ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن انتخاب دونالد ترامب مثّل لصاحب شركة التعهدات الأمنية إليوت برويدي، فرصة تجارية وسياسية لم يكن ليحلم فيها، من داعمي حملة ترامب الانتخابية، في وقت ابتعد فيه معظم المتبرعين الجمهوريين عنه.
ويشير التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ترامب تجاوز، أو لم ينتبه للفضيحة المالية والحكم الصادر على برويدي في عام 2009، في قضية رشوة لصندوق تقاعدي، لافتا إلى أنه بعد انتخاب ترامب قام برويدي باستثمار النجاح، وتسويق علاقاته مع الحكومات حول العالم للرئيس الجديد، مع أن بعض هذه الحكومات ذات سجل "مشين"، وذلك بحسب مقابلات أجرتها الصحيفة، ووثائق حصلت عليها "نيويورك تايمز".
وتكشف الصحيفة عن أن برويدي أشار لعملائه وزبائنه المنتظرين لشركة التعهدات الأمنية التي يديرها في فرجينيا "سيركينوس"، إلى أنه يستطيع ترتيب لقاءات مع ترامب وإدارته وحلفائه في الكونغرس، مشيرة إلى أن قدرة برويدي على ممارسة النفوذ داخل البيت الأبيض تكشف عن الطريقة غير التقليدية التي أدار فيها ترامب الحكم.
وبحسب التقرير، فإن برويدي عرض تذاكر خاصة بكبار الزوار لحضور حفلات تنصيب الرئيس، بما فيها حفلة عشاء على ضوء الشموع مع ترامب لمسؤول كونغولي، يستخدم المال العام للبذخ، ورتب دعوة لحضور حفلة في فندق ترامب في واشنطن لنائب روماني متهم بالفساد قام بوضع صورة له مع الرئيس على صفحته في "فيسبوك"، بالإضافة إلى أنه ساعد في ترتيب رحلة لمسؤول أنغولي إلى منتجع مار- إي- لاغو في فلوريدا.
وتعلق الصحيفة قائلة إن الترتيبات والتأثير لهما قيمة دولية، حيث يمكن أن تساعد صورة مع الرئيس الأمريكي القادة الأجانب في دولهم، لافتة إلى أن برويدي كان يتحدث بشكل علني حول مصالحه الشخصية، مع أن الإدارة لم تتحرك للحد من عروضه لزبائنه، أو الزبائن المنتظر حصوله عليهم.
وينقل التقرير عن أشخاص على علاقة ببريدوي، قولهم إنه كان قاسيا في محاولات استثمار علاقاته مع الرئيس، لدرجة أنهم طالبوه بالتخفيف من طريقة تعامله؛ للخوف من حدوث تعارض مع الزبائن أو اللوبيات الأمريكية، أو تناقضه مع قوانين مكافحة الفساد.
وتبين الصحيفة أنه مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإنه قام بتفكيك النظام التقليدي، من ناحية السماح للتعامل مع الرئيس، حيث كان هذا نتاجا لعدم التدقيق في هويات الداخلين والخارجين من البيت الأبيض، مشيرة إلى أن هذا يعود في جزء منه إلى اللوبيات المعروفة في واشنطن، التي لم تكن على علاقة قوية مع الرئيس قبل انتخابه، بشكل حوّل البيت الأبيض إلى نقطة دخول وخروج لأصدقاء ومحاسيب الرئيس وزبائنه وغيرهم، فيما حلت محل اللوبيات جماعات جديدة كانت قادرة على القيام بالضغط نيابة عن عملائها مباشرة.
ويورد التقرير نقلا عن بيان من برويدي، تأكيده أن نجاح شركته كان نتاجا "لتوظيفه أفضل الأشخاص، وبينهم عدد من الضباط البارزين السابقين"، وليس بسبب علاقاته السياسية، مضيفا أن "فكرة أن نجاحنا نابع من نشاطاتنا حول تنصيب الرئيس ليست غير صحيحة فقط، لكنها أيضا مهينة لخبرة وقدرات الضباط السابقين ممن حصلوا على ميداليات وجوائز".
وتقول الصحيفة إن اهتمام برويدي (60 عاما) بالسياسة زاد بعد هجمات 11/ 9، التي أدت إلى النزعة المتشددة في السياسة الخارجية، والقلق على إسرائيل والدفاع عنها، ففي عام 2005 عين عضوا في لجنة استشارية فيدرالية لوزارة الأمن الوطني.
ويلفت التقرير إلى اتهام برويدي عام 2009 بدفع رشاوى وهدايا غير قانونية لمسؤولين في ولاية نيويورك؛ للحصول على عقد بقيمة 250 مليون دولار، لصالح صندوق التقاعد التابع للولاية، ودفع لاحقا 18 مليون دولار للتسوية ولتجنب الدخول في السجن.
