أعلن عدد من رجال الأعمال، وبعض الشركات والمؤسسات في مصر، عن تبرعهم لحملة "مصر الدفيانة" التي أطلقها الإعلامي المصري عمرو أديب لجمع ملابس وأغطية لحماية الفقراء من برد الشتاء.
وأطلقت بنوك وشركات مصرية عدة حملات خيرية لمساعدة الفقراء في مصر، وحمايتهم أيضا من برد الشتاء، في الوقت الذي حذر فيه مراقبون من المتاجرة باسم الفقراء التي تسببت سياسات الانقلاب الاقتصادية في زيادة أعدادهم بعد سلسلة من قرارات عشوائية أدت إلى ارتفاعات قياسية في كافة أسعار السلع والمنتجات في مصر.
وأكد أديب أن سعر الغطاء الواحد "البطانية" ارتفع من 40 جنيها إلى 100 و150 جنيها، مضيفا: "بنفكر الناس إن في ناس بردانة وعايزة بطانية، في ناس حالتها كرب ومستنية البطانية اللي بتغلى كل سنة"، مناشدا رواد مواقع التواصل الاجتماعي بإطلاق هاشتاج "مصر الدفيانة" لدعم الحملة.
وتفرض الحكومة المصرية، منذ عام 1942، ضريبة تُعرف باسم "معونة الشتاء"، تهدف إلى جمع مساعدات للإنفاق على الفقراء خلال فترة الشتاء وتوفير ملابس لهم، وسط شكوك حول عدم وصول هذه التبرعات إلى مستحقيها.
وقال مسؤول بارز في أحد المؤسسات الخيرية الكبرى في مصر، في تصريحات لـ "عربي21"، إن عددا من الشركات ورجال الأعمال الذين يطلقون حملات خيرية أو يشاركون بتبرعات نقدية أو مساعدات عينية مدونة عليها أسماؤهم، يكون الهدف غير المعلن منها هو التهرب الضريبي، أو تسهيل صفقات مشبوهة تتخذ من مساعدة الفقراء ستارا لها.
ووفقا للمادة 23 من قانون الضريبة على الدخل 91/2005، يتمتع المتبرعون من شركات الأموال والأشخاص وأصحاب المهن التجارية وأصحاب المهن غير التجارية أو المكاتب المهنية (كالمستشارون الهندسيون والمحامون والأطباء) بخصم ضريبي، شرط أن يقدم إيصالا ينص على كلمة "تبرع" وليس أي لفظ آخر كإعانة أو مساعدة.
استغلال الفقراء
وتابع المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه: "من الصعب وضع جميع المتبرعين من رجال الأعمال والشركات في سلة الاستغلال أو المتاجرة بأسماء الفقراء، لكن هذه ظاهرة سنوية لا يعرفها كثير من المصريين"، مؤكدا أن هؤلاء ينبهون قوت الفقراء ومقدراتهم ويعطونهم الفتات من حقوقهم المنهوبة باسم المساعدات والتبرعات.
وأضاف: "نحن لا نقلل من جهود الخير في مصر، كما أن الفقير أو المحتاج يهمه فقط وصول المساعدات إليه، ولا يعنيه الهدف من ورائها، لكن هناك مسؤولون حكوميون متورطون في استغلال رجال الأعمال للفقراء، مقابل مصالح شخصية ضيقة".
وأشار إلى أن مئات الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي تم إغلاقها ومصادرة أموالها وتجميد حساباتها البنكية بعد انقلاب 3 يوليو 2013، حرمت الفقراء في عدد كبير من محافظات مصر من مساعدات حقيقية، وفتحت الباب واسعا أمام المستغلين والمتاجرين بأسماء الفقراء.
اقرأ أيضا: فقراء مصر ضحية تراجع التبرعات بسبب الأزمة الاقتصادية
وكانت سلطات الانقلاب العسكري في مصر، جمدت في الأشهر الأولى من وقوع الانقلاب، حسابات أكثر من ألف جمعية أهلية في مصر بزعم الانتماء إلى جماعة الإخوان، أبرزها "الجمعية الشرعية"، و"جمعية أنصار السنة"، و"جمعية الشبان المسلمين"، وجمعيات أخرى قدرت أصولها بمئات الملايين من الجنيهات، وهو الأمر الذي تسبب في توقف أعمالها الخدمية والشعبية للمواطنين غير القادرين عبر تقديم مختلف الخدمات الاقتصادية والاجتماعية لهم بالمجان على مستويات العلاج والتعليم والرعاية الاجتماعية، وهو ما اعتبره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، حينها، بأنه إعلان حرب على الفقراء.
