أجمع خبراء وكتاب إسرائيليون على أن المسيرات
التي انطلق بها الفلسطينيون أواخر آذار/مارس الماضي، والتي تستمر حتى أيار / مايو المقبل،
"لن يوقفها استخدام مزيد من القوة الإسرائيلية، لأن دروس الانتفاضات السابقة
أثبتت عدم جدوى الحلول العسكرية مع الفلسطينيين".
وقال رام كوهين الكاتب بصحيفة إسرائيل اليوم إن
المصلحة الإسرائيلية تقضي بـ"الانتباه لاحتياجات أهالي قطاع غزة، تفاديا لتبعات
الأزمة الناشبة هناك، لأن آلاف الفلسطينيين الذين يتوافدون إلى خط الهدنة شرق قطاع
غزة في المسيرات الأخيرة محبطون من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها"، مشددا على
أن ظاهرة المسيرات والمظاهرات لن توقفها رصاصات القناصة الإسرائيليين.
وأكد في تقرير ترجمته "عربي21" أن
قطاع غزة يعد "معسكر الاعتقال الأكبر والأكثر ازدحاما، يعيش فيه مليونا إنسان
دون أمل أو معنى للحياة"، في ظل المعطيات الصعبة الخاصة بارتفاع معدلات
البطالة التي وصلت نسبتها إلى 50%، والناتج القومي الإجمالي في 2015 وصل 996
دولارا في حين أن قيمته في إسرائيل بلغت 35 ألف دولار، كما أن 70% من سكان القطاع
يعتمدون على مساعدات مؤسسات الأمم المتحدة، و40% من سكان القطاع من الشبان
والفتيان أقل من 18 عاما.
وأضاف كوهين وهو أحد الخبراء التربويين الأكثر
شهرة في إسرائيل أن قطاع غزة "لا أحد يدخل إليه، ولا يخرج منه، إلا للحالات
الإنسانية الصعبة والمسائل التجارية، فيما البنى التحتية المائية وخدمات
الصرف الصحي والكهرباء مدمرة، ومعبر رفح مغلق طيلة أيام العام تقريبا، باستثناء 17 يوما، ما يعني أن اتصال سكان غزة بالعالم الخارجي غير قائم فعليا، وأن مواليد غزة منذ
العام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية لم يروا العالم أبدا".
وأشار إلى أن غزة "الفقيرة المنقطعة عن كل
العالم" ستبقى تلفت انتباه المجتمع الدولي، مشددا على أن السياسات
الإسرائيلية لن تنجح في قمع الفلسطينيين، أو حل مشاكلهم، سواء مشاريع مواجهة
الأنفاق، أو الصواريخ الجوية، أو قوات الكوماندوز البحرية، أو عمليات الاغتيال،
لأن أهالي غزة يسعون للحياة بصورة أفضل، رغم محاولات الإنكار الإسرائيلية بأن غزة
ليست مشكلتها، لكنها كذلك.
وأوضح أن الحروب الثلاث الأخيرة على غزة بين
عامي 2008 و2014 والتي استشهد فيها الآلاف، "لم تردع الفلسطينيين عن الإصرار
على كسر الحصار، وقد أثبتت المسيرات الأخيرة أنها تؤثر على صورة إسرائيل حول
العالم".
ولفت إلى أن من "مصلحة إسرائيل" توفير
الحاجات الإنسانية لسكان القطاع، من خلال فتح المعابر، وتمكين آلاف العمال من دخول
إسرائيل للعمل، والسماح للعائلات الفلسطينية من غزة والضفة باللقاء، وإفساح المجال
للتطوير الاقتصادي والصناعي في القطاع، والموافقة على خروج الطلاب للدراسة في
الخارج، وتحسين البنى التحتية المدمرة فيها، ووصولا لإجراء حوار مع حماس من أجل مصلحة المنطقة.
بدوره دعا أمير روتم الكاتب في موقع "محادثة
محلية" العبري الحكومة الإسرائيلية إلى "السماح" لسكان غزة بأن
يعيشوا حياتهم الطبيعية، لأن معاناتهم "لم تبدأ بسيطرة حماس على غزة عام
2007، بل قبلها بسنوات كثيرة، وآن الأوان لإسرائيل أن تنظر لأوضاع الفلسطينيين
هناك".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن
المظاهرات الأسبوعية على حدود غزة "باتت تفتح موجات بث تلفزيونية مباشرة،
وتقارير صحفية، وتحليلات، تحاول تفسير هذا المشهد المكون من جيش مسلح ومتظاهرين
غاضبين".
وقال روتم، المسؤول كذلك في منظمة غيشا لحرية
الحركة: "رغم أن الإسرائيليين في غالبيتهم لا يريدون النظر لهذا المكان
المسمى غزة، حتى ولو كنا في الطريق لتصعيد عسكري، لكن الفلسطينيين نجحوا في
الأحداث التي ستستمر بين يومي الأرض والنكبة بإجبار الإسرائيليين وكل العالم على
النظر إليهم، رغم أن ذلك يستنزف منهم خسائر بشرية".
