قضايا وآراء

من ينافس السيسي في الانتخابات الرئاسية؟

1300x600

مثيرة ومفاجئة جاءت مقدمات وتداعيات انتخابات 2018.. تجلت هذه المفاجآت بإعلان الفريق أحمد شفيق ترشحه للرئاسة من دولة الإمارات، ثم ما تلا ذلك الإعلان من ردود فعل غاضبة وهستيرية من إعلام نظام السيسي، وما تبعها من ترحيل "شفيق" عنوة في طائرة خاصة وتسليمه للقاهرة، وتحديد إقامته الجبرية في إحدى الفنادق، وهو ما يؤكد ارتباك النظام واهتزازه لمجرد إعلان شفيق الترشح للرئاسة؛ ليدل دلالة قاطعة على هشاشة نظام السيسي وعدم قدرته على المنافسة في الانتخابات الرئاسية، فهو نظام غير قابل للحياة؛ لأنه يفتقد لمقومات البقاء والاستمرار وافتقاده للتوازن السياسي الذي يخلق نوعا من الاستقرار، مثل نظام مبارك أو السادات أو عبد الناصر.

أيضا يفتقد نظام السيسي للعدالة منذ إزاحة الرئيس مرسي عن السلطة، حيث ينتهج الانتقام المستمر من جميع معارضيه وخصومه السياسيين، حتى وإن كانوا حلفاءه في السابق، من الذين ساندوه في الانقلاب، حيث أصبح الطريق الذي يسير فيه نظام السيسي؛ كله دماء وأشلاء وثأر واعتقالات وأحقاد. فكيف يستمر هذا النظام، ويستطيع أن ينافس في انتخابات رئاسية، إلا إذا كانت نوعا من التمثيلية والديكور لإضفاء شرعية على مرشحين أقرب للكومبارس؟

 

كيف يستمر هذا النظام، ويستطيع أن ينافس في انتخابات رئاسية، إلا إذا كانت نوعا من التمثيلية والديكور لإضفاء شرعية على مرشحين أقرب للكومبارس؟


الأمر الثاني؛ هو حملة الاعتقالات التي شنت على أنصار "شفيق" لمجرد الإعلان عن الترشح، وهو ما يؤكد ويفضح نظرية ثنائية الصراع التي روج لها إعلام السيسي كثيرا؛ بأن الأزمة والصراع بين الإخوان والعسكر، وهو أمر الغرض منه تضليل الرأي العام. فالمعركة الحقيقة هي بين الحرية والاستبداد.. المعركة الآن بين النظام الاستبداد وقوى المجتمع الحية وأصحاب الشرائح الكبيرة والمتعمقة في المجتمع، مثل الحزب الوطني السابق ورجالات مبارك، أو ما يعرف بالدولة العميقة، والذين ساندوا السيسي في انقلابه، وحينما جاءت ساعة المنافسة الانتخابية أراد التخلص منهم والقضاء عليهم.

ولذلك، يجب النظر إلى انتخابات 2018 باعتبارها من الأهمية بمكان، وعدم الاستهانة بأن تكون لحظة تغيير فارقة، وحتى وإن كنا نعتقد بعدم مشروعية النظام الحالي وما ينظمه من استحقاقات انتخابية؛ لعدة أسباب، أولها أن نظام الانقلاب فقد الكثير من أعوانه ومساعديه، وتآكلت شعبيته كثيرا، بل إن الغضب يملأ قلوب المصريين الذين يتمنون لحظة رحيله والخلاص منه؛ نتيجة لتدهور أحوالهم المعيشية وفشله على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فضلا عن أنه كبّل مصر بالديون والقروض.

