نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا أعده كل من جوناثان شانزير وفيرشا كودفايور، يقولان فيه إن الأزمة مع قطر دفعت دول الشرق الأوسط لاختيار طرف في النزاع، باستثناء دولتين، وهما الكويت وعُمان.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أربع دول حليفة للولايات المتحدة، وهي السعودية والبحرين والإمارات ومصر، قامت قبل عام بقطع علاقاتها مع دولة قطر، وهي حليف مهم لأمريكا، لافتا إلى أن التحالف الرباعي قام بفرض حصار بري وجوي وبحري على الإمارة الصغيرة، زاعما أنها تقوم بدعم الإرهاب.
ويفيد الكاتبان بأن "المراقبين اعتقدوا أن الأزمة الدبلوماسية قد تنتهي في غضون أشهر، خاصة أن الخلاف ليس الأول بين قطر وجاراتها، لكن بعد عام من الحصار فلا تبدو نهاية قريبة له، وتكيفت قطر معه بطريقة مثيرة للإعجاب، وفي الوقت الذي تبدو فيه الإمارات والسعودية راضيتين عن استمرار الحصار؛ لأنه ليس مكلفا لهما، فإن الخاسرتين الوحيدتين هما الكويت وعمان، اللتان وجدتا نفسيهما في الوسط".
وتقول المجلة إن "الكويت وعمان لا ثقل لهما من الناحية الجيوسياسية أو الاقتصادية، حيث تعد مظلة مجلس التعاون الخليجي مهمة لهما، وهي المظلة التي تفككت الآن، ومن مصلحتهما العمل على حماية وإنقاذ هذه المظلة، لكنهما الآن في موقع لا يحسد عليه، وقد أجبرت الكويت، التي تعد لاعبا سيئا في تمويل الإرهاب على اتخاذ موقع محايد في أزمة لا يريد أي طرف فيها التنازل، أما عمان، التي تعاني من أزمة مالية، فتحاول المشي على حبل رقيق من ناحية التأكيد على حياديتها في الأزمة من جهة، واستثمار عزلة قطر لصالحها، من خلال تعميق العلاقات الاقتصادية معها، وهو ما يثير حنق السعودية والإمارات".
ويلفت التقرير إلى أنه عندما بدأت أزمة قطر، فإن الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي يعد من أكبر شيوخ الخليج عمرا، اتصل بأمير قطر، وطلب منه التوقف عن إصدار تصريحات لحين حل الأزمة، وسافر أمير الكويت في اليوم الثاني إلى السعودية للقاء الملك سلمان، مشيرا إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تتوسط فيها الكويت بين قطر وجاراتها، ففي عام 2014 اندلعت أزمة بين قطر وجاراتها بسبب دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين.
ويجد الكاتبان أن الأزمة الحالية مختلفة هذه المرة؛ لأن الإجراءات التي اتخذت هذه المرة أشد من عام 2014، ولأن قطر وقعت اتفاق الرياض، لكنها تجاهلت الالتزام به، ولأن ايا من الأطراف المشاركة في الأزمة الحالية لم يعبر عن استعداد لحل الأزمة، ففشلت الدبلوماسية المكوكية للكويت.
وترى المجلة أن "هذا الفشل لا يدعو إلى الارتياح، خاصة أن الكويت تحاول تقديم موقف عربي موحد في مجلس الأمن الدولي، وبالتأكيد فإن هذه تقوم بهذه الدورين، ولم تحقق نتائج في أي منهما، وتشعر الكويت الآن بالضغوط المتزايدة لتختار طرفا في النزاع، والتخلي بالتالي عن دور الوساطة أو الحيادية، ولو لم تختر فإنها ستجد نفسها عرضة لغضب كل من الإمارات والسعودية".
وينوه التقرير إلى أن عددا من المسؤولين الكويتيين عبروا عن مخاوفهم من محاولة تدخل السعودية في عملية الخلافة داخل العائلة الحاكمة، فالحاكم الثمانيني وولي عهده والبرلمان الصدامي والشعبوي يعني أن المخاطر تزداد طالما لم تحل الأزمة.
ويفيد الكاتبان بأن سلطنة عمان تواجه السيناريو الذي تواجهه الكويت ذاته، فعلى خلاف الأخيرة، فإن عمان مارست حيادية سياسية، في وقت عمقت فيه من العلاقات التجارية مع قطر، مشيرين إلى أن الاقتصاد العماني يعاني من أزمة بسبب انخفاض أسعار النفط، كما تواجه مسقط وضعا خطيرا من بين دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة أن الفرق بين أرصدتها الأجنبية ومسؤولياتها لا تزيد على 10% من مجمل الدخل القومي العام، مقارنة مع 55% في عام 2014.
