قد لا يفهم "
عمرو خالد" أن إظهاره التراجع عن الطريق الصحيح، لا يجعله يخسر الكثير من متابعي صفحته على الفيسبوك، إذ يحلو له أن يتباهى بأنهم تخطوا الخمسة والثلاثين مليون شخص؛ بل يخسر أهم وأسمى من البشر.
قد لا يفهم السيد "عمرو خالد" اليوم وهو يعاني أشد المعاناة من أنه كلما فعل أمرا؛ بل جوده وحاول إتقانه، من وجهة نظره، كان سببا لانقلاب الأمر عليه حتى لكأن أعدى أعدائه هو الذي قام به نيابة عنه.
وقد لا يفهم السيد "خالد" أنه خسر معينه وسنده الأساسي؛ حتى إنه قدم - في رضاه - برنامج "على خطى الحبيب" صلى الله عليه وسلم بداية من الأول من رمضان 1426 هـ الموافق 5 من تشرين الأول/ أكتوبر 2005م، في أشهر فنادق مكة المكرمة وفي الخلفية الكعبة المشرفة، وهو أمر من النادر أن يحققه عالم دين، فما بالنا بداعية لا يحفظ "القرآن الكريم" من الأساس، بل لايُحسن نطقه ولا تلاوته أو تفسيره أو إدراك واسع معانيه؟!
وفي البرنامج الأشهر للسيد خالد "على خطى الحبيب"، كانت تكتب الآيات على شاشة موضوعة أمامه بعناية (مونيتور) مع التشكيل، فإن غابت آية قليلا عن عينيه؛ أو نطق بها مبكرا أخطأ في ترتيب كلماتها ونطقها!
قد لا يفهم السيد "خالد" اليوم وبعد عمرته في نهاية آب/ أغسطس الماضي، التي تناولها عشرات الآلاف من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي - إن لم يكن الملايين - بالنقد الشديد؛ لأن السيد المذكور آثر أن يدعو وفي خلفيته الكعبة المشرفة من جديد؛ لكن الدعوة هذه المرة لمتابعي صفحته، أو لمَنْ كتبوا تعليقا وطلبوا منه الدعاء، وهكذا ضيق الرجل واسعا بأن قصر دعاءه على هؤلاء وحدهم.
قد لا يفهم السيد "خالد" أن سنده الذي أمهله طويلا يتركه لنفسه.
في مسيرة السيد "خالد" وخطواته الأولى، بدأ الدعوة إلى الله بتقديم الدكتور "وجدي غنيم" في محاضرة بمسجد الشيخ الراحل الحصري في مدينة 6 أكتوبر
المصرية. و"غنيم" معروف بأنه من الإخوان. ثم أخذ السيد "خالد" يتصاعد ذكره في أمر الدعوة إلى الله عبر المسجد المذكور. وأيام بدء صعوده، كان من المعروف أن السيد "خالد" ينتمي إلى جماعة الإخوان.
حتى إذا ذاع صيته وقال إن نظام الرئيس المخلوع "حسني مبارك" أجبره على مغادرة مصر إلى لبنان ثم لندن، وإلا لتم تلفيق قضية له تتعلق بالشرف، ارتفعت أسهم "خالد" ترتفع إلى عنان السماء؛ أمام المصريين الذين كانوا يعانون من الظلم الشديد أيام "مبارك"، فيشفقون على كل مظلوم، بخاصة لو أنه كان يتحدث باسم الدين.
وتغاضت الجماهير قبل ذلك وبعده عن أخطاء وخطايا ظهرت للسيد "خالد"، كبيرة وليست صغيرة، من نيله 47 مليون جنيه استرليني باعتراف الخارجية البريطانية، كدعم لبرنامج "صناع الحياة" أحد أهم أسباب شهرة السيد "خالد".
ومن تلك الأخطاء تقديمه إعلانا عن عطر إماراتي، أكد خلاله أنه يجعل المسلم حسن الرائحة، كما يحب الله تعالى، هذا بالإضافة لصورته في نادي الجزيرة وهو يمسك بزجاجة مياه وتحيط به فتاتان غير محجبتين تحاولان أخذها من يده العالية.
لكن السيد "خالد" كان يقول عندها إنه يقف على مسافة من الإخوان المسلمين، وإن كانت شهرته تغفر له لدى الملايين من معجبيه الأخطاء والخطايا، بل المستوى الضعيف الذي ظهرت به بعض برامج ولقاءات السيد "خالد"، التي كان فريق عمله فيها بعيدا عنه، وأكد أحدهم أنه لا ينطق إلا بما يقوله الفريق وبدقة.
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي انقلب السيد "خالد" على كثير من محبيه من جماعة الإخوان ومناصريها؛ ولم يكتف بسابق تأييده الانقلاب في جلسات الشؤون المعنوية من الجيش المصري وتبرير الدماء، بل قال على العلن في لقاء تلفزيوني، عقب خطيئة عمرة آب/ أغسطس الماضي والدعوة للذين على صفحته فحسب قرب الكعبة، قال الداعية "المفترض"، إن الإخوان يعادونه وأنه تربى في بيت زوج عمته الراحل رئيس وزراء مصر "إبراهيم عبد الهادي"، الذي حل جماعة الإخوان، وأنه تشرب فكر "عدو الإخوان".
