غطت ملهاة "كأس العالم" على قرار عزل وزير الدفاع في نظام عبد الفتاح السيسي، الفريق "صدقي صبحي" كما غطت على السؤال المهم: أين صدقي صبحي؟!
أنتمي إلى المدرسة الصحفية المحافظة فلا يمكنني أن أنساق وراء ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي من أن الرجل ومعه وزير الداخلية المقال أيضاً رهن التحفظ، وكلام مثله تردد عن شخصيات عسكرية أخرى، لم أقف عنده، لكن المريب حقاً ألا يرد عليه ولو بكلام غير مباشر، كأن تُدعى هذه الشخصيات في مناسبات عامة أو أن يتم النشر عن حضورها لاحتفالات خاصة، ولو تشييع جثمان أحد الأقرباء إلى مثواه الأخير!
وبطبيعة الحال لا يمكن لمثلي أن يساير الرسالة التي أراد قائد الانقلاب العسكري أن تصلنا من خلال الصورة المنشورة، التي تجمع بين وزراء الداخلية والدفاع السابقين والحاليين، والتأكيد على أن ما جرى تم بالتراضي "وبالصداق المسمى بيننا"، وهو ضد طبيعة الأشياء، وكأن الوزيرين المقالين هما من طلبا أن يستريحا من عناء الوظيفة، فكانت الاستجابة لهما بقبول هذه الاستقالة!
إلى الآن لم يظهر الوزيران في أي محفل، ولأن السيسي كان مشغولاً بمحاولة اثبات أن هناك قبولا من طرفهما بالاستقالة، فكان حضورهما صلاة عيد الأضحى مع السيسي سيؤدي الغرض منه، لاسيما وأنه صارت لهما صفة رسمية بعد تعيينهما "مساعدين "!
إلى الآن لم يظهر الوزيران في أي محفل، ولأن السيسي كان مشغولاً بمحاولة إثبات أن هناك قبولا من طرفهما بالاستقالة، فكان حضورهما صلاة عيد الأضحى مع السيسي سيؤدي الغرض منه
عندما أقال الرئيس محمد مرسي وزير الدفاع "حسين طنطاوي" ورئيس الأركان "سامي عنان"، كنت حريصاً على متابعة احتفال الرئيس بليلة القدر بعد ساعات من هذه الإقالة؛ لأن الأمر لو جرى بالتوافق، فسوف يحضران الاحتفال، فعندما لم أعثر عليهما بين الحاضرين، أيقنت أنها إرادة الرئيس الخالصة. وكان هذا الغياب دائماً حاضراً في ردي على الحملة الإعلامية التي رعاها العسكر، والتي تقول إنهما استقالا، لرفضهما العمل مع رئيس مدني، وذلك لنزع هذا الشرف من الرئيس المنتخب. ولا نخفي أن معارضيه أرعبتهم هذه الشجاعة وظنوا أنهم مدركون، فكان لابد من تخفيف وقع هذا عليهم وتداعيات حالة الخوف هذه.
لا نعرف ما الذي دار بين عبد الفتاح السيسي ووزير الدفاع وهو يبلغه بقرار عزله، لا سيما وهو يعتقد أن الدستور يحصن منصبه لأربع سنوات قادمة، لكن ما نستطيع أن نستنتجه أنه لم يتلق الأمر بقبول حسن، كما أرادت الصور المنشورة، والتي جمعته بالسيسي، أن توحي!
واللافت أنه بعد عشر ساعات من قرار تنحيته وتعيين وزير دفاع جديد، تم الإعلان عن اختياره بجانب رئيس الوزراء المقال، ووزير الداخلية مساعدين للسيسي، ليكون السؤال: ولماذا لم يكن التعيين مع خبر الإقالة؟ والسؤال الأهم: لماذا لم يظهر مع وزير الداخلية وهما يؤديان اليمين بهذا الاختيار؟!
لا يوجد في الدستور نص ملزم بتأدية هذا القسم بالنسبة لشاغلي هذا الموقع الشرفي والذي هو بلا اختصاص قانوني أو دستوري، بل ولا يرتب التعيين أن يكون لشاغله مكتب، سواء في الرئاسة أو في أي مكان آخر!
لماذا لم يكن التعيين مع خبر الإقالة؟ والسؤال الأهم: لماذا لم يظهر مع وزير الداخلية وهما يؤديان اليمين بهذا الاختيار؟!
