قراءة في تشكيلة الحكومة التركية الجديدة

أعلن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، في ساعة متأخرة من يوم الاثنين، أسماء التشكيلة الوزارية الجديدة، بعد أن أدَّى اليمين الدستورية أمام البرلمان التركي، وأقام مأدبة العشاء على شرف ضيوفه من رؤساء الدول والحكومات الذين حضروا حفل تنصيبه؛ في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة.

التشكيلة الوزارية الجديدة تتألف من نائب رئيس، و14 وزيرا، بالإضافة إلى وزيرتين. وتضم أسماء جديدة، بالإضافة إلى بعض الوزراء القدامى. ويلفت النظر في الوهلة الأولى احتفاظ كل من وزير الداخلية سليمان صويلو ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو بحقيبتيهما. ولم يكن بقاء صويلو في منصبه مفاجئا، نظرا للنجاح الكبير الذي حققته وزارة الداخلية في مكافحة الإرهاب. وأما تشاوش أوغلو، فعلى الرغم من أدائه المميز في وزارة الخارجية، كان هناك حديث يدور في الكواليس والأوساط السياسية والإعلامية حول احتمال تولي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية إبراهيم كالين حقيبة الخارجية في الحكومة الجديدة. ولعل أردوغان أراد أن يبقى كالين بجواره في القصر الرئاسي.

يلفت النظر في الوهلة الأولى احتفاظ كل من وزير الداخلية سليمان صويلو ووزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو بحقيبتيهما

أردوغان عيَّن رئيس الأركان الجنرال خلوصي آكار وزيرا للدفاع. ومما لا شك فيه أن آكار انحاز للنظام الديمقراطي ضد الانقلابيين، وأثبت احترامه لإرادة الشعب التركي، واستحق هذا المنصب بعد أن نجح في الاختبار. وحتى يوم الاثنين، كان على رأس قيادة القوات المسلحة التركية التي قامت بعمليات عسكرية خارج حدود البلاد، كعمليتي درع الفرات وغصن الزيتون. ويشير تعيينه وزيرا للدفاع إلى أن تركيا ستواصل ذات النهج في مكافحة الإرهاب، والقضاء على أوكار التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن البلاد واستقرارها.

يشير تعيين آكار وزيرا للدفاع إلى أن تركيا ستواصل ذات النهج في مكافحة الإرهاب، والقضاء على أوكار التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن البلاد واستقرارها

بقاء صويلو في منصبه وتعيين آكار وزيرا للدفاع يؤكدان أن الملف الأمني سيكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة. كما أن ملف الاقتصاد سيكون من أهم الملفات في المرحلة المقبلة، في ظل الهجمات التي استهدفت اقتصاد تركيا وعملتها الوطنية قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ويتوقع مراقبون استمرار هذا النوع من الاستهداف، ولعل هذا ما دفع أردوغان إلى تعيين صهره براءت ألبيرق وزيرا للخزانة والمالية.

ألبيرق الذي تولى في الحكومة السابقة منصب وزير الطاقة، درس إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، وحصل على شهادة الماجستير في مجال المالية من جامعة بيس في نيويورك، كما حصل على شهادة الدكتوراة في مجال الطاقة المتجددة من إحدى الجامعات التركية بعد أن عاد من الولايات المتحدة. وعمل في القطاع الخاص، كما قام بتدريس المصرفية والمالية في جامعة مرمرة بإسطنبول، ما يعني أنه ليس ببعيد عن مجال الحقيبة التي تولاها.

تركيا حققت بقيادة أردوغان نجاحات باهرة في مجالات، إلا أنها أخفقت في أخرى. ويأتي التعليم على رأس الملفات التي واجهت فيها الحكومة انتقادات واسعة، سواء من المعارضين للحكومة أو المؤيدين لها. ويرى كثير من المتابعين أن تعيين ضياء سلجوك وزيرا للتربية يشكل أملا في تصحيح أخطاء الماضي، نظرا لخبرته الواسعة في مجال التربية والتعليم.

تعيين ضياء سلجوك وزيرا للتربية يشكل أملا في تصحيح أخطاء الماضي، نظرا لخبرته الواسعة في مجال التربية والتعليم

الحكومة الجديدة يغلب عليها طابع التنفيذية، وهذا أمر طبيعي، بعد أن تم الفصل بين السلطتين بشكل كامل في النظام الجديد. واستقال أربعة وزراء من عضوية البرلمان مع توليهم الحقائب الوزارية؛ لأن النظام الرئاسي لا يسمح لأحد بأن يجمع تولي حقيبة وزارية مع عضوية البرلمان. وقال رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، في أول تعليق له على الحكومة الجديدة، إن التشكيلة تبدو كحكومة التنفيذ التي ستحقق تطلعات تركيا وأهداف 2023، مضيفا أنه يرى أن هذه الحكومة ستنجح.

ستكون في النظام الجديد مكاتب تابعة لرئاسة الجمهورية تقدم إلى الحكومة والوزارات تقارير وتوصيات لتسهيل أعمالها والإسهام في رسم سياساتها

النظام الرئاسي يختلف عن النظام البرلماني، ومن المؤكد أن ينعكس هذا الاختلاف على عمل الحكومة والوزارات. وستكون في النظام الجديد مكاتب تابعة لرئاسة الجمهورية تقدم إلى الحكومة والوزارات تقارير وتوصيات لتسهيل أعمالها والإسهام في رسم سياساتها. ومن المتوقع أن تضم تلك المكاتب خبراء في مختلف المجالات والتخصصات.

تركيا انتقلت رسميا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ولكن تأقلم الجميع مع النظام الجديد قد يأخذ بعض الوقت. وبالتالي، سيكون من أهم وظائف الحكومة الجديدة أن تعمل من أجل أن يكتمل الانتقال العملي للنظام الرئاسي في أسرع وقت ممكن، وبشكل سلس.