وتفيد الصحيفة بأن رجل الأعمال قرر بعد ذلك توسيع استثماراته، وتحسين سمعته في مجال الدفاع وصناعة الأمن، حيث أنشأ عام 2013 شركة اسمها "ثريت ديترانس"، واشترى شركة "سيركينوس" عام 2015، لافتة إلى أن برويدي دعم في البداية سيناتور تكساس تيد كروز، ولم يدعم ترامب إلا بعد خروج كروز من السباق الرئاسي.
وينوه التقرير إلى أن تجارة شركة برويدي "سيركينوس" توسعت بعد فوز ترامب في الرئاسة، حيث حصل على عقود تجارية مربحة حول العالم، بما فيها عقد مع الإمارات العربية المتحدة بأكثر من 200 مليون دولار، مشيرا إلى أن برويدي قام بالحديث عن عقود شركته "سيركينوس" في لقاءاته مع ترامب والمسؤولين الجمهوريين، وذلك بناء على وثائق ومقابلات أجرتها الصحيفة.
وتستدرك الصحيفة بأن توسع تجارة برويدي يواجه انعكاسات سلبية؛ لأن واحدا من شركائه التجاريين، وهو جورج نادر، يحقق معه الآن المحقق الخاص الذي يحقق في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وبإمكانية دخول أموال إماراتية لحملة ترامب الانتخابية، وذلك بحسب أشخاص مطلعين على مجريات التحقيق.
وتقول "نيويورك تايمز" إن نادر ساعد شركة "سيركينوس" على إقامة علاقات مع ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، في الوقت الذي استخدم فيه برويدي وسيلة لتشكيل سياسة ترامب تجاه دول الخليج، ونيابة عن السعودية والإمارات العربية المتحدة، مشيرة إلى أن برويدي ساعد من جانبه نادر على التقاط صورة مع ترامب، رغم اعتراض الشرطة السرية، والكشف عن إدانة نادر في قضايا جنسية مع قاصرين.
وحصلت الصحيفة على مئات الصفحات والرسائل الإلكترونية، التي تكشف عن مراسلات برويدي- نادر، وقدمها لها طرف ناقد لمواقف برويدي من السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث اتهم محامو برويدي قطر أو عملاء من طرفها وقراصنة يعملون لصالحها بالوقوف وراء التسريبات، وهو ما تنفيه الأخيرة بشدة.
ويذكر التقرير أن الوثائق تكشف الطريقة التي كان يعمل فيها نائب لمدير اللجنة المالية الخاصة بترتيب إجراءات تنصيب ترامب، وهي التي قامت بترتيب دعوات للحفلات والمناسبات للقادة الأجانب، الذين عملوا مع شركة "سيركينوس"، ووقعت معها عقودا بملايين الدولارات، وقام برويدي بتوجيه دعوات في بعض الحالات بطريقة تشير إلى أنها مرتبطة بدول مستعدة للتعاون مع شركته، حيث دعا برويدي مثلا رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو- نغوسو لحضور عدد من المناسبات المتعلقة بتنصيب ترامب، بما في ذلك حفلة عشاء على ضوء الشموع حضرها ترامب ونائبه مايك بينس وزوجتيهما، وكتب برويدي له: "لقد طرح اسمك وتمت الموافقة عليه"، وأكد أن الدعوة جاءت منه وليس من اللجنة المشتركة في الكونغرس، التي تقوم بتوجيه الدعوات.
وتكشف الصحيفة عن أن برويدي أمر فريقه في شركة "سيركينوس"، بعد يوم من توجيه الدعوة ووضع التاريخ عليها، بتحضير فاتورة بمبلغ مليوني دولار موجهة إلى مكتب الرئيس الكونغولي؛ وذلك لقاء "تقييم القدرات ومراجعة/ خدمات"، بحسب الوثائق.
وينقل التقرير عن مقربين من برويدي، قولهم إنه لم يرسل فاتورة للرئيس ساسو نغوسو، ولم يوقع معه عقودا، إلا أنهم رفضوا التعليق على الدعوة الموجهة للرئيس، فيما قال متحدث باسم رجل الأعمال إن المتبرعين السابقين في الحملات الانتخابية كان بإمكانهم دعوة رؤساء دول لحضور حفلة تنصيب الرئيس.
وتلفت الصحيفة إلى دعوة النائب الروماني ليفيو دراغينا، الذي يترأس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبحسب موقع "ماكلاتشي"، فإن دراغينا وضع على صفحته في "فيسبوك"، قوله إنه سيعمل على بناء علاقات قوية بين رومانيا والولايات المتحدة، وكان في ذلك الوقت متهما بقضايا الفساد التي لا يزال يواجهها.
ويستدرك التقرير بأن شركة برويدي ظلت تعد الحكومة الرومانية بأنها تستطيع تسهيل اتصالاتها مع إدارة ترامب، مشيرا إلى أن الشركة لم تحصل على عقود من رومانيا بعد، لكنها دخلت في الشهر الماضي باتفاق مع شركة دفاعية مملوكة من الحكومة، الذي تحصل بموجبه على 200 مليون دولار، وذلك بحسب الإعلام الروماني وأشخاص يعرفون بالاتفاق.
