صديق وفدي "قديم" سألني في اتصال، عن حقيقة ما تلقيته من اتصالات من جهات تدعوني للعودة لمصر، وبعضها تجاوز هذا للحديث عن بث قناة الشرق من مدينة الإنتاج الإعلامي (وهو ما سبق وأعلنت عنه في
مقال سابق بتاريخ 27/5/2018 على موقع قناة الشرق).
الصديق القديم أبدى دهشته من أن نظاما لا يحتمل مائدة إفطار لعدد من رؤساء الأحزاب والقوى المدنية؛ يستدعي رمزا مدنيا للحضور لمشهد تقاطع معه منذ بدايته في 3 تموز/ يوليو 2013.
سألت الصديق الوفدي القديم: هل قابلت القيادي الوفدي السكندري، إبراهيم طلعت، قبل وفاته؟! أو قرأت مذكراته؟!
قال لي: نعم قابلته في حياته، وقرأت مذكراته عن أيام الوفد الأخيرة؛ التي نقل فيها شهادته على سنوات ما قبل 1952 وما بعدها.
قلت له لو عدت للصفحة رقم 446 من الجزء الأول من هذه المذكرات (طبعة دار الهلال)، لوجدت إجابة على سؤالك.
أردفت قائلا: لقد كان إبراهيم طلعت محلا لثقة الوفد والنحاس بوصفه من شباب الطليعة الوفدية، وكان أيضا محلا لثقة جمال
عبد الناصر إلى الحد الذى سمح لعبد الناصر أن يكلفه بمهام "خاصة"، أبرزها ما ذكره إبراهيم طلعت في الصفحة 446 الفقرة الثانية التي قال فيها نصا:
"قابلت جمال عبد الناصر، بناء على استدعاءئه لي، وكان قد أصبح رئيسا للجمهورية العربية المتحدة، وكان غرض عبد الناصر من المقابلة أنه طلب مني السفر سرا إلى سويسرا للقاء الكاتب الصحفي الوفدي أحمد أبو الفتح (صاحب جريدة "
المصري"، والذي كان يبث إذاعة معارضة لعبد الناصر في الخارج باسم "مصر الحرة") بهدف التوسط لديه وإقناعه بالعودة لمصر على أن تُرد له ملكية جريدة المصري (التي كان قد صادرها)".
وأضاف إبراهيم طلعت أن هذا اللقاء الذي حضره معه عبد الوهاب حسني المحامي؛ كان لقاءً غاية في الغرابة، فلم أكن أصدق ما قاله عبد الناصر، سواء في جديته في الرغبة في عودة أحمد أبو الفتح لمصر ورد جريدته له، رغم خلافه العنيف مع عبد الناصر، كما لم أصدق ما قاله عبد الناصر عن الحكم الذي صدر ضد فؤاد سراج الدين بالسجن، والذي قال إنه فوجئ بالحكم، وأنه لم يوح للمحكمة بما تحكم به في هذه القضية تحديدا.
وقال عبد الناصر لإبراهيم طلعت وعبد الوهاب حسني، في نفس اللقاء، إنه التقى بأسرة فؤاد سراج الدين عقب الحكم عليه، وقال لهم نصا الآتي:
فؤاد باشا رجل سياسي، وهو يعرف لماذا حُكم عليه، ويعرف متى سيُفرج عنه، فليس معنى الحكم عليه أنه مُدان.
وأضاف عبد الناصر أنه أمر بأن يقيم فؤاد باشا في سجن الأجانب، وأن يظل بملابسه المدنية، ويصله طعامه يوميا من منزله، وتزوره أسرته بانتظام، كما كلف العقيد أحمد أنور أن يزور فؤاد باشا يوميا، ويقضي معه معظم أوقات اليوم.
قلت لصديقي الوفدي هذه الرواية التي ينقلها لنا الراحل إبراهيم طلعت، وتشي بأن المستبدين ليس لديهم موقف ثابت أو رؤية واحدة أو رؤية أصلا، أحيانا يفعلون أشياء غير منطقية أو مبررة.
صحيح أن إبراهيم طلعت لم يكشف تفاصيل ما بعد هذا اللقاء مكتفيا بدهشته من طلب عبد الناصر للراحل أحمد أبو الفتح، فأحمد أبو الفتح لم يستجب لهذا العرض، فهو لم يعد إلا بعد رحيل عبد الناصر، ولم تُرد له أو لورثته صحيفته.
السيسي مثله مثل عبد الناصر، لا يسعى لعودة أحد، ولا عهد له، ولا يعرف غير سياسة التأشير عكس خط السير، لا يقول ما يفعل، ولا يفعل ما يقول.
ولا يفوتني هنا أن أذكر أني يوما سألت فؤاد سراج الدين عن حقيقة رواية عبد الناصر لإبراهيم طلعت حول معاملته في سجنه بالطريقة التي رواها عبد الناصر لطلعت، فضحك الرجل بشدة وقال لي: العسكر دائما يذكرون نصف الحقيقة، ويخفون النصف الآخر، فكل ما قاله ناصر لطلعت صحيح، لكنه لم يذكر له أنه عندما عين حسين الشافعي وزيرا للحربية، طلب منه أن يأمر بنقلي من سجن الأجانب إلى سجن مصر العمومي، ومعاملتي كأقل سجين جنائي، وليس سياسيا، وارتديت ملابس السجن، وحُرمت من دوائي وطعامي لسنوات اختفى فيها العقيد أحمد أنور الذي كان يحضر إلىّ يوميا في البداية، لينقل لي تحيات عبد الناصر شخصيا.
هذه الحكاية التي سمعت بعضها بنفسي هي أبلغ تفسير لما تلقيته منذ أيام من اتصالات غامضة، ومربكة ومحيرة لمن لا يعرف التاريخ.