أنهت حكومة السيد "سعد الدين العثماني" سنتها الأولى، نهاية شهر نيسان/ أبريل المنصرم (26 نيسان/ أبريل 2017 - 26 نيسان/ أبريل 2018)، وقد قَدَّر رئيسُها أنها مدةٌ زمنيةٌ كافية لتقديم الحصيلة، وقياس ما أنجِز من برنامجها. أما الغرض من جرد الحصيلة في تقرير صادر عن رئاسة الحكومة شهر حزيران/ يونيو 2018 (تم تقديم خطوطه العريضة يوم الجمعة 29 منه)، فيتوخى التواصل مع المواطنين الذين صوتت أغلبيةُ ممثليهم في مجلس النواب على البرنامج الحكومي، وكذلك الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وطَمأنة المستثمرين الأجانب.
يعدُّ تقديم الحصيلة خلال المئة يوم الأولى، أو السنة الأولى، ممارسةً حميدةً في الحكومات الديمقراطية، فهي تعبير عن الوفاء بالالتزامات المعلن عنها أثناء الحملات الانتخابية، والمكرسَة في البرامج الحكومية، أو بالعكس قد تكون بمثابة تأكيد على الصعوبات التي تواجهها الحكومات في ممارسة أعمالها. غير أن هذا النوع من التقارير الهادفة إلى إبراز الحصيلة قد تكون مُضلِّلة وغير معبرة عن حقيقة ما تضمنت من إنجازات، إذا لم تمتلك إرادة قول الصدق، والاعتراف بالتعثرات والإخفاقات.
جاء تقرير سنة من أداء حكومة العثماني مُصاغاً بلغة كلها إيجابيات، وكأن الحكومة ظلت حريصة على الوفاء بالتزاماتها، وفي مقدمتها احترام "التعاقد السياسي" المبرم مع المواطنين لحظة إجراء انتخاب مجلس النواب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2016. كما جاء مدافعا عن الرؤية الإصلاحية للحكومة، مشددا على استمرارها في "تعزيز الأمل والثقة لدى المواطنين والشركاء"، عبر "تحسين الوضعية الاجتماعية للفئات الهشة، والرقي بمستوى الطبقات المتوسطة ودعم القدرة الشرائية للمغاربة"، دون إغفال "تحسين المناخ للمستثمرين والمقاولات الصغرى والمتوسطة"، مستدلا في ذلك بارتفاع نسبة النمو عام 2017 مقارنة مع سنة 2016، وانخفاض نسبة عجز الميزانية، ونسبة تضخم الأسعار.
يتساءل المرء عن جدوى الاستمرار في منهجية تلميع صورة حكومة وتسويق إنجازاتها؛ أقل ما يُقال عنها أنها ظلت شبه شاحبة طيلة السنة الأولى من ولايتها، حتى لا نقول استمرت "حكومة تصريف الأعمال ليس إلا"
سعى التقرير، بناء على ما سلف، إلى تقديم صورة وردية عن حصيلة الإنجازات في ثلاثة محاور أساسية، تعلق أولها بـ"العناية بالخدمات الاجتماعية الموجهة للمواطن وتقليص الفوارق"، في حين خصَّ الثاني "دعم المقاولة وتحفيز التشغيل والرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني"، أما المحور الثالث فتعلق بـ"الحكامة الجيدة وتعزيز الحريات ومحاربة الفساد". ونستطيع القول أن تفاصيل هذه المحاور جاءت مصاغة بشكل واضح، ومعززة بأرقام وإطارات وصور للإقناع بواقعية ما حصل.
لا يستطيع المرء إلا أن يتساءل عن جدوى الاستمرار في منهجية تلميع صورة حكومة وتسويق إنجازاتها؛ أقل ما يُقال عنها أنها ظلت شبه شاحبة طيلة السنة الأولى من ولايتها، حتى لا نقول استمرت "حكومة تصريف الأعمال ليس إلا". فمن جهة، تمّ تنصيب حكومة العثماني بعد مرور قرابة سبعة أشهر من انتخاب مجلس النواب المغربي، شهدت العملية السياسية خلالها تجاذبات، أفرغت نتائج الانتخابات من مضمونها، ورسمت تحالفات يصعب إيجاد حد أدنى من العقلانية لفهما، وبناء تحليل على أساسها، ناهيك عن الصمت شبه المطبق للحكومة تجاه القضايا التي تعتمل داخل المجتمع المغربي. وحتى حين تتدخل بشكل جماعي، أو عبر تصريحات ومواقف أعضائها، تكون في خط التناقض مع تطلعات الفئات الواسعة من المجتمع المغربي، وفي أحيان كثيرة ضدها.. حصل هذا في حراك الريف، واحتجاجات "مدينة جرادة" و"زاكورة"، وموجه المقاطعة لثلاث شركات مهمة في نسيج الاقتصاد المغربي.
لذلك، لمن توجه حكومة العثماني هذا التقرير؟ وعن أية حصيلة تتحدث؟ وهل بقيت لها المُكنَة والشرعية لإقناع حتى قاعتها الانتخابية بهذا النوع من التقارير؟ وهل في مستطاعها أن تفعل خلاف ما فعلت، حتى وإن أرادت طواعية الإقدام على ذلك؟ أم أنها حكومة لا حول لها ولا قوة، وملزمة بالقيام بما قامت به؟
لنترك الإجابة عن الأسئلة أعلاه جانبا، وننظر إلى ما يجري في الواقع المغربي، ونُقارن بما ورد في تقرير حكومة العثماني بمناسبة مرور سنة على تنصيبها، لا سيما في المحورين الأول والثالث.
لمن توجه حكومة العثماني هذا التقرير؟ وعن أية حصيلة تتحدث؟ وهل بقيت لها المُكنَة والشرعية لإقناع حتى قاعتها الانتخابية بهذا النوع من التقارير
تقرير مرور سنة على حكومة العثماني لم يكن صادقا في روحه، وجاء بعيدا عن الواقع كما يعيشه الكثير من المغاربة ويتطلعون إلى تغييره، بل يمكن وسمه بـ"تقرير الحكومة إلى الحكومة"، وليس تقرير الحكومة إلى المواطنين
هل تطلق أحكام معتقلي الريف في المغرب موجة ثانية من الحراك؟