تواجه السياسات السعودية الخارجية في هذه الأيام؛ أزمة كبيرة، ولا سيما بعد التعاطي المباشر والفاشل مع أزمتي قطر ولبنان.. فإلى أين تتجه هذه السياسات؟ وهل نحن أمام نهاية للدور السعودي الإقليمي والعربي؟
لقد تميزت السياسة السعودية الخارجية تاريخيا؛ بالعمل غير المباشر، والحرص على الابتعاد عن التدخل الواضح في الشؤون الخارجية للدول العربية والإسلامية، والاعتماد على قوى سياسية، أو تنظيمات إسلامية أو حزبية أو شخصيات فاعلة، من أجل التصدي للقوى الأخرى المعادية للسياسات السعودية وحلفائها.
تميزت السياسة السعودية الخارجية تاريخيا؛ بالعمل غير المباشر، والحرص على الابتعاد عن التدخل الواضح في الشؤون الخارجية للدول العربية والإسلامية
ونجحت هذه السياسات في القرن العشرين في تحقيق نجاحات مهمة في الصراع ضد الرئيس جمال عبد الناصر، وفي الحرب اليمنية الأولى في ستينيات القرن الماضي، وفي أزمة سلطنة عمان في مواجهة ثوار ظفار، وفي عقد اتفاق الطائف في لبنان، وفي التصدي للاحتلال السوفييتي لأفغانستان، ومواجهة القوى اليسارية والقومية في العالم العربي، وكذلك في مواجهة تداعيات الثورة الإيرانية عام 1979؛ عبر الدعم المباشر للحرب التي شنها الرئيس العراقي صدام حسين ضد إيران، ومن ثم دعم التدخل الدولي لمواجهة احتلال صدام حسين للكويت.. كل ذلك حوّل السعودية إلى قوة إقليمية وعربية مهمة، وانتهت المرحلة الناصرية والقومية، كما نجحت السعودية في استيعاب تداعيات الثورات الشعبية العربية الأخيرة، والتي اندلعت منذ العام 2011، وأصبحت السعودية وحلفاؤها اللاعب الأول في العالمين العربي والإسلامي.
لكن التطورات الأخيرة في أزمتي قطر ولبنان، إضافة للتطورات في اليمن والبحرين والعراق وسوريا، تشير إلى أن السياسات الخارجية للسعودية تواجه مأزقا كبيرا، في ظل الفشل في تحقيق الأهداف المطلوبة، وتعرض الأمن القومي السعودي إلى خطر مباشر وكبير، لأول مرة منذ تأسيس المملكة السعودية في بدايات القرن العشرين.
التطورات الأخيرة في أزمتي قطر ولبنان، إضافة للتطورات في اليمن والبحرين والعراق وسوريا، تشير إلى أن السياسات الخارجية للسعودية تواجه مأزقا كبيرا
ولأنه لا يمكن الحديث بشكل مفصل عن كل السياسات السعودية الخارجية ودورها في دول المنطقة، فسيتم التركيز على الدور السعودي في قطر ولبنان؛ نظرا لخصوصية هذين البلدين بالنسبة للسعودية، وللفشل الذريع والواضح في سياسات السعودية تجاه بلدين كانا يعتبران حليفين أساسيين للمملكة، وخصوصا في السياسات الخارجية وعلى صعيد العمل في مواجهة مختلف الأزمات.
وأما بالنسبة لقطر، وخصوصا بعد الثورات الشعبية العربية، فقد كانت حريصة على التعاون مع السعودية، وكان هناك تنسيق في العديد من الملفات، ولا سيما في الأزمة السورية، كما كشف رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم. وكانت قطر حريصة على لعب دور متوازن في العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، ولا سيما إيران وتركيا، والأخذ بالاعتبار المواقف السعودية. لكن يبدو أن السعوديين لم يعودوا قادرين على تحمل هذا الدور المتوازن، وأرادوا إلحاق قطر نهائيا بالموقف السعودي، واستفادوا من مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال القمة الأمريكية - العربية - الإسلامية الأخيرة في الرياض، والتي كان الهدف منها مواجهة إيران والإرهاب، لكن السعوديين، ومعهم البحرين والإمارات ومصر، أعلنوا الحرب على قطر بحجة دعمها للإرهاب وعلاقتها مع إيران، واتخذوا سلسلة إجراءات حصارية ضدها. وكان هناك تخوف من العمل المباشر لتغيير القيادة القطرية وتعيين قيادة جديدة مرتبطة مباشرة بالسعودية، لكن نجاح القيادة القطرية في مواجهة هذه الحرب، وصمودها في وجه الحصار، والاستفادة من علاقاتها مع إيران وتركيا، وحصول بلبلة في المواقف الأمريكية.. كل ذلك أفشل السياسة السعودية تجاه قطر. وبدل أن يتم قطع العلاقات القطرية الإيرانية - كما تريد السعودية - تعززت هذه العلاقات، وتحولت قطر إلى موقع جديد في مواجهة السياسات السعودية.
وفي لبنان كانت السعودية تتمتع بدور سياسي وإعلامي واقتصادي فاعل، ولديها حلفاء أساسيون، وخصوصا تيار المستقبل والقوات اللبنانية وقوى 14 آذار. وكان الرئيس سعد الحريري الحليف الأهم للسعودية، ويلعب دورا مهما في بقاء التوازن السياسي في لبنان في مواجهة حزب الله وحلفائه. ومع أن الواقع السياسي اللبناني مؤخرا لم يكن لصالح السعودية، في ظل المتغيرات الإقليمية والداخلية، فإن وجود الحريري على رأس الحكومة، والإمساك بالعديد من المفاصل المهمة في مؤسسات الدولة اللبنانية، كان يشكل مدخلا أساسيا لأي دور سعودي، سياسي أو شعبي أو اقتصادي، في لبنان والمنطقة.
لكن استقالة الحريري الأخيرة، والتي كانت بطلب سعودي حسب كل المعطيات المتوفرة، وما أحاط بالاستقالة من التباسات حول وضع الحريري في السعودية.. كل ذلك انعكس سلبا على الدور السعودي في لبنان، وبدلا من أن تكون السعودية هي الضامنة لاستقرار لبنان والحفاظ على أمنه، تحولت إلى مصدر للقلاقل. كما أدت الاستقالة وملابساتها إلى تعزيز دور القوى المعارضة للمملكة في لبنان، وأبرزت البلبلة في وضع تيار المستقبل، في ظل الحديث عن سعي سعودي لاستبدال رئيس الحكومة سعد الحريري بأخيه بهاء؛ لقيادة تيار المستقبل، وهذا ما لقي معارضة شديدة داخل التيار وفي الأوساط المؤيدة له.
وبانتظار وضوح الرؤية حول مسار الأزمة اللبنانية، ومصير الحكومة ورئيسها سعد الحريري، فإن كل ما جرى شكل انتكاسة جديدة للسياسات السعودية الخارجية. وكما خسرت السعودية قطر كحليف أساسي، ها هي باتجاه خسارة دورها وموقعها في لبنان.
فهل تشكل هذه التطورات إنذارا للمسؤولين السعوديين لتغيير السياسات الخارجية؟ أم أننا نتجه إلى نهاية للدور السعودي الإقليمي والدولي، في ظل ما يجري داخل المملكة من متغيرات وتطورات لا أحد يعلم إلى أين ستنتهي؟
في المفاضلة بين "إسرائيل" وحزب الله!
سعد زغلول الحريري حسينا لسنّة لبنان ومحاصرو شِعب كارلتون جائعون لتغريدة