نشر موقع "ناشونال إنترست" مقالا للباحث والزميل غير المقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، جون ريتشارد كوكسون، يبدأه بسؤال جدلي، هو: "لماذا غزت أمريكا العراق عام 2003؟".
ويجيب الكاتب بالقول إن "الجواب السائد له هو القول إنه جاء بسبب كذبة، وهي الاعتقاد، الذي ولدته الدعاية المستمرة، بأن صدام حسين كان يكدس أسلحة الدمار الشامل، فالكل يعلم بأنه لم يعثر على تلك الأسلحة، لكن الادعاء بأن أمريكا غزت العراق فقط بسبب أسلحة الدمار الشامل هي كذبة أيضا، فتفسير أسلحة الدمار الشامل وحده كاذب؛ لأنه لم يكن السبب الأول أو السبب الحاسم عندما ذهبت أمريكا للحرب، إنه اختزال للتاريخ فيه من التضليل بالقدر ذاته كالقول بأن الحرب العالمية لم يكن يمكن تجنبها بسبب براعة غافريلو برنسيب (الذي اغتال الدوق النمساوي فرانز فيرديناند وزوجته) في إطلاق النار، فهذا لا يوضح بشكل كاف أو كامل التداعيات التي أدت إلى الحرب، وهو أقل ما يقال عنه إنه كذب قائم على إغفال لحقائق، ويؤدي إلى تسخيف أسباب الحرب".
ويستدرك كوكسون في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه "يجب تمزيق الكذبة المتعلقة بأسباب غزو أمريكا للعراق الآن، قبل أن يعيد التاريخ نفسه، فيلاحظ المتخصصون في الزلازل السياسية من الآن تعالي الضجيج الذي حصل قبل الحرب على العراق، حول إيران، وكما كتب محرر (ناشيونال إنترست) جاكوب هيلبران، مؤخرا: (عادت روح جورج بوش الابن للسكن في البيت الأبيض)، وأضاف أن مستشار الأمن القومي جون بولتون (منشغل في حث ترامب لإحياء سياسات تغيير النظام، التي بدت فاقدة للمصداقية بعد حرب العراق عام 2003، لكنها بدأت في العودة الآن)".
ويقول الباحث إنه "من الضروي أن تبقى هذه السياسات فاقدة للمصداقية، ولذلك من الضروري، إن لم يكن لأجل نبذ كذبة أسلحة الدمار الشامل تماما، أن يتم وضعها في سياق أكثر دقة، لكن رواية أسلحة الدمار الشامل ليست محددة بالعراق، وتخدم اليوم بصفتها تحذيرا مفيدا، كما أنه من الضروري الاعتراف بأن أمريكا حرضت على بغداد قبل بكثير من قيام وزير الخارجية كولين باول بالحديث عن سموم (الأنثراكس) في الأمم المتحدة؛ لإثبات التهمة بتملك العراق لأسلحة الدمار الشامل، والحقيقة هي أن تبرير الغزو كان يتألف من ثلاثة عناصر منفصلة بشكل كبير عن امتلاك صدام المفترض لأسلحة الدمار الشامل".
ويشير كوكسون إلى أن "العنصر الأول هو أن البيت الأبيض عمل على ربط العراق لأكبر عدد ممكن من المشكلات في المنطقة، سواء دعم الإرهاب، أو استعداء دول الخليج وتهديد إسرائيل، وهذا ليس للقول بأن العراق لم يكن يفعل شيئا من هذا، لكن الطريقة التي وصفت بها هذه الأعمال كانت تشير كأن تلك الأفعال كانت هي الحاسمة والضرورية لبقاء تلك الأنشطة، وأنها خاصة بقيادة صدام، إلا أن دعم صدام لهذه الأنشطة كان في غالب الأحيان مكملا وليس ضروريا، وناتجا عن الجيوسياسة العراقية الثابتة تقريبا، فالعراق مثلا يبقى رسميا في حرب مع إسرائيل، حتى دون وجود صدام في الحكم".
ويلفت الكاتب إلى أنه "بالإضافة إلى ذلك قامت أمريكا بتسجيل الكثير من الشكاوى على العراق في الفترة المؤدية إلى الحرب، وفعل هذا أدى إلى خلق زخم، ما راكم من آثام صدام ونظامه أكثر مما يمكن لأي فعل عراقي أن يراكم، بالإضافة إلى أن قائمة الشكاوى جعلتها تبدو أكثر مصداقية ومتشابهة، والصورة الناتجة عن ذلك جعلت كل شكوى تبدو متناسقة مع الشكاوى الأخرى، وكأنها جزء من مخطط استراتيجي أكبر وأكثر خطورة لعراق صدام، ومثل هذا اللاعب الخطر يحتاج رد فعل حتى لو كانت الحقيقة في الغالب غير ذلك".
