حلّت هذا الشهر الذكرى السابعة (2011 - 2018) للتصويت على الدستور المغربي ودخوله حيز التنفيذ، وهي مدة كافية لقياس نتائج الممارسة، ومعرفة مدى تحويل الفلسفة الناظمة للوثيقة إلى قيم ومبادئ موجِّهة للممارسة السياسية لكل من الدولة والمجتمع. ولأن الدستور في عمقه تعاقد سياسي بين المجتمعين السياسي والمدني، أي بين الدولة والمؤسسات الممارسِة للسلطة فيها، والمجتمع بمختلف مُكونات نسيجه، فإن العبرة في تقييم التطور الحاصل في تطبيقه ترتبط حصرا بمدى حصول رضى عام عن مسار إعمال أحكام الدستور، وتحقيق النتائج المنتظرة منها.
لا بد من الاعتراف بأن ثمة فراغاً علمياً ومعرفيا على صعيد مواكبة تطبيق الدستور بالبحث والتحليل والدراسة. فالغالب في هذا المجال الانطباعات الصحفية، والأحكام غير المؤسسة على التحقيق والتحري والاستقراء، وغياب الوسطية في تقييم السنوات التي مرت من تطبيق الدستور، إما بتضخيم الإنجازات، والإكثار من الإشادة بالانجازات، أو التقليل من قيمة ما حصل على محدوديته، وتبخيس أدوار مؤسسات الدولة والمجتمع على حد سواء.. والحال، أن هذا النمط من النظر إلى أعلى وثيقة في البلاد لا يخدم المسألة الدستورية، بل يضر بها، ويعوق إمكانية تحولها إلى قضية مجتمعية استراتيجية.
العبرة في تقييم التطور الحاصل في تطبيقه ترتبط حصرا بمدى حصول رضى عام عن مسار إعمال أحكام الدستور، وتحقيق النتائج المنتظرة منها
شرعت التطورات الحاصلة في المغرب خلال السنتين الأخيرتين (2016 - 2018) تؤشر إلى وجود اختلالات تُقنع بأن المغرب لا يشذّ عن باقي البلاد العربية، وأن الاختلافات إن وجدت فهي في الدرجة وليست في الجوهر والطبيعة
صورة تطبيق الدستور المغربي الجديد بعد مرور سبع سنوات، لا تبدو واضحة بما يكفي، بل تُقنع بأن الارتقاء إلى روح الدستور وتطلعات المواطنين ظل ضعيفا وشاحبا، حتى لا نقول متوقفا
ففي باب الحريات وحقوق الإنسان، ثمة تراجعات قياساً للجهود التي بُذلت خلال العقدين الماضيين، بل إن شعورا متزايداً لدى الناس بأن كل ما قيل وبُني من أجل الحريات وحقوق الإنسان بدأ يتبدد بالتدريج، وأن الاختيار الديمقراطي الذي أصبح بمقتضى أحكام الدستور (الديباجة) ثابتاً رابعا من ثوابت البلاد؛ سيتعرض للاهتزاز إن استمر حال الحريات على ما هو عليه. والأمر نفسه ينسحب على العدالة الاجتماعية، أي تكافؤ الفرص في الاستفادة من ثروات البلاد. فحين يشعر الناس بأن ليس لهم نظراء يتساوون معهم في الحقوق والحريات، وأن عوائد التنمية ونواتجها لا يجدون أثرا لها في حياتهم، بل تتفاقم أوضاعهم، وتضيق الحياة أمامهم، ويعسرون عن توفير الحد الأدنى لهم ولذويهم.. حينها يُدركون بأن العدالة الاجتماعية التي بحَّت حناجرُهم بالمطالبة بها، وتطلعوا لأن يكون الدستور ضمانة حقيقية لتحقيقها مجرد سراب ليس إلا..
تُنبهنا سبعُ سنوات على دخول الدستور المغربي الجديد حيّز التطبيق؛ إلى أننا في حاجة ماسة إلى الارتقاء إلى روح الدستور، والفلسفة الثاوية خلفه، وفي مقدمتها ضمان الممارسة السليمة للحريات وحقوق الإنسان، وتوفير شروط تحقيق العدالة الاجتماعية.
هل دخل حوار العدالة والتنمية المغربي للنفق المسدود؟
هل انتهت ثورة الجيل العربي الحالي؟
ربيع عربي أم خطوات في "فراغ عدمي"؟