أعلنت
روسيا الاثنين، عن بناء مستودع لتخزين الوقود النووي المستنفد، لمحطة "
الضبعة" النووية التي تبنيها في
مصر، ما أثار المخاوف من استخدام روسيا المشروع كستار لدفن نفاياتها النووية بالأراضي المصرية.
ويعزز تلك المخاوف، أن محطة الضبعة النووية التي سيتم إنشاء النسبة الأكبر منها بقرض روسي يبلغ 25 مليار دولار، وتتكون من 4 مفاعلات قدرة الواحد منها 1200 ميغاوات، بإجمالي قدرة 4800 ميغاوات؛ لم يتم بناؤها بعد.
وحول الآثار الناجمة عن التجارب النووية والتسرب الإشعاعي والنفايات النووية، أكد تقرير لمنظمة الأطباء العالميين لمنع نشوب حرب نووية؛ موت مليون ونصف المليون من البشر، وإصابة عشرات الملايين بأمراض خطيرة مثل السرطان، وموت أكثر من نصف مليون بسرطان ناجم عن تجارب الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وفرنسا وبريطانيا.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وقعت مصر وروسيا على اتفاق لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء بمنطقة (الضبعة) شمالي البلاد، بتمويل روسي عبر قرض قيمته 25 مليار دولار يسدد على 30 عاما بفائدة 3 بالمائة.
ومؤخرا ظهرت اتفاقيات مصرية روسية تركت أيضا علامات استفهام للشارع المصري ومنها، ما أعلنه وزير التجارة والصناعة، طارق قابيل، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حول توقيع اتفاقية نهاية العام، لإنشاء المنطقة الصناعية الروسية شرق بورسعيد بمساحة 5 ملايين متر مربع، واستثمارات 7 مليارات دولار، و190 مليون دولار تكاليف إنشاء.
وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، كشفت الحكومة الروسية عن اتفاق مع مصر يسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2016، قال موقع "برافادا" الروسي، إن روسيا استأجرت قاعدة عسكرية بمدينة "سيدى براني" بمطروح، شمال غرب البلاد في اتفاق يتم تنفيذه بداية 2019، مقابل تحديث روسيا للمنشآت العسكرية المصرية على البحر المتوسط.
وحول المخاوف من
النفايات النووية الناتجة عن مشروع الضبعة، قال رئيس هيئة الطاقة النووية، حسن محمود، أمام البرلمان في شباط/فبراير الماضي، إنه سيتم التخلص من النفايات النووية وفقا لأحدث الطرق العالمية والمعترف بها دوليا.
ولكن خبير الشؤون النووية والطاقة الدكتور إبراهيم العسيري، أكد عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن روسيا ستقوم بشحن الوقود النووي المستعمل علي نفقة مصر الخاصة إلي مفاعلاتها حيث تتم معالجته والاستفادة من المواد النافعة منه ثم يتم شحن النفايات النووية علي نفقتنا الخاصة إلي مصر لدفنها.
وكان الباحث في الهندسة النووية بالكلية الملكية في كندا، د. محمد صلاح، قد كشف مسبقا لـ"
عربي21"، عن التداعيات التي وصفها بـ"الخطيرة والكارثية، علميا واقتصاديا وسياسيا، للاتفاق النووي بين الحكومة المصرية وروسيا، والتي يأتي على رأسها "تهديد سيادة مصر وأمنها القومي ومستقبل أبنائها"، وحذر من عدم وجود دراسة علمية أو اقتصادية عن أسلوب معالجة النفايات النووية.
واعتبر الناشط إبراهيم البارودي أن بناء روسيا مستودع لتخزين الوقود النووي بمصر، هو ستار لدفن نفاياتها النووية بمصر، وقال عبر "فيسبوك": "مش تقولوا إن موضوع (الضبعة) اللي إحنا عارفين إنه كده وكده؛ كان عشان بيع أراضي لروسيا تدفن فيها نفايتها النووية"، مضيفا: "تخيل يا مونبيه، مفيش طوبة اتبنت في المحطة وابتدينا في المدفن".
"مقلب زبالة"
من جانبه، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبدالله الأشعل، إن الاتفاقية المصرية الروسية ببناء مستودع تخزين الوقود النووي ستجعل من مصر "مقلب زبالة ونفايات العالم"، وأن "مصر أصبحت تؤجر لأي غرض ولأي أحد"، حسب قوله.