 

يجب النظر إلى انتخابات 2018 باعتبارها من الأهمية بمكان، وعدم الاستهانة بأن تكون لحظة تغيير فارقة


وكم من بلدان تم التخلص من أنظمة الانقلابات العسكرية فيها عن طريق الانتخابات، مثل أوكرانيا وتشيلي والأرجنتين، حيث تبدلت الديكتاتورية بحرية وعدالة وبايسر الطرق تكلفة وهي الانتخابات، فضلا عن أن الانتخابات الرئاسية عموما تخلق مساحات من التعبير لفضح النظام الديكتاتوري وتوعية الجماهير، ومساندتها في الوقوف في وجه الاستبداد والظلم.

الأهم من ذلك، أن الانتخابات إذا تمت بين منافس قوي، حتى من غير قوى الثورة، والسيسي؛ فهي كفيلة بتغيير معادلة الصراع من القوة والبطش والتنكيل إلى معادلة صراع سياسي.. منافسة وانتخابات وتزوير وشفافية ودعاية، وكلها أمور يمكن أن تستفيد منها قوى الثورة التي عانت من البطش والتنكيل والمجازر.

 

الانتخابات كفيلة بوقوع النظام وأعوانه في كم كبير من الأخطاء والفضائح والجرائم، وهذا ما حدث مع إعلان "شفيق" لخوض الانتخابات


أيضا، الانتخابات كفيلة بوقوع النظام وأعوانه في كم كبير من الأخطاء والفضائح والجرائم، وهذا ما حدث مع إعلان "شفيق" لخوض الانتخابات، بل رأينا ما حدث من إحالة العقيد أحمد قنصوة لمحكمة عسكرية والحكم عليه بالسجن 6 سنوات، لمجرد إعلان ترشحه بالبدلة العسكرية. فالانتخابات ساحة كبيرة لارتكاب النظام للجرائم، وهي مهرجان لفضحه دوليا أمام وسائل الإعلام المختلفة التي تتابع الانتخابات.

الانتخابات كذلك تخلق جوا من الاصطفاف والوحدة بين كل قوى الثورة والمعارضة للتكاتف لإزالة هذا الانقلاب الغاشم الذي دمر مصر، وليس بالضرورة خوض قوى الثورة للانتخابات أو وجود مرشح لها، بل إن تفاعل قوى الثورة في المساحات التي تخلقها الانتخابات وتوجيهها للجماهير كفيل بصدارتها للمشهد السياسي.

ورغم أن الثورة فقدت الكثير من أوراقها، لكن تبقى منابرها الإعلامية في الخارج أدوات مؤثرة في المشهد المصري. كما أن قوى الثورة تملك قوة تصويتية هائلة يمكن أن تؤثر في المشهد الانتخابي بالحسم والتأثير. وبغض النظر عن النتائج تلك الانتخابات، فأمر فوز السيسي بالرئاسة وارد بامتياز، لكن يمكن أن يتمخض عن هذه الانتخابات قاعدة وجبهة وطنية يمكن أن تنطلق لإنقاذ مصر من نظام الانقلاب.

 

المعركة تحتاج لنفس طويل وصبر لتحرير مصر من الاستبداد إلى الحرية، ليس بالضربة القاضية، إنما بالنقاط


قطعا، المشهد الانتخابي لا يزال غامضا، ولم تتضح معالم خريطة المرشحين. ويمكن أن يتراجع "شفيق" عن الترشح، ويمكن أن يستمر رغم كل الضغوط التي تمارس ضده، فشخصية "شفيق" تجيد المناورة والمكر والخبرة السياسية والتعامل مع الضغوط والمتناقضات. لكن يبقى الإيمان بالتغيير، والقدرة على تغيير الواقع المرير ومواجهة كل التحديات.

المعركة تحتاج لنفس طويل وصبر لتحرير مصر من الاستبداد إلى الحرية، ليس بالضربة القاضية، إنما بالنقاط. كل ذلك يحتاج لخطاب رشيد يوحد الأمة وكل القوى الوطنية، فنحن لا نملك اليوم رفاهية الخلاف أو الشقاق، فلا خيار أمامنا سوى الوحدة والاصطفاف مع كل الكيانات والقوى الوطنية المخلصة.. وصدق الله العظيم القائل: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".. اللهم اكتب لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.