نشرت صحيفة "نيويورك
تايمز" الأمريكية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على العلاقة بين مصر
وكوريا الشمالية، التي تقوم على معاملات يلفها الغموض والسرية، في إطار الاتجار
غير المشروع بالأسلحة.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن من إحدى تجليات العلاقة الوطيدة
والتحالف القائم بين مصر وكوريا الشمالية، تمثال بندقية "أيه كيه-47" في القاهرة،
الذي قدمته بيونغ يانغ للقاهرة لإحياء ذكرى حرب 1973 ضد إسرائيل، التي قتل فيها
طيارون كوريون شماليون. أما الآن، بات هذا التمثال يجسد جانبا آخر، ألا وهو
الاتجار غير المشروع بالأسلحة؛ الذي نجم عنه توتر علاقة عبد الفتاح السيسي
بالولايات المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين
في منظمة الأمم المتحدة أن مصر اشترت أسلحة من كوريا الشمالية، التي جعلت من
سفارتها في القاهرة قاعدة لتجارة الأسلحة في المنطقة، لكسب العملة الصعبة.
وتعد هذه
المعاملات إخلالا بالمعاهدات والمواثيق الدولية، ما دفع واشنطن إلى إيقاف ما
يعادل 291 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية الموجهة لمصر، في شهر آب/
أغسطس.
وذكرت الصحيفة أن
الأسابيع القادمة ستحمل معها موجة أكبر من التوتر بعد أن تفصح الأمم المتحدة، خلال
هذا الشهر، عن هوية صاحب الثلاثين ألف قنبلة صاروخية، التي وجدت على متن ناقلة
تابعة لكوريا الشمالية، التي احتجزت قبالة الساحل المصري سنة 2016. وجاء في البلاغ
أن المشتري تابع للهيئة العربية للتصنيع، التي يترأس السيسي اللجنة المشرفة عليها.
في المقابل، نفت مصر خلال
العديد من المناسبات تورطها في هذه العملية، أو في أي إخلال بالمواثيق الدولية.
وردا على التساؤلات حول ما توصلت إليه الأمم المتحدة، قالت الهيئة العامة
للاستعلامات المصرية الأسبوع الماضي، إن "السلطة المصرية المعنية، أخذت جميع
التدابير اللازمة فيما يخص الناقلة الكورية الشمالية في كنف الشفافية، وتحت رقابة
المسؤولين الأمميين".
ونقلت الصحيفة عن مسؤول
أمريكي أن الإشكال القائم حاليا يتمحور حول التمثيل الدبلوماسي لسفارة تعد مروجا
للتسلح الإقليمي. كما أعربت واشنطن عن قلقها من تواصل الإمدادات، حيث أفادت
المختصة في شؤون كوريا الشمالية، أندريا برجر، بأن "مشتري الصواريخ
الباليستية هم أكثر من يثير القلق من بين شركاء كوريا الشمالية، ما يستوجب فرض
مراقبة أكبر عليهم، بما في ذلك مصر".
وبينت الصحيفة أن سفارة
كوريا الشمالية في مصر مضطلعة في تجارة الأسلحة. في هذا الصدد، قال المفتشون
التابعون لمنظمة الأمم المتحدة وبعض المنشقين عن كوريا الشمالية إن السفارة أصبحت
عبارة عن بازار أسلحة تعقد فيه صفقات بيع سرية للصواريخ المصنعة بكوريا الشمالية.
كما تحتضن السفارة عمليات بيع المعدات العسكرية بأثمان زهيدة، التي تعود بالأساس
إلى العصر السوفيتي، والتي يقع جلبها عبر مجموعات مجهولة من شمال إفريقيا والشرق
الأوسط.
ووفقا للسجلات التي توصلت
إليها منظمة الأمم المتحدة، كان المسؤولون التابعون لكوريا الشمالية يسافرون تحت
حماية دبلوماسية إلى السودان لبيع صواريخ توجه عبر الأقمار الصناعية، التي كانت
آنذاك تخضع لحظر تجاري دولي. في الأثناء، كان آخرون يتجهون نحو سوريا لتزويدها
بمواد يقع استخدامها في إنتاج الأسلحة الكيمياوية.
وذكرت الصحيفة أن تجارة
الأسلحة داخل السفارة قد ازدادت. ونتيجة لذلك، أقالت الولايات المتحدة ومنظمة
الأمم المتحدة، في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016، السفير باك تشون إيل بعد اتهامه
بأنه من كبار عملاء شركة أسلحة بكوريا الشمالية. كما عزل خمسة مسؤولين كوريين
آخرين يعملون في جهاز أمن الدولة المصري، من ضمنهم كيم سونغ تشول الذي سافر إلى
الخرطوم لبيع 180 صاروخا بصفقة تقدر بحوالي 6.8 مليون دولار.
وبعد حجز هذه السفينة،
توتر الوضع بين السلطات الأمريكية التي تريد تفتيش محتوى شحنات السفينة، وبين المبعوث الديبلوماسي الكوري الذي أرسل للتفاوض حول إطلاق سراحها. ومن جهتها، رفضت
الحكومة المصرية كلا المطلبين، لتسمح في النهاية بتفتيش السفينة من قبل
الأمريكيين، وإرسال طاقمها إلى ديارهم في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016، بعد
التثبت من وجود أسلحة تحت أكوام من الحديد الخام.