أما السيد مفتي مصر الأسبق "علي جمعة"، فصرح قبلها أن السيد "خالد" زاره في بيته وصرح أنه كان إخوانيا وندم وتاب وعاد وأناب.
وما يهمنا في هذا السياق أنه من العار أن يكون أحدهم داعية ثم ينقلب على داعميه معنويا - على الأقل - ومحبيه على أثر أول منعطف أو لدى ناصية محنة ألمت بهم، أيا كانت أسبابها ودواعيها. وكان يكفي السيد "خالد" لو وسعه الصمت ليحافظ على نفسه وعمره.. والصمت وسع حتى ممثلين وكُتّابا وما لا يحصون من
المشاهير، بخاصة.
ولكن اتضح من أفعال "خالد" أن نفسه أحب إليه!
في نهاية الثمانينيات، لما أطلت برأسها ظاهرة "العمامير الثلاثة،" برأي أستاذ الطب النفسي المصري، الدكتور "يحيي الرخاوي"، الذي وصف ظاهرة "عمرو أديب"، و"عمرو دياب"، و"عمرو خالد" على أنها أحد أهم منتجات انهيار الذوق والعقلية المصرية. فعلى اختلاف مجالاتهم جميعهم، يعبرون عن السطحية في الغناء والتقديم التلفزيوني كما في الدعوة إلى الله.. يومها دافع الإخوان بضراوة عن السيد "خالد"، ولكن كلمات "الرخاوي" أثبتت الأيام صحتها!
إن ما لن يفهمه أو يتقبله السيد "خالد" بسهولة، هو أن سترا لله كان يبسطه عليه شاء الله أن ينزعه فنزعه، فصار "خالد" كلما أراد فعل أمر انقلب عليه.. أو كما قال الشاعر:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى.. فأولُ ما يجني عليه اجتهادُهُ!
والأمر لا يخص عشرين عاما من الدعوة حفلت بخطأ هذه المرة، كما اعترف "خالد" بعد إعلانه الأخير المهين لنفسه لا الدين الإسلامي الحنيف أو حتى الدجاج الذي ينتجه الجيش المصري تحت اسم "الوطنية"، بل إن الأمر يخص ما نحسبه - ومعنا الملايين - عقابا إلهيا عن تخلي السيد "عمرو" عن المبادئ، ومن قبلها الدين في سبيل الملايين واستمرار الشهرة. فإن كان الإخوان بشرا يصيبون ويخطئون، فإن الجيش المصري أهدر دمهم دون مبرر أو حجة سوى التجني عليهم بالقوة. وجاء السيد "خالد" فأيد المجرمين من الجيش المصري باسم الدين، ولم يكن الله ليدع نهجه السوي ليهينه السيد "خالد"،غير المضغوط عليه بأي شكل من الأشكال، في سبيل "لعاعة" من متاع الحياة الدنيا.
لكن "خالدا" صار يتعايش مع الشهرة، أهم نزعة لدى الإنسان بعد الجنس والزواج.. وهي حب أن يكون شيئا مذكورا. والرأي الأخير لعالم النفس النمساوي المشهور "سيجموند فرويد". وفي سبيل العودة لنقطة الضوء والزحام الجماهيري من حوله، اعتذر صباح الأحد الماضي عن إعلان "الوطنية" الذي قال فيه إن فراخ الجيش المصري تعين على الصلاة بخاصة التروايح، وبالتالي تؤدي بصاحبها إلى الجنة.
ولكي يتعايش ويجلب الضوء لنفسه من جديد كذب السيد "خالد" - حتى في الاعتذار - مدعيا أن شركة "الوطنية" (وقف خيري، يعني كل شغلها عبارة عن أعمال خيرية، وموجه للأعمال الخيرية)، بحسب كلماته في تدوينته، وهو أمر غير الصواب على الإطلاق، وموقع الشركة على الإنترنت يشهد بأنها ربحية ليس إلا.
إن ما يفعله السيد "خالد" وما لا يفهمه؛ يزيد من آلام الملايين الصامدين في وجه الانقلاب العسكري في مصر، ويضيف إلى تلك الآلام الندم الشديد على حسن رأيهم السابق فيه. وما يزيد الآلام أكثر وأكثر أن السيد "خالد" افتقد البوصلة التي تدله على أنه لا يسير في الطريق الصحيح، وأن أفعاله من بعد ستكون عرضة للفشل؛ لأنه لم يعد حريصا على رضى رب العباد، إن كان حرص على ذلك من قبل.
وقانا الله شرور الفتن.. ومناصرة مهدري الدماء، و"العمامير الثلاثة" التي أثبتت الأيام أن السيد "خالد" ليس بأفضلهم رغم كون أحدهم مغنيا (عمرو دياب) والآخر مذيعا مؤيدا (عمرو أديب) للنظام الحالي، وكل نظام عدا ما يدعو إلى خير!