خلال
لقاء جمعه بهم قبل أيام، دعا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؛ أعضاء كتلته النيابية للحديث بلغة واحدة. للحظات،
ظنّ نواب كتلة المستقبل أن الشيخ سعد يمازحهم، لكن ملامحه الجادة جعلتهم يدركون أن
الأمر ليس مزحة. حينها عدّلوا من جلستهم، وتصنّعوا الاهتمام بما يقوله زعيمهم وهم
لايدرون ما يفعلون. أحدهم خرجت منه ضحكة مكتومة لم ينجح في إخفائها، آخر فتح فمه
تاركا الهواء يسبح بين أسنانه استغرابا، ثالث استنجد بقصاصة ورق وجدها أمامه
فتظاهر بالكتابة، رابع أطرق متأملا بالزخرفات الموزعة في سقف القاعة، يفكر
بالملامح التي ينبغي أن يظهر عليها، أما البقية فتظاهروا بالفهم والاهتمام وهزّوا
برؤوسهم مؤيدين موافقين.
بعد
انتهاء الاجتماع، خرج معظم النواب جماعات ثنائية وثلاثية لاستيضاح ما سمعوه. فهم لم
يفهموا عن أي "لغة واحدة" يريد منهم زعيمهم التحدث بها. هل يتحدثون بلغة
سعد الحريري نسخة الرياض؟ أم لغة سعد الحريري النسخة المنقحة التي تحدث بها في باريس
وبعد عودته إلى بيروت؟ أم إن المطلوب العودة إلى لغة سعد الحريري ما قبل الرياض؟!
أزمة
حقيقية يعيشها نواب تيار المستقبل وكوادره وإعلاميوه ومؤيدوه، هم لا يدرون كيف يُرضون
زعيمهم، وحائرون في تحديد الموجة التي عليهم أن يركبوها. فهم طوال أكثر من عام
كانوا ينظّرون للتسوية التي أدت لانتخاب رئيس الجمهورية، ووصول سعد الحريري إلى
السراي الحكومي، وتشكيل حكومة بعد سنوات من التعطيل. وكانوا
يواجهون بصدورهم كل اتهام بالتنازل والخضوع لشروط الطرف الآخر؛ بترداد رواية ليست مقنعة
لكنها كانت موحّدة، وهي أن سعد الحريري تنازل وضحّى في سبيل عودة الأمن والاستقرار
وتسيير عجلة الدولة.
لكن
الشيخ سعد غافلهم على حين غرّة، وذهب إلى الرياض، ليطلق من هناك لغة جديدة لم
يألفوها ولم يستعدوا للتنظير لها، والدفاع عنها والترويج لها. فبعدما كان حزب الله
قبل شهر مكوّنا أساسيا من مكونات الشعب اللبناني ويستحيل تجاوزه أو تشكيل حكومة
من دونه، صار فجأة يدا إيرانية يجب أن تقطع، وتحوّل إلى مليشيا توجه سلاحها إلى صدور
اللبنانيين والسوريين واليمنيين. وبعدما كانت الأوضاع في أحسن حال من الأمن
والاستقرار، باتت الأوضاع – حسب بيان الاستقالة - شبيهة بالتي سبقت اغتيال الرئيس
رفيق الحريري.
لم
تكد تمر ساعة على بيان الاستقالة من الرياض، حتى خرج نواب وقيادات وإعلاميو تيار
المستقبل للترويج للخطوة الجديدة التي أقدم عليها الحريري، وبدأ الحديث عن تدهور
الأوضاع الأمنية، واحتمال عودة الاغتيالات السياسية، وأن سلاح حزب الله يجب أن يجد
حلا.
مشكلة نواب وكوادر وإعلاميي تيار المستقبل؛ لا تكمن فقط في أن زعيمهم تحدث خلال أسبوعين بثلاث لغات مختلفة ومتناقضة، بل تكمن أيضا في أنهم اليوم حائرون لأي لغة يهللون
مشكلة نواب وكوادر وإعلاميي تيار المستقبل؛ لا تكمن
فقط في أن زعيمهم تحدث خلال أسبوعين بثلاث لغات مختلفة ومتناقضة، بل تكمن أيضا في
أنهم اليوم حائرون لأي لغة يهللون. فهم لا يستطيعون الاستمرار بترداد لغة الرياض
التصعيدية، ولا هم مدركون لإمكانية استرجاع اللغة التي سبقت الرياض، ولاهم قادرون
على استنباط اللغة الجديدة التي يريد سعد الحريري أن يتحدث بها في المرحلة المقبلة.
على
سعد الحريري أن يرأف بمن حوله ويرحمهم، وأن يرسو على لغة واضحة المعالم، كي يتسنّى
لرفاقه الفرصة للترويج والتصفيق لها.
عادل الجبير يوزع الجنسية اللبنانية على اللبنانيين
"سعد أحمد عبد ربه شفيق هادي الحريري"!!