لاتزال الأزمة السياسية في تونس لا تبارح مكانها، بعد رفع رئيس الجمهورية دعمه عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد في آخر خطاب تلفزي له، مخيرا إياه بين الاستقالة أو التوجه للبرلمان لإعادة طلب الثقة في حكومته.
ويرى مراقبون أن خطاب الرئيس لم يزد الوضع إلا تعقيدا، من خلال انحيازه الواضح لنجله على حساب مصلحة الدولة، وأخبار عن دعوة وجهها السبسي لكتلة نداء تونس في البرلمان للاجتماع، الثلاثاء المقبل، بقصر قرطاج بحسب ما أكدته مصادر مطلعة لـ"عربي21".
دعوة وصفها الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي عبد الله العبيدي في حديثه لـ"عربي21" بـ "المناورة السياسية" للسبسي في محاولة لتوحيد مواقف نواب نداء تونس ضد الشاهد، وقلب المعادلة البرلمانية لصالح نجله أمام إصرار الشاهد على عدم تقديم استقالته ومواصلة معركته ضد نجل الرئيس.
وكان 16 نائبا عن الكتلة البرلمانية لنداء تونس قد أعلنوا بشكل مفاجئ أواخر شهر حزيران/ يونيو عن دعمهم لبقاء الشاهد على رأس الحكومة بهدف الحفاظ على "الاستقرار الحكومي وتغليبا لمصلحة البلاد"، حسب قولهم.
اقرأ أيضا: هل يخسر نجل السبسي حربه ضد الشاهد بنيران صديقة؟
القرار وصف حينها بالتمرد الواضح على موقف المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي الذي يصر على إقالة رئيس الحكومة، ويحمله مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي في البلاد.
ويرى العبيدي أن تغليب المصلحة الشخصية لرئيس الجمهورية وخروجه عن كونه رئيسا جامعا لكل الأطياف السياسية في آخر حوار له أضر بصورته، وتحول من عامل استقرار إلى طرف في الأزمة.
وشدد على أن سيناريو رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد يتكرر هذه المرة مع يوسف الشاهد بهدف إرضاء نجل الرئيس.
وتعد حكومة يوسف الشاهد سابع حكومة في تاريخ البلاد منذ الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير/ كانون الثاني 2011.
ويرفض الشاهد تكرار سيناريو رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد الذي تمت إقالته بمقترح من رئيس الجمهورية، وبعد المرور إلى البرلمان، ليتم حجب الثقة عن حكومته في 30 يوليو/تموز 2016 بعد أقل من سنة ونصف على توليه المنصب.
وكان السبسي قد اجتمع في 16 يوليو/ تموز 2018، برئيس الحكومة يوسف الشاهد، ونجله المدير التنفيذي لنداء تونس، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وأمين عام كل من اتحاد الشغل، ومنظمة الأعراف، في مسعى جديد لاحتواء الخلاف الحاد بين نجله والشاهد.
وأكدت مصادر لـ"عربي21" أن اللقاء كان فاشلا على كل المستويات، ولم يفض لأي توافق أو تقارب في وجهات النظر، بل تخلله خلاف حاد بين نجل الرئيس والشاهد وصل حد تبادل الشتائم والسباب.
عريضة برلمانية
الأزمة السياسية دفعت بمجموعة من نواب البرلمان لتقديم عريضة في 21 يوليو/تموز الجاري، ممضاة من 60 نائبا عن "الكتلة الديمقراطية" و"الجبهة الشعبية " –ائتلاف أحزاب معارضة- لمطالبة رئيس الحكومة بالقدوم إلى البرلمان بهدف عرض تجديد الثقة في حكومته.
وينصّ الفصل 97 من الدستور التونسي لما بعد الثورة أنه "يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مُضيّ 15 يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس".
ويشترط لسحب الثقة من الحكومة، موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، وتقديم مرشح بديل لرئيس الحكومة يُصادَق على ترشيحه في نفس التصويت، ويتمّ تكليفه من قبل رئيس الجمهورية بتكوين حكومة جديدة.
اقرأ أيضا: كيف أدى الصراع داخل نداء تونس لإحداث شلل في البلاد؟
وأوضح أمين عام "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي-أحد الممضين على العريضة- في تصريح لـ"عربي 21" أن المبادرة تهدف لكسر الجمود في ظل رفض رئيس الحكومة الاستقالة أو المثول أمام البرلمان لطلب تجديد الثقة، وامتناع رئيس الجمهورية عن استخدام الفصل 99 من الدستور.
وينص هذا الفصل على أنه "يمكن لرئيس الجمهورية أن يطلب من مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية".
"ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، فإن لم يجدد المجلس الثقة في الحكومة اعتبرت مستقيلة، وعندئذ يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتكوين حكومة في أجل أقصاه 30 يوما"...
وشدد أمين عام التيار الديمقراطي أن "العريضة هي بمثابة تذكير للأطراف المتصارعة على الحكم بضرورة تحمل مسؤولياتها الكاملة، واستخدام صلاحياتها التي منحها لها الدستور".
واستغرب الشواشي من انحياز رئيس الجمهورية لمصلحة ابنه على حساب المصلحة العليا للبلاد.
وأردف بالقول: "توقعنا أن يكون موقف رئيس الجمهورية باعتباره الضامن لعلوية الدستور ورمزا لوحدة كل التونسيين أكثر حكمة وحيادا وأن يتصرف كرئيس دولة وليس كرئيس حزب يدافع عن مصالح حزبية ضيقة".
الشواشي أعرب عن خشيته من دعوة السبسي لنواب نداء تونس للاجتماع بقصر قرطاج "لما يمثله من انتهاك للقانون والدستور من خلال استعمال مؤسسات الدولة ونفوذه كرئيس للضغط على البرلمان".
وختم بالقول أنه "إن صح اللقاء فسيكون ذلك إعلانا لنهاية شرعية الرئيس لأنه لا يمكن أن يكون رجل دولة ورئيس حزب في نفس الوقت".