فتح بيان الجامعة العربية بحقّ حزب الله باب المخاوف في لبنان على مصراعيه؛ تحسبا لحدوث أزمات على الأصعدة كافة؛ اقتصاديا وأمنيا، إضافة إلى الهواجس المتعلقة بتعميق الأزمة السياسية المشتعلة أصلا بفعل ظروف استقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، في الرابع من الشهر الحالي.
وكان وزراء الخارجية العرب أصدروا موقفا حادا عقب اجتماعهم الأخير في القاهرة ضد حزب الله، مكرّرين وصفه بالإرهابي، بسبب ما قالوا إنها "التهديدات والتدخلات الإيرانية" في القضايا والشؤون العربية.
ويرى سياسيون وخبراء استراتيجيون لبنانيون تحدثت إليهم "عربي21" أنّ الأزمة الحاصلة "متعلقة بصراع المحاور الخارجية"، لكنهم استبعدوا "حدوث تداعيات كبيرة أو حتى حرب على لبنان في المدى المنظور، رغم القرع المتواصل لطبولها".
المعادلة الصعبة
ووصف النائب عن كتلة التنمية والتحرير (حركة أمل)، عبد المجيد صالح، بيان الجامعة العربية بالمجحف، قائلا: "الموقف المتخذ لا يتفق مع المنطق العربي، ولا ينسجم مع الأسس التي تأسست عليها الجامعة العربية"، مضيفا في تصريحات لـ"عربي21": "البيان يكرّر ذاته، ولا يخرج عن المربع الذي أوجدت الجامعة العربية نفسها فيه"، متسائلا: "هل من المنطق ترك معضلة الإرهاب والتهديدات الإسرائيلية، وتناسي الأمجاد التي صنعتها المقاومة، والتي تدعم القضايا المشتركة التي يجتمع عليها العرب؟".
غير أنّ عبد المجيد لمح فسحة للتلاقي ما زالت موجودة بين لبنان والجامعة العربية، فقال: "لم تُلق كلّ السهام العربية صوب لبنان، على الرغم من بروز محاولة لتحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن الادعاءات فيما يخصّ استهداف وضرب الأمن العربي"، على حد تعبيره.
ورأى عبد المجيد أن البيان يحمل تهديدا للبنان، لكنه غير مؤثر بالنسبة له، وقال: "من يريد أن ينفذ شيئا في الداخل اللبناني يجب أن يكون قادرا على ذلك"، مستدركا: "ما أقوله ليس تحديا، بل دعوة إلى ضرورة التحلي بالوعي السياسي".
وثمّن عبد المجيد نشاطات الدول الأوروبية، معتبرا أنها "تركت أصداء إيجابية في ذروة الأزمة التي نمرّ بها"، داعيا "اللبنانيين إلى التوحد؛ للخروج من المأزق عبر الحوار الذي لطالما كان جسرا نعبر من خلاله إلى حلحلة الأزمات"، كما قال.
وحذّر عبد المجيد من خطورة المعادلة السياسية في لبنان، وقال: "هي أشبه بمعادلة كيميائية، فأي خلل قد تترتب عليه كارثة، وما أفضت إليه التسوية الأخيرة كان مهما لجهة جمع الأقوياء الثلاثة في دائرة الحكم (يقصد رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة سعد الحريري).
التأثيرات الاقتصادية
وحول مدى تأثر الوضع الاقتصادي في لبنان نتيجة تزاحم الأحداث والتهديدات، قال الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة، في تصريحات لـ"عربي21": "الوضع الاقتصادي في لبنان جيد، ولا خوف من حدوث تأزمات في المدى المنظور، وما لمسناه بخصوص بعض الاضطرابات ناتج عن تشابك بعض الأحداث في توقيت حساس، لكن ذلك لا يشي بخطورة على الاستقرار المالي والتجاري"، متوقعا "تحسنا في الاقتصاد اللبناني في الفترة المقبلة".
وعن أسباب المخاوف التي تثار بشأن احتمالية بروز أزمات مالية وتجارية في لبنان، قال: "الهواجس دائما تحضر بفعل الإشاعات التي تصاحب الأحداث الهامة"، متطرقا إلى أزمة الحظر المالي على حزب الله، مؤكدا أنّ "التعاطي مع هذا الملف ليس جديدا، وهو يمتد لأكثر من خمس وعشرين سنة"، واستغرب إلحاح بعض الدول، ومنها حكومات عربية، على لبنان لتبني حظر شامل على حزب الله، موضحا: "لا يمكن تناسي أنّ الحزب هو جزء من النسيج اللبناني، ولذلك نقارب هذه الأزمة بوعي ودقة بناء على قاعدة الاستقرار الاقتصادي، وبما ينسجم مع المصلحة اللبنانية التي تحفظ أمن الوطن، وتمنع أي ارتدادات تؤثر على صورته المالية والاقتصادية".
وثمّن حبيقة "الوعي الذي يتحلى به أغلب اللبنانيين، واستفادتهم من التجارب السابقة التي أضرت بهم، وولّدت تداعيات كبيرة على مختلف الأصعدة، منها الاقتصادية".
طبول الحرب
ورأى الخبير الاستراتيجي وهبه قاطيشا، في تصريحات لـ"عربي21"، أن المؤشرات المتعلقة بحرب وشيكة على لبنان غير متوفرة، ما يقلّل من هذه الاحتمالية، رغم أن أطرافا تعمل على الترويج للحرب من باب بثّ الذعر في الداخل اللبناني"، بحسب ما قاله.
ورأى أن الحديث عن حرب إسرائيلية غير واقعي، متسائلا: "لماذا تشنّ إسرائيل حربا وهي تنعم بالاستقرار منذ فترة، فيما المناطق المحيطة بها -والتي تهددها دائما- مشتعلة بما يتوافق مع مصالحها".
وحول المستفيد من أصداء قرع طبول الحرب الإسرائيلية على لبنان، قال: "هناك مصلحة إسرائيلية في إبراز عنصر القوة والسطوة، لكونه يبث الثقة لديهم على المستوى الشعبي"، مشيرا إلى أن "حزب الله معني في الترويج للحرب أيضا، من خلال الحديث عن التهديدات المفروضة على لبنان، وذلك لتبرير سلاحه غير الشرعي، وتخفيف الضغط عليه لبنانيا"، وفق قوله.
ونفى قاطيشا تضمن بيان الجامعة العربية مؤشرات حول حروب مقبلة، ورأى أن "الموقف العربي الأخير يضع جميع الدول العربية أمام مسؤولياتها تجاه التهديدات الإيرانية، في خطوة تسبق التوجه إلى مجلس الأمن الدولي".
وأضاف: "البيان العربي لا يهدّد لبنان، وإنّما حمل نقاطا تهدف إلى الضغط على الحكومة اللبنانية؛ للعب دورها؛ لمواجهة تجاوزات الفريق المشترك معها في الحكومة، وهو حزب الله"، على حدّ تعبيره.
طبول الحرب لا تدق..لم لاتتعجل إسرائيل المعركة مع حزب الله ؟
هكذا استفاد حزب الله اللبناني من أزمة استقالة الحريري
كيف قرأ معارضون لبنانيون خطاب حسن نصر الله؟