عادت مخاوف الدين الهائل للطفو على السطح بعد وصول الشعبويين إلى الحكم في
إيطاليا، كما تم تسليط الضوء على المخاطر المحدقة بالمصرف المركزي الأوروبي في وقت يتعين فيه التشدد في سياسته النقدية.
ويرى خبير
الاقتصاد لدى مكتب "بيكتيه ويلث مانجمنت"، فريدريك دوكروزيه، أن هذه المخاوف بديهية لأن المشكلة لم تتم تسويتها، فإيطاليا هي البلد الوحيد الذي يعاني من
ديون كبيرة ولم يتبن برنامجا لهيكلة ديونه.
وأدت حكومة تحالف بين حركة معادية للمؤسسات وحزب من اليمين المتطرف اليمين الدستورية أمس في روما، وأثار هذا الاحتمال هلعا في سوق السندات الأسبوع الماضي ما أدى إلى ارتفاع كبير في فوائد الديون الإيطالية.
وعلى الفور عاد هاجس "إيطالإكسيت" أي خروجها من منطقة اليورو خصوصا لدى ألمانيا التي تنتقد بشدة ديون دول الجنوب، واعتبر هانس فيرنر سين، خبير الاقتصاد في معهد "آيفو" أن مثل هذا الخروج "محتمل".
لكن مثل هذا الاحتمال بعيد كل البعد عن الأزمتين في اليونان (2009-2011 و2015) فالدين الإيطالي يمثل ربع الدين العام في منطقة اليورو، بينما لا يتجاوز الدين اليوناني 2.5 في المئة منه.
ويأتي الاقتصاد الإيطالي في المرتبة الثامنة عالميا من حيث الحجم بناتج محلي إجمالي يدور حول تريليوني دولار، كما أنه الاقتصاد الثالث في
الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا وفرنسا.
لكنه اقتصاد يرزح أيضا تحت وطأة ديون عامة تقارب الثلاثة تريليونات دولار (2.7 تريليون دولار)، تصل نسبتها للناتج المحلي الإجمالي بالتالي إلى أكثر من 130 في المئة.
ومن شأن تنفيذ الوعود الانتخابية لحركة النجوم الخمس الشعبوية ورابطة الشمال المتشددة أن يزيد من عجز الميزانية بأعلى من الحد المسموح به من قبل البنك المركزي الأوروبي، وهو 3 في المئة.
إذ يمكن أن تصل كلفة خفض الضرائب وزيادة إعانات البطالة وخفض سن التقاعد إلى نحو 100 مليار يورو، وفي ظل الوضع الحالي للاقتصاد الإيطالي قد تؤدي فجوة العجز الهائلة تلك إلى عدم قدرة إيطاليا على الاستدانة لتمويله، ومن ثم تفقد سندات الخزانة قيمتها وتصل إيطاليا إلى وضع أشبه بأزمة اليونان المالية عام 2010.
لكن حجم الاقتصاد الإيطالي يصل إلى عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني، وبالتالي، قد يكون من الصعب إن لم يكن من شبه المستحيل على الاتحاد الأوروبي إنقاذ إيطاليا.
ويتشابه اقتصاد إيطاليا نسبيا مع اقتصاد اليونان، من حيث حجم الاقتصاد الموازي فيه ومشكلة عائدات الضرائب.
وأعربت صحيفة "فرانكفورتر اليماين تسايتونغ" المحافظة، عن القلق من انتقال "عدوى" القلق إزاء الدين الإيطالي (130 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي) إلى دين إسبانيا (98 في المئة)، أو البرتغال (125 في المئة)، ما يمكن أن يشكل تهديدا للعملة الموحدة.
وكان المصرف المركزي الأوروبي الذي يتدخل عند كل أزمة مالية في غنى عن مثل هذه "الهدية" التي تتزامن مع الذكرى السنوية العشرين لتأسيسه.
ويفضل المصرف في الوقت الحالي الانتظار إلى أن تهدأ الأمور، في الوقت الذي أكد فيه التزامه ببرنامجه الضخم لإعادة شراء الأصول الذي يتضمن شراء ما قيمته مليارات اليورو من السندات الإيطالية كل شهر.
ويقول دوكروزيه إن المصرف المركزي الأوروبي الذي يملك بين "22 إلى 25 في المئة" من الدين الإيطالي العام "لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يساعد بلدا تحديدا".
ويمكن أن يعول المصرف على أرقام تضخم مواتية في أيار/ مايو الماضي إذ سجلت تحسنا يتجاوز 1.9 في المئة في منطقة اليورو، و2.0 في المئة في فرنسا و2.2 في المئة في ألمانيا، والتي أتت في الوقت المناسب لدعم التخلي بشكل تدريجي عن برنامج شراء الأصول.
ومع أن إيطاليا ستكون حاضرة في الأذهان إلا أنها لن تشارك في الاجتماع المقبل للمصرف المركزي الأوروبي حول السياسة النقدية في 14 حزيران/ يونيو المقبل والذي سيتناول خصوصا إعداد الوقف التدريجي لبرنامج شراء الأصول بحلول نهاية العام، والذي يشكل مرحلة أولى قبل زيادة في معدلات الفائدة متوقعة خلال عام 2019.
لكن المشكلة لا تزال تنتظر حلا ويمكن أن تعود على المدى المتوسط عندما ستؤدي زيادة معدلات الفائدة التي تطالب بها بعض الدول في مقدمتها ألمانيا إلى تعقيد تمويل الدول الأكثر ديونا بينها إيطاليا وإسبانيا.