وتذكر المجلة أن وكالات الائتمان الكبرى خفضت من قيمة الدين العماني العام الماضي لوضع غير مرغوب به، بحسب "ستاندرد أند بور"، مع أنها فوق هذا الوضع في تقديرات "فيتش ومودي"، مشيرة إلى أن زيادة التعاون التجاري مع قطر تعد دفعة اقتصادية لمسقط، حيث زادت الصادرات غير النفطية لقطر بنسبة 144% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2017، وأصبحت عمان المركز الأول للصادرات غير النفطية القطرية في كانون الأول/ ديسمبر2017، ووصلت نسبة الصادرات القطرية القادمة إليها حوالي 35%، وفي كانون الثاني/ يناير وقع البلدان مذكرة تفاهم لتعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية.
ويشير التقرير إلى أن موقع عمان بصفتها مركز نشاط لوجيستي لقطر زاد، حيث استخدمت الشركات ميناء صحار، كما استفاد الطيران العماني من حظر الطيران القطري المرور في الأجواء السعودية والإماراتية، واستثمر الطيران وضع الحيادية وطار في أجواء الخليج، لافتا إلى أن المسؤولين العمانيين يأملون في استمرار العلاقات الجديدة مع قطر حتى بعد حل الأزمة.
ويستدرك الكاتبان بأن عمان تواجه الغضب السعودي والإماراتي، فجيرانها عبروا عن غضبهم من التقارير التي تقول إن الأسلحة للحوثيين في اليمن تمر عبر عمان، بالإضافة إلى أن الدور العماني في المفاوضات التي أجرتها إدارة الرئيس باراك أوباما مع إيران هي مصدر توتر آخر، فهناك تقارير تحدثت عن استخدام إدارة أوباما بنك مسقط لمساعدة إيران على تحويل 5.7 مليار دولار للعملة العمانية.
وتبين المجلة أن عمان تواجه أزمة خلافة، فالسلطان قابوس البالغ من العمر 78 عاما، ويعاني من سرطان مزمن، لم يحدد بعد خليفته، وهناك إمكانية للتدخل السعودي والإماراتي في ترتيبات الخلافة، مشيرة إلى أن العمانيين يعرفون جيدا ما حدث عام 2014، عندما تحرك السعوديون والإماراتيون لإضعاف الأمير الجديد لقطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
ويذهب التقرير إلى أنه في الوقت الذي تجد فيه الكويت وعمان نفسيهما في منطقة مهجورة، فإن بقية دول الخليج ليست كذلك، فالسعودية والإمارات لا تعانيان من كلفة الحصار، باستثناء آثار قليلة على ميناء دبي، ولم تتأثر السياسة المحلية بسبب المواجهة، بالإضافة إلى أن التحرك وحل الأزمة يعني خسارة ماء الوجه لكل من الرياض وأبو ظبي، أما قطر فقد عانت في البداية من الحصار لكنها استقرت، وهي ليست مستعدة لتقديم تنازلات للرباعي، وتعافى النظام المصرفي القطري بسبب 26 مليار دولار من الحكومة، واستطاعت الدوحة، وسريعا، بناء طرق تجارية وعلاقات مع تركيا وإيران.
ويعتقد الكاتبان أن الحصار كان مفيدا لقطر من ناحية الدفع باتجاه الإصلاح الاقتصادي، بالإضافة إلى أنه من الناحية الاجتماعية زاد الحصار من الحس الوطني حول التصميم والصمود، وأصبحت صورة "تميم المجد" تعبيرا عن هذه الوطنية، بل واستطاع النظام في الدوحة تغيير موقف الرئيس دونالد ترامب، الذي وقف في البداية مع دول الحصار.
وتختم "فورين بوليسي" نقريرها بالقول إنه "بالنسبة لقطر والرباعي، فإن الحفاظ على وضع الحصار هو الخيار الأسهل، ونهايته تعني خسارة للطرفين، لكن المعادلة مختلفة بالنسبة للكويت وعمان، فكلما طال أمده زادت الكلفة".
فورين أفيرز: كيف استطاعت قطر تجاوز أزمة الخليج؟
واشنطن بوست: هذه الدولة الوحيدة المستفيدة من حصار قطر
فورين بوليسي: بعد عام على الأزمة هكذا ربحت قطر المنازلة