نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للكاتبة في الشؤون الدينية سيغال صموئيل، عن ماهية الإسلام السعودي المعتدل، وعما إذا كانت هناك إمكانية للقضاء على الأصولية الدينية من خلال التخلص من النصوص الموضوعة والمتطرفة.
وتقول صموئيل في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إن "السعودية تمضي قدما من أجل تقديم الوجه (المعتدل) لها من خلال الحديث على أنها تمثل (الإسلام المعتدل المنفتح على العالم والأديان كلها)، كما قال ولي العهد السعودي قبل فترة، وتشير الدلائل إلى أن محاولات إعادة تشكيل العلامة التجارية نجحت، ففي أيار/ مايو أثنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذه الجهود، وقام بشكل مشترك بافتتاح مركز لمكافحة الإرهاب في الرياض، وأعلن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية في هذا الأسبوع عن استعداده للتشارك في المعلومات الأمنية مع السعوديين، قائلا إن إسرائيل (ستشترك بالمعلومات مع الدول العربية المعتدلة)".
وتتساءل الكاتبة: "كيف ستقوم دولة ارتبطت بالأصولية بـ(تعديل) الدين الذي تقوم بنشره؟ واحدة من الطرق لتقديم تفسير معتدل للدين هي مركز الملك سلمان لدراسة الحديث النبوي، الذي يعد مصدرا للحياة المسلمة، لكنها محاولة تعطي صورة عن محدودية الاعتدال".
وتعلق صموئيل قائلة إن "المرسوم الملكي، الذي أعلن عنه الشهر الماضي، ونص على إنشاء مجمع الملك سلمان لدراسة الحديث النبوي، لم يكن سياسيا في نبرته، وركز على الطبيعة الدينية للمركز، وبأن مقره سيكون المدينة المنورة؛ لتأكيد استمرارية خدمة هذا البلد للشريعة ومصادرها، ومع انتشار الخبر في الإعلام الناطق باللغة الإنجليزية صار المركز سياسيا، حيث قالت وزارة الثقافة والإعلام إنه (مبادرة غير مسبوقة)، وسيقوم العلماء من خلالها بتصحيح الأحاديث؛ (بهدف التخلص من الأحاديث الموضوعة، وأي نص يخالف تعاليم الإسلام، ويشجع على ارتكاب الجرائم والقتل والأفعال الإرهابية، التي لا مكان لها في الإسلام، دين السلام)، وبهذه الصيغة قام الإعلام الغربي، مثل صحيفة (الغارديان) بالحديث عنه".
وتنقل المجلة عن المحاضر في الحديث في جامعة جورج واشنطن جويل بليتشر، قوله: "القصة الأصلية هي: الملك سلمان ملك تقي، وقام بالتبرع للمؤسسة الدينية"، ويعلق قائلا: "أعتقد أن وزارة الثقافة والإعلام رأت أن هذه القصة مرت عبر رؤيتها، وقالت إنها قصة يمكن الحديث من خلالها عن مكافحة الإرهاب"، وتشير الكاتبة إلى أن المسؤولين السعوديين الذين اتصلت بهم رفضوا التعليق.
وتلفت الكاتبة إلى أن "بليتشر يرى أن كلا الروايتين تخدمان العائلة المالكة بشكل جيد، ففي داخل المملكة فإن إنشاء مجمع الملك سلمان للحديث النبوي جيد للعلاقات العامة؛ لأن العائلة المالكة تستمد شرعيتها من علماء الدين، ولماذا لا نبحث عن طرق جديدة لإنفاق المال عليهم، بالإضافة إلى أن الإعلان جيد للعلاقات العامة في الغرب، فعادة ما يتهم السعوديون بنشر نسخة أصولية من الإسلام يطلق عليها الوهابية، وهو مصطلح يحمل أحيانا دلالات ازدراء في الغرب، ويرغب السعوديون بتحسين صورتهم أمام ترامب، وكذلك المستثمرين المحتملين، باعتبارهم حلفاء أقوياء ضد الإرهاب".
وتتساءل صموئيل عن سبب تقبل رواية العلاقة بين مجمع الملك سلمان والإرهاب، لافتة إلى قول الزميل البارز في المجلس الأطلسي والباحث في الدين والسياسة أتش إي هيللير: "هناك عدد من الناس في الغرب يعتقدون أن الإسلام هو المشكلة، وعليه فإما أن نتخلص منه أو نعيد تركيبه أو تشكيله بصورة أخرى"، ويضيف أن هذه الرواية "تعطي أملا أنه يمكننا تغيير الإسلام إلى شيء يمكننا أن نحبه في الغرب، ولسنا بحاجة إلى مواجهة السؤال الصعب في الغرب مثل.. لماذا نقيم علاقات مع الديكتاتوريين في الدول ذات الغالبية المسلمة".
وتقول الكاتبة: "لو افترضنا أن مركز الحديث سيقوم بالحد من التطرف، مع أنه من غير الواضح إن كان سينجح في ذلك، فإن عملية التأكد من صحة الأحاديث تقتضي التأكد من صحة سند الحديث ورواته".