وكشفت الصحيفة عن وجود
دليل يؤكد تورط عدة أطراف في تجارة الأسلحة، وهو اسم شركة صقر للصناعات المتطورة
الذي طبع على صناديق الصواريخ، وهي شركة مصرية رائدة في مجال البحث والتطوير في
مجال الصواريخ، التابعة لتكتل الأسلحة الحكومي للهيئة العربية للتصنيع.
وذكرت الصحيفة أن رئيس
مجلس إدارة الشركة، محمد عبد الرحمن، لم يرد على الأسئلة عبر البريد الإلكتروني.
وفي بيان لها، بينت دائرة الإعلام المصرية أن الإجراءات التي اتخذتها البلاد أشادت
بها لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، التي أكدت بدورها أن الطريقة التي تعاملت
بها مصر مع هذه القضية هي نموذج يجب اتباعه في العديد من المواقف المماثلة.
وفي الختام، أوضحت
الصحيفة أن الأسلحة التي شحنت إلى مصر عن طريق الباخرة "جي شون" في شهر
آب/ أغسطس الماضي، كشفت النقاب عن صفقات الأسلحة السرية والعلاقات التجارية
الراسخة بين مصر وكوريا الشمالية. ووفقا لما صرح به عميل سابق في وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، أوين سيرز، تعاونت القاهرة
مع بيونغ يانغ منذ السبعينيات لتوسيع نطاق ودقة صواريخ سكود السوفيتية.
اقرأ أيضا: بيونغيانغ زودت دمشق بمواد قد تستخدم لإنتاج أسلحة كيماوية
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة
"ديلي تلغراف" أن تقريرا للأمم المتحدة سيكشف الضوء عن علاقة مصر بكوريا
الشمالية سيصدر قريبا.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن أن هذه الدراسة الأممية تقدم صورة عن تحول مصر إلى نقطة شحن للسلاح الكوري في معظم دول شمال أفريقيا.
وتقول الصحيفة إن
الأمم المتحدة تنظر في السفينة الكورية، التي تم اعتراضها على الساحل المصري في
عام 2016، حيث عثر على ظهر السفينة على 30 ألف مقذوفة صاروخية، التي قدرت قيمتها
بحوالي 18.84 مليون جنيه إسترليني.
ويرجح التقرير نشر هذه
الدراسة قبل نهاية الشهر الحالي، حيث جاء فيها أن الأسلحة كانت في طريقها لمنظمة
التصنيع العربية، وهي مجموعة صناعة السلاح المصرية، التي يشرف عليها الرئيس عبد
الفتاح السيسي.
ويلفت التقرير أنه جاء
في الدراسة أن مصر قررت اعتراض السفينة؛ لأن الولايات المتحدة كانت تتابع خط رحلة
السفينة من كوريا الشمالية، حيث بدأت رحلتها إلى مصر، مشيرا إلى أن واشنطن أكدت أن
الشحنة هي انتهاك واضح لحظر تصدير السلاح المفروض على كوريا الشمالية.
وتبين الصحيفة أنه لهذا
السبب، فإن الولايات المتحدة قررت معاقبة مصر، وقطع 211 مليون دولار من المعونة
السنوية لها، التي كانت بمثابة إشارة تحذيرية للسيسي في التعاملات المستقبلية مع
بيونغ يانغ.
وينوه التقرير إلى أن
كوريا الشمالية تقيم علاقات تجارية وعسكرية طويلة مع مصر، وشارك طياروها في حرب
عام 1973 ضد إسرائيل، لافتا إلى أن شحنات الأسلحة إلى مصر كانت بمثابة المصدر المالي
لكوريا الشمالية، التي كانت تتطلع لتطوير برنامجها النووي وصواريخها الباليستية.
وتفيد الصحيفة بأن من
مظاهر القلق هو محاولة كوريا الشمالية استثمار نجاحها في تطوير برامج صواريخ
باليستية، التي يمكن أن تصل إلى المراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل.
وبحسب التقرير، فإن التقرير
الأممي يتهم مصر بحرف النظر عن نشاطات سفارة كوريا الشمالية في القاهرة، التي تعد
أكبر سفارة لها في الشرق الأوسط، لعرض أسلحتها التي تملكها، بما في ذلك نماذج من
الأسلحة الرخيصة، التي تعود للحقبة السوفييتية، ولا تزال تستخدم بشكل واسع في
المنطقة.
وتؤكد الصحيفة أن الوثائق
التي جعمتها الأمم المتحدة تكشف أن الدبلوماسيين الكوريين الشماليين سافروا إلى
السودان، مع أنهم كانوا ممنوعين، بموجب الحظر التجاري الدولي، مشيرة إلى أن هذه الزيارة
جاءت لمناقشة صواريخ موجهة وأخرى تم نقلها إلى سوريا، حيث قدم النظام الكوري
التقنية لبناء ترسانة سوريا الكيماوية.
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أنه بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن مصر تنتظر ذهاب الضغط من راعيتها الأمريكية، التي قدمت لها مقاتلات "أف-16".
نيويورك تايمز: هل جاء دور الإعلام الأجنبي للقمع بمصر؟
صحيفة: هكذا أعلنت مصر بداية "عرضها المسرحي" الانتخابي
التايمز: استقالة نتنياهو ستكون درسا لجيرانه الديكتاتوريين