نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لكبير مراسليها سابقا جوناثان ستيل، يقول فيه إن افتقار الرئيس الأمريكي إلى فهم الصراع أدى إلى إثارة العنف، والتخلص من أي فرصة للسلام.
ويبدأ ستيل مقاله بالقول: "تخيل غضب الحكومات الغربية لو قتل إرهابيون 51 إسرائيليا في يوم واحد في شوارع تل أبيب، وعندما يتعلق الأمر بقتل الجيش
الإسرائيلي يوم الاثنين على أبواب
غزة، فإن الصمت من وزراء الحكومات الغربية مصم للآذان، بل أسوأ من هذا أن هناك من حاول تبرير القتل على أنه وسيلة للدفاع عن النفس".
ويعلق الكاتب قائلا إن "الحكومة الإسرائيلية تقول إن الحشود المكونة من الشباب قرب السياج الحدودي تعد تهديدا قاتلا للإسرائيليين المسالمين، وهو زعم مثير للضحك، ويخدم المصلحة، فحتى لو استطاع محتج أو اثنان اختراق السياج، فإنهما لن يذهبا إلى أي مكان سوى لمواجهة الجيش الإسرائيلي، الذي سيقوم بسهولة باعتقالهما، فالمتسلل
الفلسطيني لا حلفاء له داخل إسرائيل، ولا توجد وسيلة نقل لتأخذه للتجمعات السكانية، بالإضافة إلى أنه ليس مسلحا للدفاع عن نفسه، وكما تظهر لقطات الفيديو فإن المتظاهرين لا يلبسون أحزمة ناسفة، ولا يحملون سلاحا، وكل ما يقومون به بين الفترة والأخرى هي إلقاء الحجارة، وهي السلاح الوحيد المتوفر لديهم".
ويجد ستيل في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "في حالات كهذه، فإن إجراءات الشرطة من الاعتقال والحجز هي الطريقة العادية المناسبة، وبدلا من ذلك، فإن القناصة الإسرائيليين أطلقوا الرصاص الحي على المحتجين، وجرحوا الآلاف في أرجلهم، وقتلوا العشرات".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم الاحتجاجات الدولية من جماعات حقوق الإنسان ومنظمات حقوقية إسرائيلية شجاعة، فلا يبدو أن قادة الجيش الإسرائيلي أعطوا الجنود قواعد جديدة للاشتباك، والتوتر لا يزال عاليا مع الجنازات التي تمت للضحايا، والسبب الرئيسي للاحتجاجات هو البؤس واليأس الذي تسببت به 11 عاما من الحصار المفروض على أهل غزة؛ عقابا لهم على انتخاب حركة حماس عام 2006".
ويقول ستيل إن "مصر تتحمل جزءا من المسؤولية عن العقاب الجماعي الذي مورس على الغزيين، وكذلك السلطة الوطنية، التي رفضت دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في القطاع، لكن إسرائيل هي من تتحمل الجزء الأكبر من اللوم، فهي التي بدأت بالحصار، ورفضت مرارا تخفيفه، ورفضت الاستجابة لعرض حركة حماس الاتفاق على هدنة لإنهاء الحصار، والنتيجة كانت فقدان الأمل الذي شجع الفلسطينيين للمخاطرة بحياتهم قرب السياج الحدودي".
ويؤكد الكاتب أن "حركة حماس شجعت على التظاهرات من أجل الكشف عن عناد إسرائيل ووحشيتها، لكن اختصار المتظاهرين بأنهم روبوتات في يد حركة حماس لاستخدامهم (دروعا بشرية)، بحسب وصف مسؤول إسرائيلي، هو تجاهل للإحباط الحقيقي والمعاناة التي يشعر بها الكثير من الغزيين".
ويشير ستيل إلى أن "السبب الثاني وراء التظاهرات هو التاريخ، حيث يقوم الفلسطينيون بإرسال رسالة تذكر العالم بأن نشوء دولة إسرائيل قبل 70 عاما، رافقته عمليات تطهير عرقي لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتم تجاهل مطالبهم بالتعويض أو العودة ولعقود، ويحاول الفلسطينيون الإبقاء على الحلم كما هو".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في الوقت الذي يصوب فيه الإسرائيليون على المحتجين بدقة، فإن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب يقوم بالضرب على الخاصرة، فمذبحة هذا الأسبوع، وإن لم تكن مرتبطة بقراره الاستفزازي نقل السفارة إلى
القدس، واعترافه بها عاصمة للدولة اليهودية، لكن التحرك أضاف للإحباط والغضب، ففي ظل الإدارات السابقة ظلت السياسات المتعلقة بملامح النزاع الإسرائيلي الفلسطيني كلها موجهة لصالح إسرائيل، وقلة من الفلسطينيين ظنت، وبسذاجة، أن أمريكا هي عراب نزيه، ومع ذلك حاول الرؤساء كلهم ضبط العنف، والبحث عن تسويات سياسية، التي أعطت إسرائيل شروطا محبذة، وهذا واضح في كل ملامح حل الدولتين المطروح على الطاولة".
ويرى ستيل أن "ترامب مختلف عن بقية الرؤساء السابقين، وهو لا يهتم كثيرا بفهم المقترحات الحالية للسلام مع الفلسطينيين، علاوة على التاريخ، فقرار نقل السفارة إلى القدس في اليوم الذي تحتفل فيه إسرائيل بذكرى 70 عاما على ولادتها، وفي الوقت الذي أحيا فيه الفلسطينيون ذكرى نكبتهم، يظهر لامبالاة بأحاسيسهم في أفضل الحالات، وفي أسوأها كان استفزازا يحمل رسالة للفلسطينيين بأن أمريكا متحيزة، لكن ترامب لديه طريقته، وهو يجمع ما بين الجهل والغطرسة، وهي علامة للكثيرين ممن حلموا في الوصول إلى البيت الأبيض".
وينوه الكاتب إلى أن "ترامب اتخذ القرار في الاتفاقية النووية دون التفكير في العواقب، ورفض الاستماع لحلفائه، الذين تفاوضوا على الاتفاقية لسنوات طويلة مع الإيرانيين، وقرر أيضا تجاهل نتائج الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي قالت إن إيران لم تخرق شروط الاتفاقية، وفشل ترامب في شرح سبب تمزيقه الاتفاقية، وبأن ذلك أفضل من الحصول على اتفاق غير كامل".
ويفيد ستيل بأن "هناك قضيتين في الشرق الأوسط؛ التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، والاتفاقية النووية، تحتاجان إلى تحليل جيد يأخذ في عين الاعتبار المظالم والطموحات لكل طرف، وفهم ناضج لهما، والمؤسف أن ترامب لا يملك أيا من هذه الخواص".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "نرامب فشل في استشارة الخبراء من بلاده والشرق الأوسط، بأن المضي وراء مطالب الحكومة الإسرائيلية، التي تخضع للمستوطنين، سيقتل فرص السلام، ويعتقد ترامب أن بإمكانه القول للفلسطيينيين: (أنتم عزلتم)، وسيخرجون بخنوع".