الأشعل، أضاف لـ"
عربي21"، أن "الحكومة تنوب عن الشعب في عمل كل ما يضره ومستقبله ومنها المخلفات النووية والعوادم الخطرة في البحر والبر".
وأكد أن "النفايات النووية التي من المفترض أن يتم صناعة هذا المستودع لأجلها ودفنها بأرض مصر؛ لا علاقة لها على الإطلاق بمشروع محطة الضبعة النووي وليست من نواتج ومخلفات المحطة".
وتوقع السياسي المصري، "ألا يتم بناء محطة الضبعة النووية من الأساس"، مرجعا ذلك "لأسباب روسية" لم يوضحها، مضيفا أنه "وعندها تبقى اتفاقية بناء مستودع تخزين الوقود النووي سارية بين البلدين ويتم تطبيقها على مصر، وبهذا أصبحت مصر مقلب زبالة العالم".
روسيا لديها مدافن
وفي تعليقه نفي الباحث الزائر لدى معهد الطاقة، بجامعة إسطنبول التقنية، الدكتور سعيد الصباغ، تلك المخاوف، مؤكدا أن "كل بلد بها مفاعلات نووية لديها مستودعات خاصة بها لدفن النفايات الصادرة من محطاتها، ومن الطبيعي أن يتم الاتفاق بين مصر وروسيا على محطتين أولهما للمعالجة النووية وثانيهما لدفن النفايات".
الصباغ، قال لـ"
عربي21"، إن "العمل يتم على مراحل داخل أية محطة نووية، وبالطبع فإن مخرجات محطة الضبعة سوف يتم نقلها لروسيا للقيام بعمليات الفصل الكيميائي وفصل العناصر لاستخدام الجزء المفيد، ويتم إعادة النفايات التي لا فائدة منها لتدفن بالبلد صاحبة المحطة".
وأوضح أن "الدول التي تقيم محطات نووية تتفق مع الدول المستقدمة اتفاقيات ملزمة بحكم الاتفاقيات الدولية يتم على أساسها تسليم المخلفات الصادرة من المحطات للبلد الأم، وفي حال تحويلها لبلد أخرى فإن الخطورة تكمن باستخدام تلك النفايات لصناعة (قنبلة قذرة)".
وفي حالة مصر أكد أستاذ الفيزياء النووية، أن "روسيا ليست بحاجة لمكان تدفن فيه نفاياتها النووية لأن لديها مساحات شاسعة من الأراضي وأمكان مخصصة للدفن لا تمثل خطورة على شعبها، كما أن لديها معمل لتكرير تلك النفايات"، مشيرا لاحتمال "أن يتم استغلال المدافن المصرية لدفن النفايات النووية الإسرائيلية".
كيف تستفيد مصر؟
وأضاف أن "مصر لديها من الأراضي التي يمكن بها عمل مدافن لنفايات مستودعها دون أدني أزمة؛ بشرط اختيار مناطق معزولة وآمنة ومحمية حتى لا تتعرض تلك النفايات للسرقة مستقبلا".
وأكد الصباغ، أن مصر بحاجة لمفاعل الضبعة النووي، مطالبا بـ"تجهيز جيل من الشباب المصري بتخصصات الهندسة والكيمياء والفيزياء النووية لإدارة المحطة بعد 10 سنوات"، مضيفا أنه "على المصريين الإيمان بأهمية المحطة وعمل خطة استراتيجية لكيفية استخدام الطاقة النووية بالمشروعات الكبرى بجانب الطاقة الشمسية والكهرباء".
وقال إنه "يمكن لمصر الحصول على ما تحتاجه من الطلب المتزايد للطاقة بسبب زيادة معدل السكان، واستخدامها لحل مشكلات المياه وتحلية مياه البحر"، واضعا شروط لنجاح المشروع بوجود "رقابة حكومية وشعبية وحماية مخابراتية للمحطة ومخرجاتها، بجانب تقارير حقيقية عن العمل بالمحطة يتم الكشف عنها بالإعلام".
وحول أخطار دفن النفايات أكد الصباغ، أنه "مع مرور الزمن قد يتسبب التسريب النووي بإتلاف البيئة المحيطة والتربة والمياه والزراعة"، موضحا أن "دول مثل أمريكا وروسيا وفرنسا يمتلكون طرقا وأماكن لدفن تلك النفايات دون أن تظهر أية مشكلة"، مشيرا إلى أن ما قامت به المملكة المتحدة عام 1950، من إلقاء النفايات عبر براميل بالمحيط الهادي كانت نتائجه خطيرة فيما بعد.