وتنوه الصحيفة إلى مراسلات برويدي مع مسؤولين أنغوليين، ففي رسالة تعود إلى 3 كانون الثاني/ يناير 2017 للمسؤولين الأنغوليين، قال إنه يرسل دعوة لحضور حفل تنصيب الرئيس، مقترحا من شركته "سيركينوس" تقديم خدمات دفاعية لأنغولا، وفي أحد المقترحات حاولت الشركة الحصول على عقود بقيمة 64 مليون دولار.
وكتب برويدي لوزير الدفاع الأنغولي جاوو لورينكو، قائلا: "مع التحضيرات الكثيرة أمامنا فنحن نطلب منك إرجاع الوثيقة التنفيذية قبل 9 كانون الثاني/ يناير 2017، موعدا نهائيا"، حيث أنه قبل ثلاثة أيام من حفل تنصيب ترامب قدمت الحكومة الأنغولية 6 ملايين لشركة برويدي، التي يقول مقربون منه إنها كانت مليوني دولار، وهي أقل من المبلغ المتفق عليه.
ويذكر التقرير أن المسؤولين الأنغوليين التقوا في اليوم ذاته بمعية برويدي مع عدد من السيناتورات الأمريكيين، بمن فيهم توم كوتن من ولاية أركنساس ورون جونسون السيناتور عن ويسكونس، وكلاهما جمهوريان، وبعد شهر كتب برويدي للورينكو، متحدثا عن خطط لحضور حفلة في منتجع مار- إي- لاغو في فلوريدا، وذكره أيضا أن أنغولا لم تدفع المستحقات عليها لشركته: "من فضلك تأكد من الدفع مباشرة"، وبعد فترة تم تنصيب لورينكو رئيسا لأنغولا، حيث كتب له برويدي مهنئا، وعارضا عليه خدمة ترتيب لقاء له مع ترامب، وقال إنه يستطيع تقديم خدمات، والمساعدة على تقوية العلاقة بين لواندا وواشنطن، ولم يرد لورينكو على رسالة برويدي، بالإضافة إلى أنه لم يحضر إلى حفلة مار- إي – لاغو، ولم يحصل برويدي إلا على 6 ملايين دولار من أنغولا، بحسب مقربين له.
وتكشف الصحيفة عن أن برويدي حاول التواصل مع تونس، فبحسب المستشار لوزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي التونسية أيمن الريس، فإن برويدي "ذكر علاقاته السياسية، وأنه قد يساعد"، والتقى الريس والوزير فاضل عبد الكافي مع برويدي ومديري شركة "سيركينوس" في تونس بعد أسابيع من انتخاب ترامب، وحاولت الشركة الحصول على عقد من أجل بناء مركز للاستخبارات المفتوحة في تونس، إلا أن عبد الكافي ومن معه حاولوا إقناع برويدي بالاستثمار في قطاع السياحة التونسية، لكنه كتب في رسالة إلكترونية للوزير التونسي، متعهدا بأن "المركز سيكون نافعا وفعالا لحكومتك"، وأكد مرة أخرى على علاقاته مع الإدارة، قائلا إنها "فرصة لا تعوض، خاصة أن مجلس النواب والشيوخ والجانب التنفيذي من الحكومة في يد الجمهوريين ولأول مرة منذ 10 أعوام".
ويفيد التقرير بأن "سيركينوس" جهزت خطة لمدة 5 أعوام، وبقيمة 80 مليون دولار للعمل مع الحكومة التونسية، إلا أن الريس والتونسيين قرروا عدم التعامل مع برويدي، حيث قال الريس: "علاقة مع ترامب، كيف سيساعدنا هذا في مجال الأمن؟"، فيما قال شخص مقرب من برويدي إنه ناقش سيطرة الجمهوريين على الكونغرس والبيت الأبيض؛ ليؤكد أن الحكومة الأمريكية قد تزيد من نفقات مكافحة الإرهاب.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الداعمين له إنه لم يخف أبدا التداخل بين مصالحه التجارية وعلاقاته السياسية، فقال في مذكرة أرسلها لصديقه جورج نادر في تشرين الأول/ أكتوبر، عن لقاء جرى مع ترامب في المكتب البيضاوي، إنه تطوع وقال لترامب إن شركته تحاول الحصول على عقود مع الإمارات العربية المتحدة، وبأنه حاول ترتيب لقاء خاص بين الرئيس وولي عهد الإمارات ابن زايد.
فانيتي فير: كيف تنافس ابن سلمان وابن زايد للتأثير على كوشنر؟
ديلي ميل: لماذا هرب جورج نادر إلى الإمارات؟
بزنس إنسايدر: لماذا رفض ترامب ملياري دولار من الإمارات؟