ويقول كوكسون: "يحاول البيت الأبيض اليوم فعل الشيء ذاته مع إيران، حيث أوضحت السفيرة نيكي هيلي أمام مجلس الأمن في 15 أيار/ مايو، بأنه عندما يتعلق الأمر بالصراع في سوريا واليمن وما يتعلق بحركة حماس، فإن (الخيط المشترك في هذا كله هو التصرف المزعزع للاستقرار للنظام الإيراني)، وأتبعها وزير الخارجية، مايك بومبيو، في خطابه في 21 أيار/ مايو، مضيفا للقائمة المظالم في أفغانستان وأوروبا، وكما كان الحال مع العراق، فإن إيران فعلا مشاركة ومؤثرة في هذه الصراعات كلها، لكن كلمات آية الله علي خامنئي بالكاد هي الحاسمة في هذه الصراعات كلها، فالفكرة الضمنية هي أنه لو أوقفت إيران دعمها ستنتهي هذه الصراعات كلها، أو أنه لو كان هناك نظام مختلف في طهران لأوقف هذا الدعم بالكامل، إلا أن هذه الأفكار هي مجرد كلام فارغ، فمثلا لن تتحول سوريا أو اليمن إلى ملاذ للسلام والاستقرار بمجرد خروج إيران من هذه الصراعات، وكان الفلسطينيون سيقومون بمهاجمة السياج الحدودي بالحجارة والطائرات الورقية المشتعلة؛ احتجاجا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بغض النظر عن تأثير إيران، ولا يحتاج الفلسطينيون لدعم إيران المالي أو التكنولوجي للاستمرار في صراعهم مع إسرائيل".
وينوه الباحث إلى أن "الأمر الثاني هو أن البيت الأبيض ومؤيديه في الحرب ضد العراق قاموا بالدفع بفكرة أن هناك دعما محليا قويا بين العراقيين، وهم بالفعل محبون لأمريكا، خذ مثلا مشاركة بيرنارد لويس، الذي توفي مؤخرا (19 أيار/ مايو) عن عمر 101 عام، وهو المؤرخ الكبير الذي جيء به ليعلم إدارة بوش عن الشرق الأوسط مباشرة بعد 11 أيلول/ سبتمبر، وكانت لديه معادلة ليكشفها، وهي أن السكان المحليين هم إلى جانب أمريكا، فقال في كانون الأول/ ديسمبر 2001: (في بلدان مثل السعودية ومصر، حيث ينظر للحكومات على أنها حليفة لأمريكا، فإن المزاج العام ضد أمريكا بعنف.. أما في إيران والعراق، حيث ينظر للحكومتين على أنهما معاديتان لأمريكا، فإن الرأي العام يميل لأمريكا)، أي أن الدعم الشعبي على علاقة عكسية بالدعم الحكومي، وهذه المعادلة غير السليمة جعلته يتوصل إلى استنتاج خطير يدعم تغييرا للنظام تقوده أمريكا: (إن الفرحة التي أظهرها الشعب الأفغاني على إنهاء حكم حركة طالبان يمكن أن تتكرر على مستوى أكبر في كلا البلدين)".
ويبين كوكسون أنه "كان يضاف بالعادة أن الديمقراطية ملازمة للقرب من الأمريكيين، حيث أوضح لويس في 2003: (في بلدين هم العراق وإيران، حيث أن النظامين معاديان لأمريكا فهناك معارضة ديمقراطية قادرة على التسلم وتشكيل الحكومة.. ونحن فيما نحب أن نسميه العالم الحر نستطيع فعل الكثير لمساعدتهم، لكننا فعلنا القليل)، وبعد خروج الرئيس ترامب من الصفقة النووية الإيرانية كان وزير الخارجية بومبيو حريصا على التوضيح بأن أمريكا (ستدافع بلا كلل عن الشعب الإيراني)، وأضاف بأن الاحتجاجات الأخيرة يجب ألا تفهم على أنها دعوات للإصلاح، بل دعوات للثورة لأجل (الحرية)، كما أن المعلقين يحاولون حمل الرئيس على (الحرب لأجل حرية الإيرانيين)".
ويفيد الكاتب بأن "الخطوة الثالثة هي أن البيت الأبيض ودعاة تغيير النظام (العراقي) شددوا على أن حرب العراق ستكون نزهة، وستكون مغامرة قابلة للتحقيق وسهلة وبأقل ثمن، وقيل أيضا إن أمريكا تجنبت المستنقعات والإخفاقات في الشرق الأوسط، ويمكنها فعل ذلك، وفي الوقت ذاته تقوم بتغيير نظام بالقوة، فكما أوضح لويس مرة أخرى عام 2003، قائلا: (إن قارن الشخص سجل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مع مناطق أخرى يفاجأ ليس بإخفاقها بل بنجاحها.. فليس هناك فيتنام في الشرق الأوسط ولا كوبا ولا نيكاراغوا ولا السلفادور ولا حتى أنغولا)".
ويعلق كوكسون قائلا: "طبعا من الصعب أن يدعي أحد هذا الآن، لكن هل تعلمنا الدرس؟ وللأسف اليوم، وبالرغم من الأدلة على عكس ذلك كلها، فإنه ليست هناك قلة في الأصوات المستعدة للحديث عن مدى السهولة التي يمكن أن يتم فيها غزو بلد واحتلاله من أمريكا".
ويختم الباحث مقاله بالقول إن "ما يجب علينا أن نتعلمه من العراق هو أن هناك وصفة مجربة وحقيقية لخداع أمريكا للدخول إلى حرب، وهي أن تربط كل أمر مزعج بالخصم، أكد وجود دعم قوي محلي للغزو، وازعم بأن الصراع كله سيكون مجرد نزهة، ومع أن هناك أسبابا كثيرة أدت الى ذهاب أمريكا للحرب عام 2003، إلا أنه يمكن اختزالها في هذه الثلاثة، التي تخدم أولئك الذين يسعون للحرب، وفيها تحذير لمن يسعون لتجنب الحرب".
إندبندنت: قراءة بانتخابات العراق وفتح سفارة أمريكا بالقدس
ضابط CIA سابق: هذا هو سيناريو حرب ترامب ضد إيران
أتلانتك: ما أوجه الشبه بسيناريو كيماوي العراق ونووي إيران؟