"لن نتراجع مترا واحدا، حتى تحقيق مطالبنا"، هذا ما قاله أحد المحتجين الأردنيين من أمام مقر الحكومة الأردنية في العاصمة، الذي طوقته جماهير غاضبة على النهج الاقتصادي للحكومة، بعد إطلاقها إقرار مشروع قانون لضريبة الدخل قبل أسبوعين، وسع الشرائح المكلفة بدفع الضريبة.
وعم حراك شعبي محافظات المملكة، وشمل طبقات وفئات مختلفة.
وما يميز الحراك عما سبقه، أنه بلا رأس يقوده، وفق النشطاء المشاركين في الاحتجاجات، رغم إطلاق النقابات المهنية شرارة الاحتجاجات عندما أعلنت إضرابا عن العمل الأربعاء 30 حزيران/ يونيو الماضي.
إلا أن النقابات نفسها باتت تتحرك في حيز ما يطلبه الجمهور، إذ رفض الأردنيون، أمس الأربعاء تعليق احتجاجاتهم على السياسات الحكومية الأخيرة، بطلب من النقابات، ما أجبر النقباء على الدخول في اجتماع جديد والخروج بقرار يلغي تعليق الاحتجاجات.
ورفع المحتجون الأردنيون قائمة من مطالبهم في وجه السلطات الأردنية، رابطين عودتهم إلى المنازل بتنفيذ المطالب التي تتعدى سحب مشروع قانون الضريبة، وأبرزها: "حكومة إنقاذ وطني، وإلغاء الضرائب على المحروقات التي تصل إلى 40 في المئة، وإلغاء بند فرق أسعار الوقود المثبت على فواتير الكهرباء ، وإلغاء ضريبة المبيعات التي تم فرضها على السلع الأساسية، وسن قانون ضريبة دخل تصاعدي، وإعادة الدعم على الخبز"، بحسب ما أكده الناشط في الحراك الشبابي معاذ أبو عون لـ"عربي21".
من جانبه، لم يتفق نقيب المحامين الأردنيين، مازن ارشيدات، مع مقولة أن الشارع هو الذي يقود النقابات المهنية، قائلا لـ"عربي21": "لا أحد يقود النقابات، فهي التي تقود نفسها، والناس التحقوا بالنقابات المهنية وليس العكس".
وأوضح أن "المبادرة كانت من النقابات المهنية، والإضراب كان رسالة للرئيس المكلف بأن لا حياد عن مطالبنا، وأن يفكر جيدا قبل اتخاذ أي قرار".
وحول توسع مطالب الشارع عن مطالب النقابات، رأى ارشيدات أن "المخرج يتمثل بشكل الحكومة المقبلة، وتحديدا الفريق الاقتصادي، الذي يعني بقاؤه بنفس الشكل استمرار الاحتجاجات".
إلا أن رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، قال لـ"عربي21" نقلا عن نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، إن "النقابات لم تكن قادرة على تعليق الإضراب والاعتصام؛ حتى لا تتهم بالاختراق، وتحافظ على استقلاليتها وقوة إرادتها".
وأضاف: "أما إعطاء النقابات مهلة للحكومة وتراجعها مرة أخرى، والاستمرار في إجراءاتها، فهو يعكس عدم توافق داخل مجلس النقابات، وخوفهم من جمهورهم وأعضائهم، الذين لم يعودوا يثقون بالحكومات".
واتفق منصور مع الأصوات الداعية لمنح الرئيس المكلف عمر الرزاز مهلة من خلال تعليق الإضرابات والاحتجاجات "لأن الرئيس المكلف لا يملك صلاحية سحب مشروع قانون الضريبة قبل أن يؤدي اليمين الدستورية"، وفق قوله.
اقرأ أيضا: أول تعليق للرزاز على قانون الضريبة الذي أدى لاحتجاجات الأردن
ووجدت دعوات تعليق الإضراب صدى مختلفا في الدوار الرابع بالقرب من مقر الحكومة، والمحافظات التي أصرت على الخروج باحتجاجات لليوم السادس على التوالي، دون الالتفات لمنح أي مهلة للحكومة. وهتف المحتجون: "يا نقابات لا تبيعونا" في إشارة إلى الاستمرار في الحراك، إلى حين تغيير النهج الاقتصادي.
