عبادة العجل فن يحتاج قدرات خاصة لا تطيقها إلا مخلوقات تتصف بالغباء أو البلاهة، وهذا فقط ما يؤهلها لقبول السجود لعجل رغم فرضية أنها متميزة.
جال ذلك بخاطري وأنا أتابع ردود فعل جمهور المغيبين عن الوعي، ما بين المحيط والخليج.. ردود فعلهم اليومية على مأساة العروبة التائهة على طريق الخيانة الممتد لعقود طوال، تُدمر قرانا وتُشرد أُسرنا، ويُقتل أبناؤنا ولا يتحرك جفن، بل تجد من يدافع عن القاتل ومن يبرر جريمته.
مرت عقود ونحن نتابع ذلك السقوط، نتعجب منه ويسعد به عدونا، حتى بات عدونا داخلنا يبيع أهله وأرضه وعرضه لقاء فضلات الموائد، وأحيانا بلا مقابل؛ إلا البقاء في الحكم أو الجلوس على العرش. وذلك ليس بعيدا عن نظرية المؤامرة التي وُعدنا بها، فاليوم تُكشف الأوراق، ونرى من يغتصب الحكم، ويقتل الشعب، ويبدد ثرواته، إرضاء لرب نعمته العدو الأكبر.. وذلك الحاكم يستجدي العرش ويبدد ثروات بلاده ويتهم منافسيه بالفساد.. دولة تتأمر على جاراتها وتقتل أطفالها.
لقد تابعنا جميعا كل فصول الجريمة، بل وشارك بعضنا في بعض من فصولها بالصمت تارة والترحيب تارة أخرى، بل وبالتهليل أحيانا، ولم نتوقف عن النباح في وجه الفاشية المكشوفة والمقنعة، ولكننا لم نتحرك خطوة واحدة لاقتلاعها من جذورها. لقد قبلنا المواءمات، وقبلنا أن نتحالف مع ذلك النظام أو غيره؛ بوهم أنه قد نمرر بعض خططنا أو نحقق القليل من أحلامنا، متناسين أن العدو وعملاءه لن يحققوا لنا إلا الفشل والسقوط.
ولو عدنا بالحديث لمصر، لوجدنا - رغم كل ذلك - أنه ما زال من يسجد لأحد العجول المؤلهة، ويستخدمون مناسبة ما يسمونه انتخابات، وما هي إلا تزوير آخر لإرادة الشعب تزوير امتد منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 وحتى يومنا هذا، لتطل علينا مخابرات الكيان (فرع
مصر) بتعديد إنجازات عميلها الجالس على عرش مصر.
الترويج للإله العجل يتم بشكل مستديم، وكلما كشف عن إحدى كوارث النظام وتنازلاته اليومية، يعددون إنجازات وهمية تتطاول على عقول البشر؛ بامتهانها بأحاديثهم فارغة المضمون، فيهللون لتفريعة قناة السويس التي نشطت الخزانة الأوروبية في وقت تتراجع فيه الحاجة لقناة السويس، واعترف إلههم بذلك.. ثم أكبر كارثة اقتصادية في ما يسمى العاصمة الجديدة؛ التي ستلحق بالعاشر من رمضان، والسادس من أكتوبر، والسادات، وغيرها، وستصبح حصنا يحمي القتلة من الشعب، بعد أن يكون الشعب قد دفع ثمنا باهظا لإتمامها. هذا لا ينسينا علاج الإيدز والمشروعات الوهمية الأخرى؛ التي لم تجلب مستثمرا واحدا، بل أصبحت عامل طرد.
وهذا الترويج السخيف يدعونا لأن ننسى الإنجازات الحقيقية للنظام العملاق وتوابعه؛ حين سلموا حقول الغاز لإسرائيل باتفاقية ترسيم الحدود البحرية لخدمة الكيان، وكذلك تسليم جزر تيران وصنافير للسعودية بما يخدم مصلحة الكيان، والتفريط في حق مصر في المياه؛ بالتوقيع على اتفاقية سد النهضة وبناء سراديب المياه لإيصال ما تبقى من المياه للكيان، واستدان بالمليارات لشراء أسلحة عفا عليها الزمن؛ بعدما ركدت بمخازن ألمانيا (الغواصات) وفرنسا (الطائرات)، وشراء المفاعل النووي الروسي بتقنيته المستهلكة، ويمثل قنبلة موقوتة على أرض مصر.
ولم يحدثوننا عن العدل والقتل خارج إطار القانون، والإعدام للمغيبين قسريا، ولا عن حرية الإعلام وحق الاختلاف، ووهم إنجازاته في الأمن في سيناء، والتشجيع على ترحيل السكان، وصفقة القرن التي أصبحت أمرا واقعا بتسريب موافقة نظام مصر على نقل السفارة والترويج للاستسلام.
ألا نشعر بالخزي ونحن نطالع تلك التسريبات من ذلك المهرج ساكن البيت الأبيض؟ تسريبات لا تمثل غباءه، بقدر ما تمثل غباء أغلبنا ونحن نسبح بحمد آل سعود وابن سلمان الذي يكلل تحالفه مع الشيطان وسيسي مصر، بإعاقة أي تجمع يسعى لحد أدنى من الرد على جريمة تسليم القدس على طبق من فضة، وبمباركة من باقي عصابة الخيانة. فإن كان بنو إسرائيل قد عبدوا عجل السامري، فيبدو أن السامري لم يتب، بل عاد ليصنع لنا عجولا متعدده حية، وترك لنا الاختيار.. اختيار أي هذه العجول نعبده.
إن كان كل ما عرف عن تلك العصابة متعددة الأجنحة، والتي تجتمع على هدف واحد، ألا وهو تدمير الأمة وبيع أصولها وتاريخها ومستقبلها، لا يكفي لأن يفيق الغافلون، فلا أمل في مستقبل الأمة إلا إذا أجتمع المخلصون من أبنائها على هدف واحد، ألا وهو اجتثاث رأس الحية، وليس قطع ذيلها كلما طال.
ويتشدق البعض بحملة عزل
ترامب، متناسين أن ترامب ليس إلا سلسلة من سلاسل وأذيال الحية وأدوات الإله العجل، وإن عُزل سيحل محله نائبه الأشد عنصرية وتبعية للصهيونية العالمية. إن من يتصور أن تغير ترامب سيغير من الأمر ليس إلا ذات الشخص الواهم بأن استبدال
السيسي سينعش مصر ويحقق العدل.
لقد شاركنا جميعا بشكل أو آخر في تأليه ذلك العجل، ومنا من عبده ومنا من رجمه.. خطيئتنا مجتمعة، ولن تمحوها إلا يقظة شاملة تسقط كل عبدة العجل وتسقطه هو من قصره العاجي، الآن وللأبد.