موندياليات (2)

بدأت الإثارة في مونديال روسيا فعلياً مع الجولة الأخيرة من دوري المجموعات؛ التي تحولت إلى ما يشبه نظام الإقصاء مع خروج ألمانيا ونيجيريا والسنغال، وتأهل بشق الأنفس أو في اللحظات الأخيرة للأرجنتين والسويد وكولومبيا واليابان. وعموماً، فقد تواصلت الإثارة والمفآجات في دور الـ16 الإقصائي مع خروج إسبانيا والأرجنتين والبرتغال وسويسرا، وتأهل بعد معاناة لإنجلترا وبلجيكا وكرواتيا. وحدها البرازيل كانت مبهرة في هذا الدور، مع أداء شبه متكامل أمام المكسيك، بينما بدت فرنسا مقبولة أو حتى جيدة، ولكنها فازت أساساً بفضل الأداء السيئ للأرجنتين وأخطائها الكارثية من المدرب والدفاع على حد سواء.

مثّل خروج ألمانيا غير المسبوق من دوري المجموعات المفاجأة الأكبر في المونديال الحالي، ورغم أن المانشافت كان المنتخب الأكثر صنعاً للفرص (76 فرصة)، إلا أنه دفع ثمن عقمه الهجومي وافتقاده إلى مهاجم أو هدّاف من الطراز الرفيع، وهو دفع كذلك ثمن أخطائه الدفاعية الفادحة وتراجع مستوى الخط الوسط الدفاعي، وعجز المدرب عن إقفال الثغرة أو حتى الاوتوستراد خلف الظهير الأيمن كيميتش. وعموماً، فإن ألمانيا مع التصرف الاحترافي غير الغريب من قبل الاتحاد وتجديد الثقة في المدرب لوف تملك مجموعة شابة مميزة من اللاعبين قادرة على إعادة أمجاد المتتخب، خاصة إذا ما تم التخلص من الحرس القديم (أوزيل، بواتينغ، خضيرة، وهومليس) الذي كان عبئاً على المنتخب في مونديال روسيا، بعدما كان صاحب الفرح والإنجاز في مونديال البرازيل.

خروج منتخب الأرجنتين لم يمثل أي مفاجأة، بل وبنظرة إلى الخلف، يبدو نجاحه في تجاوز الدور الأول، هو المفاجأة، رغم أدائه السيئ وافتقاده إلى أي نسق واضح دفاعاً أو هجوماً، ولولا افتقاد نيجيريا الثقة وإرادة الحسم وخيارات مدربهم التكتيكية الخاطئة، لما تأهلت الأرجنتين أصلاً للدور التالي، وكنا رأينا بالتأكيد مباراة أكثر تنافسية وندية مع فرنسا؛ التي قدمت أداء جديداً في مواجهة منتخب ميسي، ولكنها فوّتت، أو بالأحرى فوّت مدربها الباهت والتقليدي ديشامب، فرصة تحقيق فوز تاريخي على الأرجنتين، مماثل لذاك الذي حققته ألمانيا على البرازيل في المونديال الماضي.

في دور المجموعات، لا بد من الإشارة إلى الخروج المفاجئ للسنغال التي قدمت أداء جيداً، وكانت على أبواب التأهل - كما توقّع لها مورينيو - لولا هزيمتها المفاجئة الساذجة وغير المستحقة أمام كولومبيا، وتفوق اليابان عليها بقاعدة اللعب النظيف، رغم أنها تجاوزت روح القاعدة في أرض الملعب بعد تراخيها إثر تأكدها من الصعود، رغم تأخّرها أمام بولندا التي قدّمت أداء مخيّباً ومفاجئاً لا يتماشى مع الأسماء الكبيرة واللافتة التي يضمّها، وتأهلها المباشر للمونديال متصدرة لمجموعتها القوية.

الجولة الأخيرة من المجموعة الثانية زادت حسرتنا على خروج المغرب غير المستحق مع صعود غير مستحق لإسبانيا والبرتغال. وفي الحقيقة، رغم الفارق في الأسماء والإمكانيات، إلا أن المغرب وإيران كانتا تستحقان الصعود بعد أدائهما اللافت وفرضهما التعادل على إسبانيا والبرتغال في الجولة الأخيرة التي قدمت إشارة واضحة على معاناة المنتخبين، وعلامة تمهيد أو توقع لخروجهم من الأجواء الإقصائية، وهو ما حدث فعلاً أمام روسيا وأورجواي.

لم يقدم المنتخب الإسباني أمام روسيا ما يشفع أو يكفل له الصعود، مرّر 1000 بل 1029 تمريرة  دون أن يشكل خطورة سوى مرة أو مرتين على المرمى، بينما قدم دي خيا أداء كارثياً وهاوياً في ضربات الجزاء، وبدا المنتخب الروسي المتواضع أو العادي فنياً أكثر ثباتاً وتصميما. وعموماً، فقد دفع المنتخب الإسباني ثمن قرار الاتحاد بتغيير المدرب قبل 48 ساعة من انطلاق المونديال، وبدت ردة الفعل أمام البرتغال في المباراة أقرب إلى حلاوة الروح منها إلى القوة والقدرة الفعلية للمنافسة على اللقب.