بيد أن التقاليد تحتم القسم، ويجوز استدعاؤها عند غياب النص، وهو منصب ليس متعارفا عليه في
مصر، وهو غالباً لتجاوز أزمة والتغطية عليها. ولا أتذكر أن الرئيس مبارك عين مساعداً له على مدى 30 عاماً سوى وزير الدفاع محمد عبد الحليم أبو غزالة، وقد أقسم اليمين الدستوري، بما يعني أن إقالته تمت برضاه، ولم يكن هذا صحيحا.
فكرة التمرد لم تعرفها السلطة في مصر، وعندما تمرد من أُطلق عليهم مراكز القوى في عهد السادات؛ استقالوا، فقبلت استقالتهم واعتبرت نوعاً من الغباء السياسي، ولعل الوزير الوحيد الذي تمرد على قرار عزله كان هو وزير الداخلية زكي بدر، وكان رفضه للاستقالة هو تفسيره لقرار رئيس الجمهورية بتعيين محمد عبد الحليم موسى وزيراً للداخلية، وفي اليوم التالي ذهب إلى مكتبه وطلب من الوزير الجديد أن يبحث له عن مكتب آخر، فقرار الرئيس لم ينص على إقالته، بما يعني أن هناك وزيرين للداخلية!
يومها اتصل عبد الحليم موسى برئيس ديوان رئيس الجمهورية، زكريا عزمي، الذي نصح زكي بدر بأن يغادر المكتب، وكان جزءاً من تصرف "بدر" راجع لطبيعة شخصيته الحادة، ولعشمه الزائد في مبارك والذي كان في كثيراً من الأوقات في محله وتحمل أخطائه الكثيرة، لعلاقة قديمة ربطتهما عندما كان مديراً لأمن المنوفية، في وقت كان مبارك قائدا بسلاح الطيران، وكان زكي بدر يزوره في منزله، فيعني هذا إحساسا بالأهمية بالنسبة في قريته، في وقت كانت فيه "الحكومة" تعني الشرطة، وهي التي تعطي الأهمية أو تنتزعها!
كان واضحاً أن إقالة رئيس الأركان وصهر عبد الفتاح السيسي، الفريق "محمود حجازي"، تمت غدراً، وبدا هذا واضحاً من "تغريدة" كتبها ابنه، وبعد غيابه لفترة، ظهر وتم تكريمه وانتهى الأمر
هل رفض صدقي صبحي قرار إقالته؟
القرائن التي ترتقي إلى مرتبة الأدلة تؤكد هذا، ولكن هذا الغياب لا يعني عدم قدرة السيسي على ضبط إيقاعه، ودفعه لأن يقبل الخروج مع ضمان أمانه الشخصي، وبمرور الوقت تذهب السكرة وتحل الفكرة. وكان واضحاً أن إقالة رئيس الأركان وصهر عبد الفتاح السيسي، الفريق "محمود حجازي"، تمت غدراً، وبدا هذا واضحاً من "تغريدة" كتبها ابنه، وبعد غيابه لفترة، ظهر وتم تكريمه وانتهى الأمر!
وليس لدي تأكيد بأن "سامي عنان" في صموده هو الأقرب لشخصية "صدقي صبحي"، فالغالب في ظني أن مثله مثل "محمود حجازي"، وحتى لو واصل الصمود فهو يفتقد لمصدر القوة بمجرد عزله، لكن التخلص منه ليس في صالح السيسي!
يتخلص السيسي من الذين شاركوه بالفعل في القتل والدماء الذين يرون في الدفاع عن حكمه دفاعا عن أنفسهم وعن مصالحهم. وإذا كان لا يرى أمانه سوى في الاستمرار في السلطة، فقد كان دورهم أن يحافظوا على هذا الاستمرار
قد يكون السيسي "أخذ نفسه" وشعر بالراحة الأبدية بالإطاحة بصدقي صبحي، وقد أطاح تقريباً بكل أعضاء
المجلس العسكري الذين وقفوا معه في الانقلاب على الرئيس المنتخب، لكن ظهوره بمظهر "واكل ناسه" يفقد الحماس له، ولو في دوائر السلطة. ثم إنه يتخلص من الذين شاركوه بالفعل في القتل والدماء الذين يرون في الدفاع عن حكمه دفاعا عن أنفسهم وعن مصالحهم. وإذا كان لا يرى أمانه سوى في الاستمرار في السلطة، فقد كان دورهم أن يحافظوا على هذا الاستمرار، وهو إخلاص لحكمه لن يجده في دولة الموظفين التي يحيط نفسه بها!
مهما يكن، يظل السؤال المهم "أين صدقي صبحي؟" مطروحا بلا إجابة!