لغزة وأهلها قدر ومدد من شهر رمضان المعظم، أعاده الله علينا وعليهم بالعزة والنصر والتمكين، فكثيرا من اعتداءات عدوان الكيان الصهيوني على غزة ما يكون في شهر رمضان، وقد كان أشد أنواع هذا العدوان في رمضان 2014م، والذي طال فيه دمارهم وخرابهم كثيرا من البيوت، وكثيرا من الأرواح الطاهرة التي ارتقت لبارئها صائمة محتسبة، وقد نالت عاجل البشرى من الله عز وجل بالجنة شهداء، ومع ذلك كان هذا الشهر الكريم مددا للمقاومة فكان فيه لأول مرة إعلان قصب السبق في التفوق والإعلان عن موعد ضرب صواريخ القسام، واختراق القبة الحديدية، في تطور وتقدم كبير للمقاومة الفلسطينية، بعد أن كان يسخر منها ومن قدراتها الصهاينة العرب من السياسيين، وبعض مشايخ السلطة الذين كانوا يتناولونهم بالتحقير والازدراء، وعدم جدوى ما يقومون به، وكانت نفحات وبركات شهر رمضان، تواكب جهادهم ومقاومتهم، وكانت رافدا مهما من روافد القوة المعنوية التي تمد الشعب الغزاوي والفلسطيني بمدد رباني من الثبات والتحمل، في ظل موازين قوى غير متكافئة من حيث العدد والعدة، ومن حيث النصير البشري والدولي والإقليمي، ولكن (والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون) يوسف: 21.
واليوم نرى مسيرات العودة التي تقودها غزة الأبية، في ظل قصف وعدوان من الكيان الصهيوني، وافتتاح لمقر السفارة الأمريكية في القدس، وتكون غزة والشعب الفلسطيني المقاوم على نفس الموعد، قبيل رمضان بأيام، ويدخل رمضان ولا تزال مستمرة في نضالها، لتهب عليها ريح الإيمان والصوم بإذن الله، كما هبت من قبل على أسوتهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم في رمضان، في غزوة بدر، وفتح مكة، ولا يستهينن أحد بهذا المدد الرباني المعنوي للإنسان المقاوم، فكم من جيوش هزمت وهي قوية بدنا وسلاحا، ولكن اليأس والهزيمة النفسية دبت في النفوس فكانت هزيمتها من نفسها لا من عدوها.
وشهر رمضان بنفحاته يمثل وقودا إيمانيا للمسلم، فضلا عن المسلم المجاهد المناضل وفي القلب من هؤلاء أهل غزة الكرام، فرمضان شهر الصبر والنضال، وفيه يتضاعف الأجر والمثوبة من الله، وهي نفحات وبركات لا يستغني عنها أهل فلسطين الكرام، الذين ارتبط نضالهم دائما بربهم، ورضاه سبحانه، فمن قبل كانت ثورتهم: ثورة المساجد، منها تنطلق، وبأهلها تتحرك، أفرادا وقيادات، وهذا العامل الديني القوي والمهم حاول كثير من الساسة تفريغ القضية الفلسطينية منه دون جدوى، وباءت كل المحاولات بالفشل، فإذا كان العدو لم يتخل عنه في كل مراحله السياسية والاستعمارية، فكيف لعاقل أن يتخلى عنه وهو أساس في المعركة، وعنصر رئيسي في أدواتها، فما الذي يدفع الإنسان للتضحية بروحه وماله، إلا ابتغاء مرضاة ربه ومولاه سبحانه وتعالى؟!
وهذا الشهر يوجب على الأمة الإسلامية دورا تجاه غزة وفلسطين في مسيرة العودة، وما يليها من فعاليات، بأن تقوم بدورها بكل ما تستطيع فعله، وببذل كل ما تملك، ورمضان شهر الجود والعطاء، كان فيه صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون، كالريح المرسلة. وأضعف الإيمان: ألا ننساهم من نفحات هذا الشهر، من الدعاء الكثير في كل مواطن استجابة الدعاء، وبخاصة عند إفطار الصائم، فللصائم دعوة لا ترد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وليس أفضل من ادخار دعوة مستجابة لمجاهد يذود عن الأرض والعرض والمقدسات، وكذلك أئمة المساجد في كل ربوع العالم الإسلامي، عليهم الإكثار من دعاء القنوت في الصلوات، وهو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشعر الأمة في أزماتها بوحدة القلوب، ووقوفها جنبا إلى جنب مع إخوانها الصامدين في غزة وفلسطين، ولا يستهينن به أحد، فرضي الله عن الإمام الشافعي حين قال:
أتهزأ بالدعاء وتزدري وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
Essamt74@hotmail.com
كنوز الفقه الإسلامي في التراث العثماني