وتورد المجلة نقلا عن بليتشر تعليقه قائلا: "أشك في الزعم الذي يقول إن هذا سيقود إلى وقف التطرف؛ لأن التصحيح في النهاية ليس المهم، فهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي من السهل أن تستخدمها الجماعات المتشددة لدعم رؤيتها".
وتؤكد صموئيل أن الجمهور المستهدف ليس المتطرفين، الذين يجدون دعما لمعتقداتهم في أي نص تقريبا، لكن الأشخاص الأكثر عرضة للوقوع في حبال التشدد، مشيرة إلى أن هيللير علق قائلا إن من سيقومون بالعمل في المركز "ربما كانوا من السلفيين المحافظين، الذين عادة ما يوبخون غالبية المسلمين لممارسات وأفكار لم تكن إشكالية من الناحية التاريخية، ولهذا فإنهم سيقومون بمناقشة مواقف للراديكاليين المتطرفين وتفكيكها.. مثلا عندما تقول جماعات مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة بوجوب الخروج على الحكومة فإنهم يقومون بمناقشته والتأكيد أنه غير صحيح ويقدمون الأسباب".
وتقول الكاتبة: "ومثلما تعتمد الحكومة على العلماء لتقديم الشرعية لها، يعتمد هؤلاء على رواتب الحكومة، وعليه يقول هيللير: (سيقومون بتفكيك النقاشات التي تتناقض مع احتياجات الدولة السعودية، لكن هل سيقومون بتفكيك الموضوعات الطائفية؟ وهل سيعترفون أن السني يمكن أن يكون صوفيا، ولا يمكن في هذه الحالة وصفه بالمنحرف؟ لا أعتقد هذا)، ويضيف أن (أي محاولة للترويج للدين المعتدل سريعا فيها رائحة شيء غير طبيعي)".
وتنوه صموئيل إلى أنه "لا توجد أيضا أي محاولات فكرية لإعادة إصلاح وفك ارتباط الدولة السعودية بالسلفية المتشددة، التي تنبع من تعاليم محمد بن عبد الوهاب، والتي تعود إلى القرن السابع عشر، ما يعني أن جذور المشكلة تعود إلى ثلاثة قرون، وليس لثلاثة عقود كما قال ولي العهد، عندما ربطها بالثورة الإسلامية عام 1979، وتثير تصريحاته القلق؛ لأنه مهتم فقط بالتاريخ الحالي وليس بأساس المشكلة الكبير".
وتعلق الكاتبة قائلة إن "قيام السعودية بمعالجة المشكلة بطريقة سطحية لن يؤدي إلى تغير عميق، وربما ارتدت العملية بآثار عكسية، حيث تقول طالبة الدكتوراة في جامعة جورج واشنطن أنيلي شيلاين إن (الأثر غير المقصود هو أن يؤدي ذلك لتقويض مصداقية السعودية الدينية)، فقامت السعودية وبنجاح بنشر نسخة معينة من الإسلام لو حاولت تغييرها الآن فإنها قد تؤدي إلى تقوية الأصوات التي تعيش على الهامش، الذين سيؤكدون أنهم المخلصون للنسخة الأصلية".
وتقول شيلاين للمجلة: "سيكون لديك متطرفون مستعدون للقول إن السعودية لم تعد تلتزم بالإسلام الحقيقي، وقادتها في جيوب الغرب، وهو الرأي الحالي عنهم"، وتضيف: "الناس حساسون لأي تدخل مفترض، ومن هنا فإن محاولة الحديث عن دين معتدل تحمل رائحة غير طبيعية".
وتتساءل صموئيل قائلة إنه "في حال لم يستطع مركز الحديث الجديد فك الإسلام في السعودية عن السلفية المتطرفة، فماذا يجب عمله للقيام بالمهمة؟ وتجيب شيلاين قائلة إن (الموقف الأمريكي الواضح هو أن الجواب هو الديمقراطية)، وعند هذه النقطة لو كانت السعودية دولة ديمقراطية وليست ديكتاتورية لاستطاع كل شخص التعبير عن رأيه دون قيود، ولحدثت تعددية في الخطابات الدينية، و(بعضهم سيكون معتدلا والآخر متطرفا، لكن هذا سيساعد الناس لوضع المتطرفين في المكان الذي يليق بهم، وهذا يختلف عن توليدهم)، ففي تونس هناك ديمقراطية ناشئة وتعددية في الأصوات الدينية، ومع ذلك تعد من أكبر المصدرين للجهاديين".
وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن هيللير يرى أن الحل الحقيقي هو إصلاح فكري وعقدي، "ويقتضي هذا الاعتراف بأن السلفية التي جاءت من تراث محمد بن عبد الوهاب، وتقوم عليها المؤسسة الدينية السعودية، ليست المعيار، بل هي رؤية أقلية في داخل العالم السني.. ويقتضي إعادة النظر فيما إذا كانت رسالة محمد بن عبد الوهاب هي الطريق الأصح في جوهرها، ولو قاموا بتفكيك هذا فإنهم سيحققون عملية إصلاح مضادة لرسالة ابن عبد الوهاب".