منتخب البرتغال، ورغم أداء رونالدو اللافت، إلا أنه بدا غير مقنع، فردي أكثر من اللازم ودفاعي أكثر من اللازم. وفي مباراة أورجواي دفع ثمن عدم امتلاكه مهاجما صريحا قويا، بينما فاز منافسه بفضل امتلاكه مهاجمين ممتازين، إضافة إلى دفاع حديدي بدا الأقوى في هذه البطولة إلى جانب الدفاع البرازيلي طبعاً.

وحدها البرازيل قدمت أداء مبهراً في دور الـ16، وبدت مختلفة مميزة عن بقية الفرق.. هاجمت المكسيك بشراسة، وبحثت عن التسجيل كل دقيقة، كما قال عن حق حارسها أوتشيو، ولكنها بدت لا تتلقى أهدافاً، كما قال نيمار، في إشارة إلى امتلاك الفريق دفاعا قويّا، بل قويّا وقادرا على فكّ الشيفرات الدفاعية للمنافسين بفضل امتلاكه الحلول الفردية والمرونة التكتيكية لمدربه المميز تيتي.

كرواتيا؛ بدورها قدمت أداء جيداً أمام الدانمارك القادمة من مجموعة الملل، ولكنها كانت ندّا قويّا للكروات المتميزين جماعياً وهجوماً ودفاعياً. ورغم تألق شمايكل إلا أن خصمه ومنافسه الكرواتي سبوبيتش فاقه تالقاً مع دخوله التاريخ بتصديه لثلاث ضربات جزاء؛ وضعت فريقه في ربع النهائي، وأعادت أجواء مونديال 98 للجمهور والمتابعين الكروات. ومواجهة روسيا في ربع النهائي تميل نظرياً لصالحها، رغم أفضلية الأرض والجمهور للمنتخب الروسي اللافت، والقوى بدنيا والمتواضع فنياً.

بلجيكا؛ واجهت معاناة كبيرة أمام منتخب اليابان الشجاع الواثق من نفسه، والذي بحث عن الفوز حتى آخر دقيقة أمام خصم متكامل أو شبه متكامل. يمتلك الفريق لاعبين كبارا ذوي نزعة هجومية؛ أظهرت أو كشفت عيوبه الدفاعية، إلا أن الفوز المتأخر أظهر شخصية الشياطين الحمر وأكسبهم دفعة معنوية هائلة؛ قبل مواجهة البرازيل التي قد تكون بمثابة نهائي مبكر بين الفريقين.

إنجترا رغم امتلاكها منتخبا قويا شابا متجانسا ومتماسكا، دفاعاً وهجوماً، إلا أنها عانت أمام منتخب كولومبيا الشرس والشجاع أيضاً، والتعادل المتأخّر للكولومبيين لم يحبط الإنجليز الذين بحثوا عن الفوز في الوقت الإضافي، ثم حققوه عبر ضربات الجزاء لأول مرة في تاريخهم بالمونديال، ما أكسبهم أيضاً قوة معنوية هائلة، خاصة أن طريقهم للنهائي قد تكون أسهل مع مواجهتهم للسويد التي قدمت مباراة مملة أمام سويسرا، وفازت بالنيران الصديقة أمام منتخب كان أفضل منها فنياً، ولكنها كانت أكثر إصراراً منه على الفوز.

والمباراة الأولى في دور الربع النهائي ستجمع أورجواي وفرنسا، والكفّة متساوية مع أداء جماعي لافت لأورجواي وامتلاكها دفاعا قويا جداً، وهجوما شرسا بوجود الثنائي سواريز وكافاني الذي قد يغيب عن المواجهة، ما يوجّه ضربة قوية لحظوظ الفريق وقواته الهجومية. أما فرنسا، فهي تمتلك أحد أفضل المنتخبات، بل المنتخب الأفضل على المستوى الفردي، ولكنها تعاني جماعياً وتكتيكياً في وجود مدرب باهت لا يبدو صاحب بصمة، رغم امتلاكه ترسانة هائلة من النجوم، ومع ذلك يبقى مرشحاً لتجاوز الأورجواي بعدما عايش أجواء مشابهة لمونديال 98، وهو العام الذي ولد فيه مبابي، النجم الأبرز للفريق، والتي تكاد خطة الفريق تتمحور عليه، مع وسط دفاعي جيد، وإعطاء المدرب المساحة الكافية للتحرك لغريزمان والمهاجم الصريح العادي جييرو، والذي لم يسجل أي هدف في البطولة مفسحاً المجال تكتيكياً للثنائي المتفاهم: غريزمان مبابي.