وأورد الكاتب الإسرائيلي عينات من التقارير الأممية
التي تتحدث منذ سنوات عن أن الحياة في غزة "لن تكون ملائمة للآدميين عام
2020، وهناك العديد من الشواهد المؤلمة على ذلك في مجالات: الكهرباء، الصحة، السكن،
العلاج، البطالة المتفشية" وفق قوله.
ورغم أن قادة المؤسسة الإسرائيلية يتحدثون منذ
انتهاء حرب 2014 عن ضرورة المساهمة في اعمار غزة وإسعافها من أوضاعها المتدهورة،
خشية الوصول للجولة الجديدة من المواجهة العسكرية، لكن تل أبيب تمارس عليهم سياسة
خطيرة، وتفرض عقوبات جماعية، ومع فشل سياسة الإغلاق وانسداد الأفق السياسي، وثبوت
عدم جدوى الحلول العسكرية مع الفلسطينيين، فإن ذلك يتطلب البحث عن خيارات سياسية، بحسب روتم.
من جانبها قالت رويتال عميران الباحثة
الإسرائيلية في صحيفة معاريف، إنه بعد مرور 31 عاما على اندلاع انتفاضة الحجارة
الفلسطينية الأولى، فما زالت إسرائيل تخوض مواجهاتها مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
ورأت عميران أن الدرس الأساسي من المسيرات
الحالية على حدود القطاع يؤكد أن الفئات السكانية الشابة التي "لا تعيش حياتها
الطبيعية ليس لديها ما تخسره، إلا أن تجاربنا التاريخية مع الفلسطينيين تفيد بأن أي
هبات شعبية تبدأ بمظاهرات ومسيرات شعبية، سرعان ما تتحول مع مرور الوقت إلى حالات أكثر
عنفا وقسوة" وفق زعمها.
وأوضحت في تحليلها المطول الذي ترجمت
"عربي21" جزءا منه أن هناك العديد من القواسم المشتركة بين الانتفاضة
الأولى 1987 والمسيرات الحالية 2018، كون من يشكل وقودهما الأساسي شبان دون
الثلاثين من أعمارهم، يتحكم الجيش الإسرائيلي في حياتهم وينتهك حقوقهم.
وأشارت إلى أن هذه المسيرات جاءت لتذكر العالم بأن "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم ينته بعد، وغزة التي تعيش تحت حصار محكم
منذ ما يزيد على عشر سنوات هي قنبلة ستنفجر في وجه إسرائيل، شاءت أم أبت".
وأشارت رويتال، المتخصصة في العلوم السياسية،
ونشرت عددا من الأبحاث والدراسات ذات العلاقة بالصراع مع الفلسطينيين،إلى أن هذه
المسيرات كشفت عن "رغبة الفلسطينيين الكامنة في التخلص من الاحتلال، وهنا
يختلط الطابع المدني بالعسكري، ويصبح من الصعب التفريق بينهما، وأتى مقتل الصحفي
ياسر مرتجى في مسيرات الجمعة الماضية على حدود غزة ليظهر حجم الورطة التي أوقعت
إسرائيل نفسها فيها".
ورأت أن صور المدنيين الفلسطينيين غير المسلحين
الذين يقتلون بنيران القناصة الإسرائيلية "تعتبر صور انتصار بالنسبة لهم،
تضرب في صحة الرواية الإسرائيلية، وتدعو لإجراء تحقيقات في السلوك العسكري لجنودها، ورغم ما يقال عن أن الفلسطينيين سرعان ما يملّون من هذه المسيرات، ويعودون لممارسة
حياتهم الطبيعية، فإن تجربتنا التاريخية معهم تقول العكس، في ظل تكرار محاولات
التسلل وتنفيذ العمليات المتزايدة في الأيام الأخيرة".
واعتبرت رويتال أن الحكومة الإسرائيلية لا تتعامل مع المسيرات الجارية
على حدود القطاع بـ"عقل واع" ولا بتبعاتها على إسرائيل التي "لا
تريد التعلم من دروس الماضي ولا استشراف المستقبل".
وقالت إنه في الوقت الذي "لجأت فيه
إسرائيل لطرقها المعتادة في قمع انتفاضة الحجارة الأولى من خلال قنابل الغاز
والرصاص المطاطي وهدم المنازل والاعتقالات والإبعاد وصولا إلى مقولة إسحاق رابين
المشهورة بتكسير العظام إلا أن إسرائيل استوعبت الدرس متأخرة، بأن هذا الصراع لن
يحل بطريق القوة، ما أدى لتوقيع اتفاق أوسلو".
موقع إسرائيلي يعدد "إنجازات حماس المؤكدة" من مسيرة العودة
ليبرمان: الجيش مستعد للاستنفار عند غزة لمدة عامين.. حماس ترد
مخاوف إسرائيلية من فرض الفلسطينيين أجندتهم بمسيرة العودة