وَدعنا العام 2017 واستقبلنا سنة جديدة، نأمل أن تكون أحسنَ من سابقاتها، ويتطلع معظمُنا أن تَجُب ما سبقتها من نزاعات وتوترات وخسائر بالجملة. والواقع أن كل عام لا يمضي إلا ويترك أبوابَه مُشرعة أمام نظيره الجديد، من حيث القضايا والملفات والانتظارات، وكلما حلت سنة جديدة إلا وتمنينا أن تكون أفضل من سابقتها.. فهل ثمة ما يجعل تفاؤلنا أكثر قوة، وابلغ حظوظا ؟ أم أن السنة التي ودعناها -وهي ضاغطة بكلكلها على عامنا الجديد- لا تحمل ما يكفي من المؤشرات للتفاؤل بالقادم من الأيام والشهور؟.
لاشك أن ثمة ملفات وقضايا ذات أولوية سلمتها السنة المنتهية للعام الجديد، ومن الراجح أنها ستنال حظها من العناية والاهتمام ضمن أجندة القادة وصناع القرار الدولي، بل إن أغلب عناوينها شكلت موضوع التزام من قبل اللاعبين الدوليين، وإصرار واضح من لدنهم على المضي قدما في التعاطي معها، بالإرادة نفسها، وبالنفس ذاته.
يتصدر هذه الملفات الإرهابُ الدولي والتحالف من أجل دحره القضاء عليه نهائيا. وَعدَ بهذا سابقا الرئيس الأمريكي المنتخب " دونالد ترامب" مباشرة بعد تنصيبه، حين حدد2017 سنةَ القضاء على الإرهاب بكل أشكاله. وأعاد الوعد نفسه الرئيس الفرنسي" ماكرون" في تهنئته شعبه والعالم ليلة حلول السنة الجديدة (2018).
كما نلاحظ في الميدان إصرارا مستميتا لاجتثاث الإرهابيين من معاقلهم في كل من العراق وسوريا، وفي بعض الدول الإفريقية. لكن هل يمكن، بالمقابل، توفير شروط سلام وأمان دوليين بمجرد كسب المعركة العسكرية الدائرة على الإرهاب الدولي؟، أم أن أفق السلام يتجاوز رهان الفوز في المعركة العسكرية على أهميتها؟.
لا نتردد في الجزم بأن القضاء على الإرهاب الدولي لا يتحقق بالحرب العسكرية عليه فحسب، بل يتطلب، موازاة لذلك، معركة فكرية لاجتثاث جذوره في الفكر والثقافة والتربية والأخلاق، وإلا سيموت في منطقة ويخرج من الرماد، كالعنقاء، في مناطق أخرى، طالما بقيت له حاضنات فكرية، وتمويل مالي ولوجيستي لاستمراره حيا ومتجددا.
ألم يهاجر الإرهاب من " أفغانستان" إلى العراق وسوريا، ويتمدد الآن في ليبيا وسيناء في مصر، وفي دول الساحل والصحراء في إفريقيا، ولا نعلم على وجه اليقين، إلى أين سيتجه لاحقا؟. ثم ما مصير آلاف المقاتلين في صفوف المنظمات الإرهابية من أصول أوروبية ، بعد أن سُدت الأبواب أمامهم، وأصبحوا يتوقون إلى العودة إلى أوطانهم. ألا يحملون مؤهلات العودة إلى حياة الإرهاب من جديد فور التحاقهم ببلدانهم ولو إلى حين؟.
يتعلق الملف الثاني بما يسمى " الأزمة السورية"، وسُبل حلها. فقد بات واضحا أن ميزان القوى لم يعد راجحا للمنظمات الإرهابية التي دخلت أرض الشام من عشرات الجنسيات، وآلاف المجندين، ولا حتى للسوريين المعارضين للنظام، والساعين إلى تغييره، بل مالت القوة للنظام وحليفه الاستراتيجي روسيا، والدول الإقليمية الداعمة له بشكل مباشرة ( إيران)، أو بطريقة غير مباشرة ،وبحسب الأحوال ، تركيا.
لذلك، تبدو سوريا اليوم موزعة بين أكثر من قوة دولية وإقليمية، كما يظهر أن مصيرها لن يكون بيدها، بل سيكون مرتهنا بالتفاوض بين الفاعلين فوق أراضيها، فهم وحدهم من سيتحكمون في صيغة أو صيغ الحل أو الحلول القادمة.
لذلك، قد يطول زمن الحرب في هذا البلد بقدر طول التفاوض حول قسمة كعكته، والمؤسف ستتعمق مأساة شعبه ومواطنيه، الذين أصبحوا مهاجرين ومهجرين من أرضهم، أكثر من قادرين على العيش في ربوعها.
هناك ملف ثالث لا يقل أهمية وتعقيدا من سابقيه، يتعلق بالقضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي عموما. فقد فتح قرار " ترامب" الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، ونقل سفارة بلده إليها، البابَ من جديد على جدل قديم جديد يخص إسرائيل، ومدى جديتها في السير في اتجاه حل أعقد قضية وأبرزها ظلما في التاريخ الحديث، أي الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين. فالقرار، وعلى الرغم من مناهضته الأممية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعبر عشرات المظاهرات في كل بقاع العالم، ينطوي على أكثر من دلالة، ويرمز إلى أكثر من بُعد.
فهو من جهة، يؤكد صعوبة أن تكون أمريكا راعيا نزيها للمفاوضات العربية الإسرائيلية، ويُقنع، من جهة ثانية، أن إسرائيل ليست طرفا مقتنعا بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، حتى وفق الصيغ التي شكلت تنازلات من قبل ذوي الحقوق، أو حظيت بموافقة دولية، كما هو حال كل من " حل الدولتين"، والمبادرة العربية لعام 2002. لذلك، سيكون هذا الملف ضاغطا خلال العام 2018، وسيزداد ضغطه أكثر حين تصبح صورة المشروع المندرج ضمنه قرار " ترامب" الأخير واضحة، وسائرة على طريق التنفيذ.
يخص الملف الرابع، أو القضية الرابعة، موضوع " قيادة العالم". فما تبين خلال السنة المنتهية(2017)، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد الفاعل الوحيد المهيمن، بل أصبحت إلى جانبها روسيا، وإلى حد ما الصين وفرنسا، كما أن مرور ما يقرب من سنة على تنصيب " ترامب"، لم يسمح ، بما يكفي، لأمريكا بتثبيت زعامتها للعالم، وهو ما دفع بروسيا إلى البروز أكثر، وحفز الرئيس الجديد لفرنسا " ماكرون" على التطلع للعب دور مركزي في السياسة الدولية، لا سيما وأن نظراءه الأساسيين من الأوروبيين منشغلون بقضاياهم الداخلية، سواء تعلق الأمر بصعوبات تشكيل ائتلاف حكومي في ألمانيا، أو ترتيب الخروج من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا.
فهل تستغل فرنسا هذه الفراغات لتحقيق حلم رئيسها في القيادة، وهل لديها القدرة على ذلك؟ نتوقع أن تُجيب سنة 2018 عن هذا السؤال.