قالت صحيفة "ديلي تلغراف" في افتتاحيتها، التي حملت عنوان "مستقبل السعودية"، إنه ليس من المعهود أن تثير زيارة مسؤول، غير رئيس الدولة، مثل هذا الاهتمام الذي تثيره زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى بريطانيا.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، إن "محمد بن سلمان ليس ولي عهد السعودية فقط، بل هو الشخصية الأكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط كلها، فمن خلال سياساته ستودع المملكة ماضيها في المستوى الديني والسياسي المحافظ، من أجل مستقبل منفتح، ولا يعد هذا مهما على الصعيد الداخلي فقط، بل له انعكاسات على علاقات السعودية بالعالم الخارجي أيضا".
وتشير الصحيفة إلى أن "(تصدير الجهاد) إلى العالم قد أساء إلى صورة السعودية في الماضي، وهو ما يحاول الأمير الشاب إصلاحه على المستوى الداخلي، وبدأت القيادة السياسية بالسماح للنساء السعوديات بالحركة في هامش اقتصادي وسياسي أوسع؛ بهدف محاربة التطرف الإسلامي، الذي يهدد العرش السعودي، كما يهدد الغرب."
وتقول الافتتاحية إن أكبر عدو للسعودية هي إيران، التي يقلق تأثيرها في المنطقة بقية الدول العربية وإسرائيل، مشيرة إلى أن "الأمير الشاب براغماتي، وهو يدرك أن عصر النفط قد انتهى، وأن على بلاده أن تسعى للتحديث والتنوع، إن كانت تريد أن تعيش مزدهرة في الخمسين سنة القادمة، كما فعلت في السنوات الخمسين الماضية".
وتفيد الصحيفة بأن السعودية تعد شريكا تجاريا، وفي مجال مكافحة الإرهاب، وتقول في ختام افتتاحيتها: "هو ضيف مرحب به على شواطئنا".
وفي السياق ذاته في أجرى مراسل صحيفة "ديلي تلغراف" كون كوغلين في الرياض مقابلة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؛ تحضيرا لزيارته التي تبدأ اليوم الأربعاء إلى لندن، ووصف كوغلين الأمير الشاب بأنه نموذج للإنسان النشيط "الدينمو"، حيث يقوم بأكبر عملية إصلاح تشهدها بلاده.
ويقول الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "عربي21"، إن ابن سلمان لم يكن راضيا عن اعتماد بلاده على الثروة النفطية، حيث بدأ مرحلة من إصلاح النظم الاجتماعية، وسمح للنساء بقيادة السيارات، مشيرا إلى أن الأمير متحمس لرؤية عام 2030، وما تشمل عليه من برنامج طموح يهدف إلى إصلاح الاقتصاد، وأثرها على توجه ومستقبل بلاده.
وتورد الصحيفة نقلا عن ولي العهد، قوله إنه يأمل أن تستفيد الشركات التجارية من التغيرات العميقة التي تأخذ مكانها في البلاد، وبعد أن تنتهي بريطانيا من مفاوضاتها للخروج من الاتحاد الاوروبي، وأضاف: "نعتقد أن السعودية بحاجة لأن تكون جزءا من الاقتصاد العالمي.. ويحتاج الناس للتحرك بحرية، ونحتاج لأن نطبق المعايير ذاتها المعمول بها في بقية العالم".
وقال ابن سلمان للصحيفة: "بعد البريكسيت ستكون هناك فرصة كبيرة لبريطانيا نتيجة لرؤية 2030"، وأكد الأمير، الذي يقول غوكلين إنه اختار الحديث باللغة الإنجليزية، أهمية العلاقة بين البلدين، التي تعود إلى مئة عام، قائلا: "العلاقة بين السعودية وبريطانيا تاريخية، وتعود إلى وقت تأسيس المملكة.. ولدينا مصالح مشتركة تعود للأيام الأولى في علاقتنا، وعلاقتنا مع بريطانيا اليوم رائعة".
ويعلق كوغلين قائلا إن "ابن سلمان، الذي رفعه والده العام الماضي لمنصب ولي العهد، يواجه تحديات ضخمة أمام أمة شابة، فالشعار الذي تسمعه بشكل دائم اليوم في الرياض هو أن نسبة 70% من السكان هم تحت سن الثلاثين، وتلقى الكثيرون منهم تعليمه في الدول الغربية، مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وهم راغبون بالتغيير".
ويتحدث الكاتب عن التغييرات الاجتماعية التي قام بها الأمير، خاصة السماح للمرأة بالقيادة، ودخول الملاعب، والمشاركة في الجيش والأمن، وقال ابن سلمان: "تغير الناس في السعودية كثيرا بسبب السفر للدول الأخرى، مثل بريطانيا، وشاهدوا حياة مختلفة".
