التايمز: ما خيارات أوروبا لتحدي "فيل برتقالي" بالبيت الأبيض؟

نشرت صحيفة "التايمز" مقالا للكاتب مايكل بيرليه، تحت عنوان "ترامب يدفعنا جميعا إلى أحضان الصين"، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقوم، من خلال استبعاد الحلفاء التقليديين في أوروبا وآسيا، بتفكيك السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ويقول بيرليه إن "كبير المخربين في البيت الأبيض فعلها مرة أخرى، بانتهاكه الاتفاق النووي مع إيران، مدفوعا بالهوس السعودي والإسرائيلي بمعاداة النظام في إيران".

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "هذه الخطوة تأتي بعد أشهر من انسحابه من اتفاق باريس للتغيرات المناخية، واتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومحاولة الدفع باتجاه اتفاق جديد للتجارة الحرة مع كندا وأقرب جيرانه في أمريكا اللاتينية، مطالبا الجميع بعدم تجاهل رغباته المعلنة بخصوص علاقاته التعاقدية في أوروبا ومنطقة الخليج واليابان وكوريا الجنوبية، بعدما أثبت ترامب أنه يعرف ثمن كل شيء، ولا يقيم وزنا لأي شيء".

ويلفت بيرليه إلى أن هناك "انتكاسة أخرى لعملية السلام في الشرق الأوسط، ستجري اليوم على يدي ترامب، بنقله السفارة الأمريكية إلى القدس، رغم أنف الرأي العام العالمي، وزعم أنه وفر على دافعي الضرائب الأمريكيين مليار دولار عندما أعاد استخدام بناية قديمة وفرشها من جديد".

ويقول الكاتب إنه "بعيدا عن هذا كله فإن الأنظار ستتجه إلى سنغافورة، حيث سيلتقي ترامب الشهر المقبل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وهو ما قد ينتهي بتقليص الخطر النووي لبيونغ يانغ، وسحب 28 ألف جندي أمريكي من كوريا الجنوبية، ما سيوفر 800 مليون دولار لواشنطن، وهذه الخطوات قد تنتهي بوقوع كوريا الجنوبية واليابان في أحضان الصين".

ويجد بيرليه أن "ردود الفعل لدبلوماسية الدب في دكان للزجاح الصيني تراوحت من الازدراء غير المصدق إلى الدعوة للمقاومة العملية، وكان هذا موضوع افتتاحية (دير شبيغل) يوم الجمعة، التي جاء فيها أن على أوروبا حماية المؤسسات المتعددة الجنسيات، التي ستواجه عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، في حال استمرت في التعامل مع إيران، وتشجيع  الشركات الصغيرة التي لا يوجد فيها عملاء أمريكيون للمحاولة هناك، فمع مرور الوقت ستقوم أوروبا بنفوذها الاقتصادي القوي وخبرتها الاقتصادية بالدور على الفيل البرتقالي".

ويفيد الكاتب بأن "الرسالة ذاتها جاءت من مسؤولين سابقيين للأمن القومي في عهد باراك أوباما، اللذين دعيا الدول الأوروبية إلى منع ترامب من استخدامها (ممسحة)، ولو اقتضى الأمر سحب سفرائها من واشنطن، وطرد السفراء من العواصم، مثل برلين ولندن".

ويعلق بيرليه قائلا إن "إجراء كهذا قد يكون جذريا وصعبا على وزارة الخارجية، إلا أن سفير لندن في واشنطن سير سايمون ماكدونالد أشار هذا الأسبوع إلى وجود مشكلة في التحالف الأمني، الذي يوحد الولايات المتحدة وبريطانيا، وعلاقته بالقيم الأوروبية".

ويؤكد الكاتب أنه "لا يوجد ما يمكن لأوروبا فعله من أجل إحباط عقوبات إضافية على الشركات التي تتعامل مع إيران، مع أنها احتجت مع المكسيك وكندا على فرض عقوبات على إيران وليبيا، بالإضافة إلى أن هناك ثلاث دول ستعاني من الاهتمام الإسرائيلي وأصوات السعودية الشريرة حول عقود المقاتلات التي تريدها بريطانيا الخارجة من البريكسيت".

ويجد بيرليه أن "ترامب مثل المخرب في (ملكة الثلج)، الذي يكون قطعا من الثلج في قلوب من يؤذي، ويشمل هذا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، اللذين عانا من حديث ترامب عن ثمن السفارتين الأمريكيتين في لندن والقدس، وبوريس جونسون، الذي قال المراسلون الصحافيون إنه هام على وجهه في العاصمة الأمريكية بلا هدف، حيث قدم ترامب موعد الخروج من الاتفاقية النووية؛ حتى لا يتصادم مع موعد افتتاح السفارة الأمريكية في القدس".

ويقول الكاتب إنه "لو انتخب ترامب مرة أخرى عام 2020، فإن رقاقات الثلج ستصبح جليدا دائما، فمحاولات تغيير النظام في طهران دفعت الدول الأوروبية الكبرى للاصطفاف إلى جانب الصين وروسيا". 

وينوه بيرليه إلى أن "ترامب وأصدقاءه الإسرائيليين يقومون لوقت طويل باستكشاف المقولة السنسكريتية القديمة (عدو عدوي هو صديقي)؛ لتبرير تحالفهما مع أكبر داعم للإرهاب والعداء للسامية، وهو ليس إيران". 

ويرى الكاتب أنه "يمكن لبكين الديكتاتورية والشيوعية أن تؤدي هذا الدور، وتلتزم بالنظام الدولي القائم (فائدة الجميع)، وغياب العلاقات مع أوروبا قد يؤدي إلى تقوية هذه العلاقات، ويعرف حكام الصين أن (التجارة الصينية هي تجارة)، أما التجارة مع ترامب فلا تزال متجذرة في عقلية القرن العشرين، التي تعني البوارج الحربية والصواريخ ورؤية داروينية فظة للعالم". 

ويذهب بيرليه إلى أن "الحديث عن فضاء الأنجلو لم يعد مهما، خاصة أن العالم كله يتحدث اللغة الإنجليزية، ولن تكون أمريكا (أنجلو) في جيل، وفي الوقت ذاته فالتجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين تصل إلى مليار دولار في اليوم، ويعد شي جينبنغ من أكثر قادة العالم احتراما". 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "بدلا من الخنوع لإملاءات أمريكا الفظة، التي يبدو أنها فقدت عقلها، فإنه يجب على الأوروبيين البدء بممارسة السيادة، التي نسمع بها دائما من بعض الدوائر، خاصة إن كانت لعبة ترامب تقوم على شن حرب جديدة في الشرق الأوسط، ويهندسها الفريق ذاته الذي قام عام 2003، وبطريقة شاملة، بحرب فاشلة في العراق".