مئة يوم مرت على بدء
مسيرة العودة في ذكرى يوم الأرض 30 آذار/ مارس. وبشهادة الجميع، فان انطلاقتها فاجأت الجميع من حيث حجم المشاركة الشعبية والتلاحم والوحدة الوطنية التي ظهرت في الميدان، فنجحت في تحريك عجلة الاهتمام الدولي بالقضية
الفلسطينية وإعادتها للصدارة، وأعادت للأذهان صورة المواجهة الشعبية والاشتباك عن قرب مع الاحتلال، وقدمت نماذج رائعة في التضحية والبطولة، كما أثبتت أن شعبنا لن يُعدم
وسائل المقاومة المختلفة، حيث يمكن صناعة وسائل بسيطة وبدائية ولكن مفعولها قوي ومؤلم للاحتلال، كالطائرات الورقية. وسنتوقف في هذا المقال عند بعض العثرات والأخطاء على المستويين الإداري والميداني:
- الحراك اقتصر على قطاع
غزة فقط، وليس كما كان متوقعا أو مخططا له بأن يشمل الضفة وفلسطين الـ48 ومخيمات الشتات في دول الجوار؛ في زحف مليوني نحو الحدود مع دولة الاحتلال، مما أضغف تأثيره، كون القطاع مصنف عالميا بأنه بؤرة صراع ومنطقة ساخنة على الدوام. وكذلك لم ينجح الحراك في استنهاض الشعوب العربية والإسلامية بالشكل المطلوب.
- العنوان الرئيس للمسيرة هو عودة اللاجئين الفعلية إلى أراضيهم، وإن بصفتها الرمزية في الوقت الحالي، لذلك سميت بـ"
مسيرة العودة الكبرى". وإن كان لا يعيب المسيرة أن يكون ضمن أهدافها السياسية رفع الحصار عن قطاع غزة، ولكن الملاحظ أن هدف العودة بدأ يخفت مع الوقت ليتصدر العنوان الآخر "كسر الحصار"، بل إن بعض الدعوات أصبحت تحمل هذا العنوان فقط.
- المسيرة رفعت شعار"السلمية"، وعليه من المفترض أن تلتزم بها وأن تتضمن مجموعة من الفعاليات الوطنية والشعبية والثقافية (وهي موجودة، ولكن بالحد الأدنى ويتركز معظمها في منطقة واحدة فقط)، مع الحرص على تقليل الخسائر البشرية من الشهداء والجرحى إلى الحد الأدنى (لنصل إلى مرحلة صفر خسائر)، ولكن ارتفاع فاتورة الضحايا أضعف من التعاطي معها شعبياً، وكذلك من إمكانية استمرارها لفترة أطول. وهنا لا بد أن نشير إلى أنه كان ينبغي أولا توعية الجماهير بمفهوم النضال السلمي والشعبي وأساليبه قبل انطلاق فعاليات الحراك، حتى لا يطغي الحماس على الشباب المشارك مما يدفعهم إلى الاقتراب أكثر من السلك، ويقعوا فريسة سهلة لاقتناصهم من قبل جنود الاحتلال.
- ما بدأنا نلحظه في الأسابيع الأخيرة أن المسيرة، ومع دخولها شهرها الثالث، قد اقتصرت معظم فعالياتها على أيام الجمع وفي فترة ما بعد العصر، والتغير الرئيس فقط في تسمية الجمع، دون أن نجتهد في ابتكار أساليب جديدة تعمل على تحويلها إلى فعل يومي مع زيادة التفاعل الجماهيري وإرباك العدو واستنزافه على أكثر من صعيد. ومن تلك المقترحات الفعّالة، الإعلان والبدء بإقامة مخيمات سكنية تعيش فيها أسر بأكملها، مع توفير مقومات الحياة في المكان، من كهرباء وماء وتسوّق، إضافة إلى منح امتيازات لتلك الأسر تُعزز من صمودها، كتوفير راتب شهري، وتأمين مواصلات على مدار اليوم تسمح لهم بالتنقل من وإلى مخيمات العودة.
- الحضور الإعلامي، وخصوصا الأجنبي، هو أكبر استثمار ونجاح للحراك؛ لأنه يسهم في حشد الرأي العام الدولي لمصلحة الحق الفلسطيني وإظهار بشاعة الاحتلال الذي يستهدف حراكا سلميا يقتل مدنيين يطالبون بحقهم في العودة، غير أن الإعلام
الإسرائيلي استطاع أن يسوّق هذه المسيرات دوليا كأنها ناتجة عن ضغط معيشي، وليست إرادة شعبية، وأنها مسيّسة لصالح حماس من خلال هوية بعض الشهداء، لذلك وجدنا أن ما يطرح من مبادرات مؤخرا تتحدث عن تحسين الأوضاع الأنسانية فقط.
ومع انقضاء مئة يوم على مسيرة العودة، تجد حركة حماس نفسها مضطرة إلى الاستمرار في الحراك دون أن يكون هناك أفق واضح لمداه الزمني، أو تحوله إلى وسيلة مقاومة شعبية مستمرة؛ لأن إيقافه دون تحقيق جزء من الأهداف الوطنية أو مكاسب سياسية يعتبر إخفاقا لها، ويشكل حرجا لها أمام عناصرها وأمام الجماهير. ويبقى السؤال: هل المراهنة على عنصر الوقت في صالحنا كفلسطينين؟ وهل الحشد الشعبي سيظل بنفس الزخم مع استمرارها؟ ولنتذكر أن رفع سقف التوقعات بتاريخ 15 أيار/ مايو، وإيهام الجماهير بأن بإمكانهم اختراق الحدود والعودة الفعلية إلى أراضيهم، ترك أثراً سلبياً، مع العلم بأنه مع مرور الوقت، بدأ الاحتلال بالتأقلم مع الحدث وسيبتكر أساليب لتقليل خسائره، علاوة على أن التفاعل العالمي سيضعف تدريجيا، وهذا أمر طبيعي في أي قضية، فمسيرة العودة لن تظل في صدارة قضايا العالم واهتماماته.
صحيح أن الحراك أربك حسابات العدو، وأفشل طرح مشاريع تصفوية، وعمل على تأخير بناء الجدار مع القطاع، وأدى إلى تضرر الاحتلال وارتفاع خسائره من استمرار الحرائق وتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المحاذية للقطاع بفعل "البالونات الحارقة" و"الطائرات الورقية"، ولكن هذا انحصر في منطقة غلاف غزة فقط، ودون أن يشكل تهديدا كبيراً. والسؤال: هل استمراره بهذ الطريقة سيؤدي إلى تحريك الشارع الاسرائيلي ليضغط على حكومته لتقديم تنازلات مؤلمة؟!