تبرعات بالأمر
وأكد الخبير في مجال العمل الخيري بمصر، محيي عبد الجواد، أن الأجهزة الأمنية في مصر هي من تحرك حملات جمع التبرعات، تحت غطاء مساعدة الفقراء في مناسبات مختلفة، ويقومون بالاستيلاء على غالبية هذه الأموال، والقليل فقط هو من يذهب إلى الفقراء كستار لهذه الجريمة الاجتماعية، بحسب وصفه.
وقال عبد الجواد في تصريحات لـ "عربي21": "غالبية تبرعات رجال الأعمال في تلك الحملات تكون بالأمر المباشر من رجال محسوبين على الأجهزة الأمنية، وسط تهديدات بمعاقبتهم في حالة الامتناع عن التبرع، وفي كثير من الأحيان يتم تحديد المبلغ المقرر لكل رجل أعمال، كما لو كانت إتاوة وليست تبرعات للفقراء".
وأضاف: "الجمعيات الخيرية التي أغلقها السيسي بعد انقلاب 3 يوليو 2013، كانت تكفل ملايين الفقراء والمحتاجين، وكانت هذه تحمل عبئا كبيرا عن كاهل الدولة في مساعدة هؤلاء"، لافتا إلى أن عدد الفقراء في مصر تزايد منذ الانقلاب العسكري بنسب كبيرة جدا بعد غلاء الأسعار، وأصبح آلاف المصريين يأكلون من القمامة.
وتفاديا للوقوع في فخ حملات التبرعات المشبوهة، ومحاربة سلطات الانقلاب العسكري لرموز وقيادات العمل الخيري محل الثقة لدى المتبرعين، نصح عبد الجواد، أن يتحرى المتبرعون دقة وصول تبرعاتهم إلى مستحقيها بالبحث عمن هم أهل لهذه التبرعات.
وأردف: "الفقراء معروفين دلوقتي في كل شارع وحارة، والناس من شدة الفقر والجوع أصبحت تطلب المساعدات بنفسها ممن يتوسمون فيهم خيرا"، موضحا أن هناك شرائح مجتمعية كثيرة (وخاصة العاملون في طائفة المعمار الذين يعملون باليومية) انضمت إلى طابور الفقراء، مع حالة الركود في الأنشطة التي يعمل بها هؤلاء.
محاربة العمل الخيري
وقال الخبير الاقتصادي، عمر الشنيطي، أن الحكومة المصرية بدلا من أن تشجع العمل الخيري وتساعد الجمعيات الخيرية في أداء دورها، أصدرت قانونا يقيد أعمالها بحجة محاربة الإرهاب.
اقرأ أيضا: قانون الجمعيات الجديد بمصر: مراقبة أمنية وتهديدات بالسجن
وأضاف في تدوينه له عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "النتيجة المتوقعة أنه للأسف السنين اللي جاية هتشهد تراجع كبير في دور الجمعيات وعددها ودور العمل الخيري والأهلي في المجتمع".
وتابع: "الطبقة المتوسطة اللي كانت المصدر الأكبر للتبرعات أصلا اتفقرت والناس بقت مش قادرة توفي احتياجاتها وبتطلع تبرعات بالعافية أملا في ستر ربنا".
وأردف: "ناس كتير كانت بتشتغل في العمل الخيري عشان تزكي عن صحتها وتساعد المجتمع.. الناس دي دلوقتي هتشوف إن الأحسن تحط الوقت ده في الشغل عشان تزود دخلها والأهم تبعد عن أي مشاكل قانونية".
تعرف على لقب "غازي" الممنوح لشهداء وجرحى انقلاب تركيا (صور)
لماذا يواجه المصريون "السيسي" بالسخرية والنكات؟
إحالة صحفية "اغمز يا ريس" للنيابة.. ونشطاء: ليس له صاحب