نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية مقال رأي للكاتب الألماني، ميشائيل تومان، تحدث فيه عن انخفاض سقف الحريات في بلدان الربيع العربي إلى مستوى أقل مما كانت عليه قبل اندلاع الثورات. ولا يمكن إلقاء اللوم على الثوار الذين حاولوا التغيير، وإنما على الحكام الذين أعلنوا الحرب على شعوبهم.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الانتفاضة العربية بدأت منذ سبع سنوات، وما زالت الحرب تقطع أوصال أربع دول من بلدان الربيع العربي. وقد اختلف المراقبون حول الأطراف المسؤولة عن هذه الكارثة. ففي القاهرة، توجه أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين والليبراليين، وإلى المحتجين في تونس، بينما يعتبر الساخطون على الأوضاع في درعا سببا الحرب في سوريا، أما في اليمن فنساء صنعاء هن السبب.
ويؤكد الكاتب أن المراقبين في هذه البلدان يتهمون حركات المعارضة بأنها قضت على الحياة السعيدة المستقرة التي كان ينعم بها العالم العربي. ويعتبر تومان أن الاتهامات التي يسوقها هؤلاء المراقبون سخيفة للغاية؛ فاختيارهم لكلمة "الشتاء العربي" لوصف الوضع الذي تبع الربيع العربي، أبلغ مثال على سخف ادعائهم. ففي حياتنا العادية يأتي الربيع بعد الشتاء وليس العكس.
ويرى الكاتب أن مشهد ميدان التحرير في اليوم الذي سقط فيه حسني مبارك، لن يمحى من ذاكرة التاريخ. ليس لأن مبارك حاكم مستبد فحسب، وإنما بسبب الاحتفالات السلمية التي عمت الشوارع، والتي لم يعترضها الجيش آنذاك. ويمكن القول إن مبارك لم يكن رجلا متعطشا للدماء على عكس معمر القذافي وبشار الأسد، اللذين آثرا ذبح الآلاف من شعوبهم على التخلي عن كرسي الرئاسة.
وذكر الكاتب أن سبب انتفاضة الشعب المصري هو البحث عن حياة أفضل، إلا أن الانقلاب العسكري سنة 2013 أعاد كل شيء إلى نقطة الصفر، وقضى على آمال الكثيرين، وأعاد الاستبداد مرة أخرى إلى البلاد. ومع ذلك، تعتبر مصر الأكثر حظا من جارتيها ليبيا وسوريا.
اقرأ أيضا: الغارديان: ما الذي جعل الربيع العربي يشتعل مرة ثانية؟
ومما لا شك فيه، لم ترد الشعوب أن تكون انتفاضاتهم سببا في اندلاع حرب أهلية، إلا أن الحكام دفعوا بلادهم إلى هذه الحرب. فبالنسبة لهم، يعد موت الآلاف من الأشخاص أفضل من التخلي عن الحكم. ففي ليبيا، بدأ معمر القذافي بتجهيز ميليشياته لمواجهة الثوار، ووزع السلاح على مؤيديه، وأنشأ العديد من السجون وفي النهاية تحولت ليبيا إلى بلد ممزق.
وأبرز الكاتب أن الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، قاوم سقوطه لفترة طويلة، حيث غادر اليمن وعاد بعد فترة لينشئ تحالفا مع الحوثيين وإيران ضد رئيس البلاد المنتخب، ليقود البلاد نحو حرب أهلية. وفي سوريا، كان من الممكن أن يتبنى الأسد مجموعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية، ولكنه اختار تعذيب الأطفال وفتح النار على المحتشدين واعتقال آلاف المحتجين.
وبدلا من أن يتفاوض مع المحتجين، أرسل الأسد الميليشيات والغازات السامة لكتم أصوات المعارضين. وفي الوقت ذاته، فتح السجون للمتطرفين وساهم في صعود تنظيم الدولة من أجل القضاء على المعارضة. وكانت النتيجة، سقوط مئات الآلاف من القتلى، والملايين من اللاجئين وبلد مدمر. ولقد كانت جرائم القذافي وصالح والأسد لا حصر لها، ما دفع خصومهم للجوء إلى العدالة الذاتية. وبمجرد سقوط أي مستبد من هؤلاء يتلقى رصاصة في رأسه، إلا بشار الأسد الذي ما زال يرتدي "الخوذة الروسية".
وأكد الكاتب أن أي حرب تدور في الوطن العربي هي نتيجة وجود مجرم على رأس الدولة، حيث أصبحت الدول الثلاث التي تدور فيها حرب طاحنة، بالإضافة إلى العراق، مسرحا لتصفية الحسابات الدولية. وفي هذه البلاد، تحارب إيران السعودية وتحارب روسيا الولايات المتحدة وتقاتل تركيا الأكراد.
ويرى الكاتب أن نمط بداية هذه الحروب كان متشابها. يطلق الحاكم النار على شعبه، وتتستر الحكومات وراء عباءة الدين، وتتفشى روح الكراهية بين مختلف أطياف الشعب. وتبدأ أولى جرائمهم بتأسيس جبهات ترفض تنازل الحاكم عن منصبه. وفي الواقع، تعتبر الأنظمة الاستبدادية متشابهة للغاية في نظام حكمها، حيث تقوم بتطهير الدولة من كافة أشكال المعارضة في جميع أجهزة الدولة، والسيطرة على القضاء والإعلام، واضطهاد الأقليات. وتعد هذه الإجراءات سبب البؤس العربي، وليس الإخوان المسلمون والليبراليون.
وأكد الكاتب أن الانتفاضات العربية في كانون الثاني / يناير من سنة 2011 كانت تهدف إلى التخلص من أسباب هذا البؤس، وكان هناك فرصة لبعض الوقت للتخلص من الدكتاتورية والعنف في العالم العربي، إلا أن هذه الفرصة تبددت في أغلب بلدان الربيع العربي.
اقرأ أيضا: فايننشال تايمز: لنحافظ على أمل الربيع العربي الأخير حيا
ويعتقد الكاتب أن خروج المحتجين في تونس، مهد الربيع العربي، مرة أخرى بعد سبع سنوات ضد الفساد وارتفاع الأسعار وسوء إدارة البلاد، يعتبر إشارة جيدة على أن تونس لا تزال تنعم بحرية التعبير عن الرأي، ما من شأنه أن يتيح الفرصة لاستمرار هذه الاحتجاجات.
وفي الختام، قال الكاتب إنه خلافا لتونس، يعد خروج مثل تلك الاحتجاجات في بلدان الربيع العربي الأخرى بمثابة انتحار، فالمشاكل في هذه البلدان كبيرة ومعقدة.
الغارديان: كيف خنق صندوق النقد الدولي تونس؟
إندبندنت: هذه العوامل التي تقف خلف تظاهرات تونس
فايننشال تايمز: لنحافظ على أمل الربيع العربي الأخير حيا