قالت صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ"
الناطقة بالألمانية إن العالم اليوم لا يمتلك صورة كافية عن طبيعة الحياة التي
عاشها
الإنسان البدائي قبل مئات آلاف السنين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إنه لا يوجد معلومات بشأن الإنسان البدائي، الذي عاش منذ 200
ألف سنة في أفريقيا وانتقل إلى أوروبا منذ 40 ألف سنة. ولا أحد يعلم شيئا حول
التقسيم الطبقي للمجتمع البدائي، أو طريقة تواصله مع بني جنسه، أو أفكاره بشأن علم
الكون. ورغم مرور وقت طويل على الإنسان البدائي، إلا أننا لم نعثر بعد على عدد
كبير من الآثار، التي تعطينا لمحة عن حياته.
وأكدت أن بعض الصحافيين المختصين في مجال
العلوم ذكروا مؤخرا أن الإنسان البدائي يعتبر "ابن عم" الإنسان العاقل،
الذي مات منذ قرابة 300 ألف سنة. ويلقب هذا الإنسان بصفة "أول فنان
حديث"، بفضل
رسومات بعض الحيوانات والأيادي، التي اكتشفها علماء الآثار في
جدران
الكهوف في إسبانيا. كما عثر العلماء في هذه الكهوف على بعض النقاط المشفرة
والأشكال الهندسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الجميع عجزوا عن كشف
معاني هذه الرسوم، التي لا يمكن أن تكون فنية بالمفهوم الراهن للفن، لا سيما وأن
الإنسان كان في ذلك الوقت يجهل مفهوم السياقات الفنية متسائلة هل رسوم الحيوانات
مجرد وثيقة جرد؟ هل أن النقاط والعلامات كشف ديون أو دفتر عقوبات؟
وأوضحت أن الإنسان البدائي يلقب بـ"أول
أوروبي"، علما وأن جيناته لا زالت مورثة. ووفقا لحسابات أجراها علماء آثار
ألمان، لا يزال السكان الأوروبيون يحملون جزءا من التركيب الجيني للإنسان البدائي،
نظرا لأنه اختلط مع الإنسان العاقل القادم من أفريقيا. ولعل أبرز دليل على ذلك هو
البشرة الناصعة والعيون الزرقاء، التي يتميز بها الأوروبيون.
وأضافت الصحيفة أن موسوعة "مايرس
كونفارساسيون لاكسيكون" و"بروكهاوس"، اللتان تعتبران بمثابة
الذاكرة العلمية للطبقة الوسطى الألمانية، أكدتا سنة 1890 أن الإنسان القديم قضى
حياة بائسة، وكان يقتات على اللحم البشري. كما كان يتقن الفنون الأولية ولا يعلم
شيئا عن الفن التجريدي. علاوة على ذلك، كان الإنسان القديم قادرا على حماية نفسه
من الطقس والمناخ، بالإضافة إلى أنه كان قادرا على صناعة بعض الأسلحة البسيطة
والأواني والملابس.
وذكرت أن الموسوعات العلمية اهتمت أيضا بنمط
عيش الشعوب البدائية، التي لا زالت تعيش إلى اليوم وتعودت على الوحشية. وفي سنة
1805، أطلق "معجم جريم" مصطلح "بربرية" على الأرض، التي سكنها
البربر في أفريقيا. كما يحمل هذا المصطلح معاني اللاإنسانية والقسوة.
وأوردت الصحيفة أن العلم تحدث عن الإنسان
البدائي باعتباره كائنا متوحشا معتادا على القتل وأكل لحوم البشر بشكل يومي،
وبمرور الوقت تطور الجنس البشري عند تخلصه من أصله المتوحش. ووفقا للإجماع العلمي
القديم، تعلم الإنسان البدائي الممارسات الوحشية في أفريقيا.
وتابعت أن متحف الإنسان البدائي بادر بإعادة
تشكيل الإنسان البدائي، حيث غابت ملامح التوحش والبدائية عن هذا الإنسان ليبدو
كائنا حكيما وإنسانيا. ومن جهته، يقر العلم الحديث بأن الإنسان الحديث يشبه كثيرا
الإنسان البدائي، ما يعني أننا نحمل الصفات الجيدة التي اتسم بها أسلافنا.
وذكرت أن الإنسان القديم كان مبدعا ولا يختلف
عنا كثيرا، حيث كان ذكيا تماما مثل الإنسان الحديث إن لم نقل أكثر ذكاء منه في بعض
الأحيان، فضلا عن أنه كان يتبع نظام تغذية نباتي. من جانب آخر، كان الإنسان القديم
يحب رواية القصص ومتعاونا، حيث كان المجتمع البدائي يقوم على المشاركة وليس على
الهيمنة والعنف.
وبينت الصحيفة أنه على الرغم من أن الصورة
الجديدة للإنسان البدائي مسقطة، إلا أنها جذابة أكثر من الصورة القديمة. ولعل
الأمر المثير للاهتمام هو أن هذه الصورة تعكس سياسة الهوية تماما مثل تلك الصورة
التي تعود إلى القرن التاسع عشر. وفي ذلك الوقت، تم حجب صفات العنف والهمجية عن
الإنسان الحديث وربطها بالإنسان البدائي. أما في الوقت الراهن، يرغب الإنسان
الحديث في تخليص الإنسان القديم من صفاته البدائية.