وتميزت احتجاجات اليوم السادس بالخشونة النسبية في الاحتكاك بين رجال الأمن والمتظاهرين في عمان، طعن على إثرها رجل دركي بسلاح أبيض.
ونشرت مديرية الأمن العام في بيان صحفي، حادثة تطرح تساؤلات حول "إلى أي مدى سيستمر التعامل الأمني الناعم مع المحتجين؟".
وجاء التعامل الناعم بتوجيهات أمنية رسمية بضرورة احتواء المحتجين، وعدم توتير الموقف، كما ظهر من مدير عام الدرك والقادة الأمنيين الميدانيين للعسكر في أرض الاعتصام.
من جانبه، قال رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة، عزام الصمادي، إن "مجلس النقباء أطلق شرارة الاحتجاجات، انطلاقا من مشروع قانون الضريبة، وهذه تسجل لهم، واللافت أن الجماهير تجاوبت مع هذا اليوم التاريخي، لكن الآن من ينزل إلى الشارع يسمعهم ينتقدون سياسة الحكومات المتعاقبة ونهجها، ويتقدم الشارع بطروحات تجاوزت قانون الضريبة".
وتوقع أن "تستمر الاحتجاجات، في حال عاد أشخاص من الفريق الاقتصادي ذاته من الحكومات السابقة، والاستمرار بالسياسات الاقتصادية ذاتها".
أما بخصوص النقابات المهنية، فقد اتفق الصمادي مع منصور على أنه "لا انسجام في تركيبة مجلس النقباء".
وقال لـ"عربي21": "هناك تفاوت في الخبرة والتجربة والموقف، النقابات وجدت نفسها أمام أزمة ليست بسيطة، إلى جانب ضغوطات تمارس عليها من جهات مختلفة، لكن عليها التقاط حس الجماهير الواعي الداعي لإنقاذ البلد، والاستمرار في الإضراب إلى حين اتضاح الأمور"، وفق قوله.
وأكد الصمادي أن "الشارع هو الذي يقود الحراك والاحتجاجات، وأن العناد لن يفضي لنتيجة، ويجب على العقلاء في البلد التقاط هذه اللحظة، وإجراء تغيير حقيقي في النهج".
ويزداد سقف الهتافات ارتفاعا في كل يوم جديد.
هتاف بسقف مرتفع:
ورأى النائب السابق في البرلمان الأردني، محمود الخرابشة، في حديثه لـ"عربي21"، أن "المخرج لهذا المشهد هو بيد الحكومة القادمة"، من خلال "إعادة هيكلة مؤسساتها وضبط الإنفاق، وسن تشريعات ضريبية عادلة، وتشكيل حكومات تراعي ظروف المواطنين، إلى جانب تغيير وجوه جديدة في الحكومات يشهد لها بالنزاهة، فإذا شعر المواطن بأن الحكومة تعمل لصالحه فسيدرك ذلك".
ودعا الخرابشة إلى إعطاء فرصة للحكومة الجديدة، إلى حين ظهور التشكيلة لحيز الوجود.
وقال إن "المواطن الأردني تفوق على نفسه، وهو من يقود المسيرة الآن، بسبب غياب من يمثله كمجلس نواب حقيقي منتخب، من خلال قانون يحقق قيادات دون أي تدخلات".
وكان الملك عبد الله الثاني، كلف الثلاثاء الماضي، عمر الرزاز، الاقتصادي السابق في البنك الدولي، بتشكيل حكومة جديدة، ودعا إلى حوار بشأن القانون الضريبي.
وحل الرزاز محل هاني الملقي الذي استقال بعد رفضه سحب القانون.
ووعد الرزاز في أول تعليق له على موقع "تويتر" حول مشروع قانون الضريبة، بأنه يتعهد بالحوار مع مختلف الأطراف، والعمل معهم للوصول إلى نظام ضريبي عادل.
هل تكفي تحركات عاهل الأردن لوقف الاحتجاجات الاقتصادية؟
هل ينجح الرزاز باحتواء الاحتجاجات في الأردن؟
تخبط نقابي بالأردن بشأن الاستمرار بالإضراب و"إسقاط الحكومة"