ويلفت كوغلين إلى التغيرات في السعودية، التي رصدها، مع أنه يزور البلاد منذ 30 عاما، ويكتب عنها، خاصة غياب الشرطة الدينية، الذي كان واضحا من تصرفات الناس في المتنزه، حيث كان الرجال والنساء يشوون ويستمعون للأغاني الغربية دون رقيب من المطاوعة.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسي، قوله إن التغير الاجتماعي الذي يأخذ مكانه في السعودية مترافق مع رؤية 2030، "وهما مترابطان.. كما أن الإصلاح الاقتصادي هو ما يدفع التغير الاجتماعي".
وينوه الكاتب إلى أن وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون، وصف الإصلاحات بانها "هي ذاتها التي كنا ندعو إليها"، مستدركا بأن زيارة ولي العهد لها بعد اقتصادي، للحصول على تمويل دولي لرؤية 2030، من خلال بيع حصص من شركة النفط السعودية "أرامكو"، ويريد الوزراء أن تكون سوق لندن المالية المكان الذي سيتم فيه الاكتتاب، لكنها تواجه منافسة شديدة من نيويورك، التي تلقى دعما من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤولين سعوديين، قولهم إنه لن يتم اتخاذ قرار أثناء زيارة ولي العهد، لكن إن جرت الأمور بحسب ما يخططون فإن ذلك سيزيد من فرص لندن.
وينقل كوغلين عن دبلوماسيين بريطانيين، قولهم إن حصة بريطانيا من التجارة مع السعودية ودول الخليج تصل إلى 10% من مجمل العقود، وهي أكبر من حجم التجارة الصينية، مشيرا إلى أنه يمكن أن يرتفع الرقم لو استفادت الشركات البريطانية من فرص رؤية 2030.
وتبين الصحيفة أن هناك جانبا آخر من الزيارة، وهو التعاون الدفاعي والأمني، حيث سيلتقي الأمير مع مديري "أم آي فايف" و"أم آي6"، ودعي لحضور جلسة لمجلس الأمن القومي، و"هي ميزة نادرة"، وقال ابن سلمان إن "الشعبين البريطاني والسعودي وبقية العالم سيكونون أكثر أمنا لو كانت العلاقة قوية مع السعودية"، مشيرا إلى أن "المتطرفين والإرهابيين مرتبطون من خلال نشر أجندتهم.. يجب ان نعمل معا لنشر الإسلام المعتدل".
ويفيد الكاتب بأن ابن سلمان يرى أهمية استمرار التعاون الأمني بين الرياض والوكالات الامنية الغربية مثل "سي آي إيه" و"أم آي6"، حيث توفر السعودية المعلومات الخام، وتقوم هذه الوكالات بتحليلها، ويعتقد أن النمو الاقتصادي في السعودية سينفع الشرق الأوسط، قائلا: "نريد قتال الإرهاب، ونريد قتال المتطرفين؛ لأننا نريد بناء الاستقرار في الشرق الأوسط.. ونريد النمو الاقتصادي الذي يساعد على تطوير المنطقة.. ونظرا لدورنا القيادي فإن السعودية هي مفتاح النجاح في الشرق الأوسط".
ويشير كوغلين إلى مكافحة الفساد والتغييرات في المؤسسة العسكرية، التي جرت أثناء وجوده في الرياض، ويقول إن النهج السعودي المثير للجدل لقضايا المنطقة، مثل إيران وقطر، أثار القلق من اندلاع أزمات إقليمية، وهو ما رفضه ولي العهد، وقال إنه يعمل مع الحكومة البريطانية لحل هذه المشكلات، وقال: "بريطانيا متفهمة وداعمة لقلقنا فيما يتعلق بإيران والقضايا الإقليمية الأخرى، وهي تحاول دائما المساعدة عندما تظهر مشكلات".
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن الأمير اعترف بأن بلاده بحاجة للعمل من أجل تحسين سجل حقوق الإنسان، لكنه دعا الناقدين للصبر، قائلا: "ليس لدينا أفضل سجل حقوق إنسان في العالم.. لكننا نتحسن وحققنا الكثير في فترة قصيرة".
كرمان: بريطانيا مسؤولة عن كارثة اليمن ويجب محاكمة هؤلاء
بريطانيون يعتزمون التظاهر ضد ابن سلمان بسبب حقوق المرأة
ناشط بريطاني: هذا موقفنا من زيارة محمد بن سلمان