نشرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية تقريرا تحدثت فيه عن الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان إلى أثينا.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الرئيس التركي اختتم زيارته لليونان، التي تعتبر الأولى من نوعها منذ 65 سنة، لكن هذه الزيارة لم تكن فرصة لمد جسور التواصل، لاسيما بعد اتهام أردوغان لليونان علنا بانتهاك حقوق الأقليات المسلمة المنصوص عليها في
معاهدة لوزان لسنة 1923.
وأوضحت الصحيفة أن مراجعة معاهدة لوزان الموقعة سنة 1923، التي رسمت حدود
تركيا، هي الموضوع الرئيسي للمحادثات التي جمعت الطرفين. ففي الواقع، حددت معاهدة لوزان الوضع القانوني للجزر في بحر إيجة، وأقرت بسيادة تركيا على بعض الجزر. بالإضافة، إلى ذلك لفت رجب طيب أردوغان الانتباه إلى نقطة أخرى من الاتفاق، تتمثل في ضرورة التزام السلطات
اليونانية بضمان حرية المعتقد للأتراك المقيمين على أراضيها.
وبينت الصحيفة أن الطرف التركي واليوناني قد وقعا في مشادات لفظية خلال هذا اللقاء. فبينما تعتقد الحكومة اليونانية أن معاهدة لوزان تنفذ على أكمل وجه، ترى تركيا أن الأتراك القاطنين في إقليم تراقيا التي تقع جزئيا في شمال شرق اليونان لا يسمح لهم باختيار قادتهم الدينيين حسب ما تنص عليه
الاتفاقية، بينما تواصل أثينا تعيين المفتين لهذه المنطقة.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس التركي تطرق إلى الحديث أيضا عن حالة الفقر التي تعيشها مقاطعة تراقيا الغربية. على خلفية ذلك، قال أردوغان، "إن معدل الدخل الفردي في اليونان يصل إلى 18 ألف دولار، بينما لا يتعدى 2.2 ألف دولار في مقاطعة تراقيا الغربية. وهنا باتت أوجه التمييز جلية للعيان، علما بأن الأتراك المتواجدين في المقاطعة يشكلون نسبة قليلة من السكان. في المقابل، تؤثر سياسة التمييز على عدد كبير من اليونانيين".
وأشارت الصحيفة إلى دعوة الرئيس التركي لمراجعة المعاهدة، حيث أعلن أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده ومضيفه اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، أن المعاهدة التي رسمت الحدود بين تركيا واليونان لم تطبق بشكل عادل ما يستوجب تنقيحها. وخلافا لذلك، أكدت اليونان أن المعاهدة خالية من العيوب وغير قابلة للتفاوض.
ونقلت الصحيفة عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تصريحا أقر فيه بأن "المعاهدة تشمل المنطقة بأكملها، ووقعتها 11 دولة قبل 94 سنة وليس اليونان وتركيا فقط، وهي بريطانيا العظمى، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان ورومانيا، فضلا عن مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين، ولهذا السبب فقط أعتقد أنه يجب مراجعة جميع نقاط المعاهدة".
وأوردت الصحيفة أن خطاب الرئيس التركي لم يفاجئ السلطات اليونانية، حسب الباحث في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، تيمور أحمدوف. فقد أعرب اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس خلال لقاء جمعه مع صحيفة "إيثنوس" في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر، عن أمله في تأييد الرئيس التركي لأحكام معاهدة لوزان، ما يعكس خشيته من التصريحات القاسية للجانب التركي.
وبينت الصحيفة أن نداء أردوغان لمراجعة معاهدة لوزان، التي وقعت سنة 1923، لم يكن من قبيل الصدفة؛ فهو يسعى جاهدا إلى إنجاز خطاب سياسي متقدم في المضمون والشكل يتناسب مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. كما يعتبر أردوغان نفسه استمرارا لتراث أتاتورك، حيث تمثل السيادة الوطنية والاستقلال الهدف الأسمى للتوجه السياسي. في المقابل، يشكك أردوغان في الإنجازات الدبلوماسية المريبة التي حققها أتاتورك، ومن أبرز دوافعه تنازله عن بعض الأراضي التي يسكنها الأتراك لليونان.
وأفادت الصحيفة بأن رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، الذي اجتمع أيضا مع أردوغان، قد حاول التخفيف من حدة المشادات اللفظية. وفي هذا الصدد، قالتسيبراس "أعتقد أنه بدخول سنة 2018 على البلدين بذل قصارى جهدهما لتعزيز العلاقات الثنائية، لذلك أدعوكم لفتح صفحة جديدة في العلاقات". ولكن أردوغان لم يتخل عن فكرة إعادة النظر في المعاهدة، وأكد حرص تركيا على عدم انتهاك السلامة الإقليمية للدول المجاورة.
وذكرت الصحيفة أنه بعد انتهاء المفاوضات مع القيادة اليونانية، قرر أردوغان التوجه إلى أكثر الجماعات التركية المضطهدة، وانتقل من العاصمة اليونانية إلى تراقيا الغربية ليؤدي بذلك صلاته في المسجد المحلي للمنطقة. ورافقه في رحلته وفد من المسؤولين الأتراك تضمن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، ووزير شؤون الاتحاد الأوروبي بالحكومة التركية عمر جليك، وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، وغيرهم.
وفي الختام، أشارت الصحيفة بأن السلطات التركية دائما ما تجد الفرصة لخلق عقبات وقيود بيروقراطية. فعلى سبيل المثال، لا يزال يمنع على البطريركية القسطنطينية فتح مدرسة لاهوتية في جزيرة لاهاكي وذلك بحسب الخبير الروسي أحمدوف.