جاء قرار بيع الشركة المصرية للأملاح والمعادن "إميسال" الناجحة، التي حققت أرباحا في 2017، بنحو 60 بالمئة من رأس مالها، ونجحت في وقف الاستيراد بمجال إنتاجها، ليثير التساؤلات حول أسباب بيع الشركات الرابحة للمستثمرين الأجانب.
وشركة "إميسال" تأسست عام 1984، وعلى مدار 34 عاما أصبحت مجمعا للصناعات الكيماوية لإنتاج ملح الطعام عالي النقاوة، وكلوريد الصوديوم الطبي، وكبريتات الصوديوم المستخدمة في صناعة المنظفات الصناعية، وكبريتات الماغنسيوم المستخدمة في صناعة المخصبات الزراعية.
وتقع الشركة على ضفاف بحيرة قارون بمدينة الفيوم -من أفقر محافظات مصر- وتمكنت من تغطية احتياجات السوق المحلي، وتم وقف استيراد تلك المواد، فيما يعمل بها ما يزيد على ألفي مهندس كيميائي وفني وعامل من أبناء المحافظة، كما حافظت من جهة أخرى على النظام البيئي بمحمية بحيرة قارون، بسحبها 15 مليون طن أملاح من البحيرة سنويا.
وفي الوقت الذي ظهرت فيه فكرة بيع "إميسال"، تقوم الشركة بدراسة تنفيذ مشروعات عملاقة؛ بغرض الحصول على عناصر البورون والبرومين وأملاحهم وكلوريد الماغنسيوم وسماد كبريتات البوتاسيوم، حيث يتم استيراد حاليا 160 ألف طن سنويا منها.
يذكر أن الشركات المنافسة لإميسال من شركات قطاع الأعمال هي شركة "المكس للملاحات" بالإسكندرية و"النصر للملاحات" ببورسعيد، وكلاهما تواجه خطر الامتداد العمراني وتحول أراضيها للإسكان، وفي حال بيع إميسال تصبح الشركة الوطنية لإنتاج المياه الطبيعية "صافي" التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش في واحه سيوة هي الأساس في صناعة الملح بمصر.
عادة النظم الفاسدة
ويرى الناشط العمالي السيد حماد، أن "هذه هي عادة النظم والإدارات الفاسدة؛ حيث تباع الشركات الناجحة التي قد تساهم في تسدد الديون المتراكمة على الدولة"، مشيرا إلى جانب آخر من الأزمة، وهو "تشريد نحو ألفي عامل بشركة إميسال، كما حدث لنحو 2300 من عمال الشركة الشرقية للأسمنت بحلوان في شباط/ فبراير الماضي، و500 عامل بشركة مصر بريك للطوب الطفلي في آذار/ مارس 2016".
وفي حديثه لـ"عربي21"، انتقد حماد سياسة النظام في بيع وغلق المصانع والشركات بدلا من مساعدة المتعثر منها ودعم الناجح لزيادة أرباحه، وتشريد العاملين، وزيادة نسب البطالة والفقر في البلاد، مؤكدا أن "النظام الفاسد يسعى ببيع تلك الشركات إلى تسديد فاتورة وفوائد ديونه".
وأشار إلى غياب خطة النظام وحكوماته المتتابعة لبناء شركات ومصانع جديدة تزيد الناتج القومي عبر زيادة الإنتاج، مؤكدا أنه نظام لا يسعى سوى للحفاظ على الكرسي، ولا يعنيه اقتصاد البلاد ولا إدارة أصولها ولا أملاكها، ولا تحقيق الرفاهية للشعب، مشبها ما يفعله الانقلاب بما فعله نظام حسني مبارك من هدم لشركات القطاع العام؛ حتى تخسر وببيعها وخصخصتها بأقل الأسعار.
البيع الحرام
ودعا رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، لعدم بيع الشركة إميسال الناجحة، والتي حققت أرباحا العام الماضي بنسبة 60 بالمئة من رأس مالها، واصفا تلك الصفقة بالبيع الحرام لممتلكات المصريين.
وعبر تعليق أرسله لـ"عربي21" حول القضية، تساءل السياسي المصري، قائلا: "لماذا نبيع الشركات الناجحة التي جعلتنا نستغني عن الاستيراد لمستثمرين أجانب؟ ولماذا لا يقوم هؤلاء المستثمرون بإنشاء شركات إنتاجية جديدة يشتغل فيها المصريون وتساهم بحل مشكلة البطالة".
وأشار إلى أنه "لكل نظام رجال أعمال يوزع عليهم التركة، فكما وزع مبارك وابنه جمال على أحمد عز، ورشيد محمد رشيد، وغيرهما من كبار رجال الأعمال، الآن نجد النظام الحالي يخصخص الشركات، ويشرد العمال، ويبيعها لمستثمر أجنبي بوساطات وعمولات، والشعب هو الخاسر لأصوله وممتلكاته وشركاته الناجحة".
خطر على الاقتصاد
وفي مقال له بموقع "الجمهورية أونلاين"، السبت، أكد محافظ البحيرة الأسبق اللواء مصطفى هدهود، أن إجراءات بيع الشركة لمستثمر غير معروف الجنسية يجري حاليا على قدم وساق، مطالبا الدولة بعدم بيع "إميسال".
نائب رئيس المخابرات الحربية الأسبق، قال: "للأسف، وبالرغم من التطورات الإيجابية لشركة إميسال والمكاسب المحققة سنويا بمبيعات 468 مليون جنيه وصافي أرباح 65 مليون جنيه خلال عام 2017، فإنه يتم حاليا اتخاذ إجراءات بيع الشركة"، معتبرا أن البيع يمثل خطرا على الاقتصاد المصري كون الشركة أهم وأنجح شركة وطنية تعمل بمجال هام واستراتيجي.
وتساءل الكاتب رياض سيف النصر، بمقال له بموقع "الجمهورية أونلاين" الثلاثاء، عن سبب بيع الشركة، متابعا: "هل المقصود بفتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي تمكينه من الاستحواذ على الشركات المصرية الرابحة؟ أم إقامة مشروعات جديدة تستفيد من التسهيلات غير المسبوقة التي قدمتها الحكومة للمستثمرين، وربما شراء الشركات الخاسرة لإصلاح مسارها؟
وأضاف أن "عيون بعض المستثمرين الأجانب لا تقع إلا على الشركات الناجحة التي تعمل في مجالات هامة واستراتيجية توفر للمصريين احتياجاتهم. وتغنيهم عن الاستيراد، وتوفر العملة الصعبة بما تصدره من منتجات. بينما تجاربنا مع المشروعات التي يقيمها بعض المستثمرين لا تدعو للطمأنينة".
وفي 19 آذار/ مارس الماضي، أعلن وزير المالية السابق، عمرو الجارحي، عن طرح 23 شركة رابحة تمتلكها الدولة في البورصة تنتمي معظمها إلى القطاع المصرفي والبترول وبعض الصناعات الأخرى ضمن خطة حكومية تنفذ خلال من عامين إلى عامين ونصف، وذلك بهدف دعم الموازنة العامة للدولة، في إطار سياسة الحكومة بظل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي حول قرض الـ12 مليار دولار.
كعك العيد في مصر.. أسعاره تربك حسابات المصريين
ما دلالات الإطاحة بوزيري الدفاع والداخلية المصريين
لماذا يتمسك النظام المصري باختيار رجل اقتصاد لرئاسة الوزراء؟