التوتر في لبنان من أجل استهداف حزب الله، الذي يمثل جزءا من التحالف الحاكم في البلاد. في المقابل، مثّلت هذه الخطوة فرصة للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، للظهور كشخص صادق وذكي حين أشار إلى الدور السعودي وراء استقالة الحريري، وقدم نفسه كشخص يهتم باستقرار التحالف الحكومي في لبنان عوضا عن الأزمات والصراعات.
واعتبر الموقع أن من أهم الملفات الإقليمية التي يركز عليها محمد بن سلمان، هنالك العداء الشديد تجاه حزب الله، حليف إيران. ومن المفارقات الغريبة في هذا السياق أن خصوم إيران في المنطقة دائما يتهمونها بالسعي لنشر الفوضى وتقويض الاستقرار. في المقابل، فإن أكثر طرف يسعى لخلق الأزمات وافتعال الصدامات والحروب هو محمد بن سلمان، بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
واعتبر الموقع أن اختلاق السعودية لهذه الأزمة مع لبنان يظهر من خلال تصريحات الوزير السعودي للشؤون الخارجية، الذي استخدم سلسلة من الحجج والأفكار للقول إنه بعد رحيل سعد الحريري لن يكون هناك تفريق بين حزب الله والحكومة اللبنانية، وبالتالي ستتعامل المملكة السعودية مع لبنان كدولة معادية. وفي ظل هذه الأزمة السياسية التي كانت السعودية هي من افتعلها عن قصد، يتواصل امتناع إيران عن التطرق لهذا الموضوع بأي شكل من الأشكال.
وأكد الموقع أن إدارة الرئيس ترامب تتعامل مع هذه المسألة بكثير من التغافل والتجاهل، وتسعى لتأجيج الصراع في المنطقة. فقد نشر الرئيس تغريدة حول البورصة التي يجب أن يتم فيها طرح أسهم شركة أرامكو للتداول أول مرة، فيما نجح صهره جارد كوشنر في التقرب من ولي العهد محمد بن سلمان والاستفادة من هذه الفرصة خلال زيارته الأخيرة للرياض، قبل أيام قليلة من حملة الاعتقالات المفاجئة.
وذكر الموقع أن هذه العلاقة المتينة بين عائلة ترامب ومحمد بن سلمان، تأتي في سياق توطيد العلاقات بين مجموعة من الحكام، من بينهم ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات محمد بن زايد، والسفير الإماراتي في واشنطن حيث إنهم جميعا باتوا يتبنون الخطاب نفسه، ويحرضون على المواجهة مع إيران، لدرجة أنه أصبح من الصعب معرفة مدى تأثير ودور كل منهم في اتخاذ القرارات.
ولكن في كل الأحوال إذا تواصلت السياسة الأمريكية الحالية تجاه منطقة الخليج العربي، فستكون واشنطن ضليعة في تقويض الاستقرار الذي سيتسبب به الأمير الشاب في الرياض.
الموقع: لوبلوغ
الكاتب: بول بيلار
الرابط:
https://lobelog.com/saudi-arabia-wellspring-of-regional-instability/
محلل غربي: الإقطاعيات الملكية خارج فرع آل سلمان يتم تطهيرها
هل ينتظر الحريري مصير الأمراء المعتقلين بسبب جنسيته الثانية؟
"صراع العروش" بالسعودية.. هؤلاء أبرز الأمراء الذين أطيح بهم