كتب الدبلوماسي السابق الدكتور عز الدين شكري فشير مقالا في موقع "مدى
مصر"، بعنوان "لماذا يستحيل على
المعارضة حكم مصر؟"، أورد فيه جملة من الأسباب يرى فيها أن النظام الحاكم في مصر والمعارضة بكل أطيافها وجهان لعملة واحدة، وذلك من ناحية نظرتهم لشكل الدولة، والعلاقة مع العالم، وطبيعة علاقة الدولة السياسية والاقتصادية مع المواطنين. وللحق، فإن كثيرا مما طرحه منطقي وحقيقي ولكن فاتته بعض الأمور:
أولا: الحكم القطعي بفشل المعارضة في استثمار الغضب الجماهيري في 1977 ثم في 2011 (كما قال)؛ يستدعي بالضرورة أن هذه المعارضة لم تقم بواجب وقتها خلال السنوات التي ذكرها، مثل 2005 وحتى 2011، ثم حتى 2013 كما شرح. وهذا أمر غريب، فمن الذي أسس حركة "كفاية" كإطار وطني غير تقليدي للعمل السياسي، ثم "الجمعية الوطنية للتغيير" بعدها، الأمر الذي فتح المجال لفئات اجتماعية غير مسيسة للدخول للسياسية؟ أعتقد أن الدكتور فشير خلط بين العملية السياسية التي يحدث فيها تداول جزئي أو كلي للسلطة، وبين مقاومة شعبية عبر تنظيمات رسمية وشعبية لتأميم المجال العام بدرجات مختلفة وانتزاع بعض المكاسب منه. فأي عملية سياسية كفيلة بإنضاج البرامج السياسية والاقتصادية وتوضيح التمايز بين الأحزاب للمنافسة على الصوت الانتخابي، لكن الوضع في مصر كان ولا يزال هو عملية مقاومة مجتمعية لتغول الاستبداد في المجتمع. بالأحرى، كبح جماح الكوارث أكثر منه تحسين الأحوال. فلو سأل نواب المعارضة في البرلمان أيام مبارك، بمن فيهم نواب الإخوان، حول دورهم التشريعي كأقلية، سيكون الجواب إن العضوية البرلمانية فرصة للتواصل مع الناس وخدمتهم ونشر قضايا الديمقراطية والحريات السياسية. وهذا قطعا ليس المطلوب من النائب البرلماني، لكنه كان ثغرة للنفاذ إلى السلطة التشريعية كوسيلة مقاومة مدنية تطورت إلى الشكل الحضاري الذي خرجت به ثورة 2011 في أيامها الأولى.
ثانيا: القطع باستحالة حكم المعارضة لمصر بسبب تشابه المنطلقات النظرية والفكرية للنظام الحالي وكثير من معارضيه؛ أمر يحتاج لإعادة نظر. فإن كان الخطاب السياسي والإعلامي للمعارضة المصرية على اختلاف توجهاتها دون المستوى، فهذا لا يعني أن النتيجة المتوقعة من حكمهم لمصر ستتشابه مع يحدث اليوم. وذلك لسبب بسيط هو أن هذه المعارضة ليست لديها خبرة في الفساد الذي يملكه النظام الحالي، حتى ولو أرادت أن تتربح من الفساد. والأهم من هذا كله، أن أيا من القوى المعارضة لم يطالب بالجلوس على عرش مصر من دون انتخابات حرة ورقابة تشريعية نزيهة، وهذا أيضا كفيل بكبح جماح الاستبداد. لا أدري كيف فات الدكتور فشير أن طريقة وصول النظام للسلطة تؤثر بشكل كبير على مسارهّ فالمُنتخب غير المُنقلب.. لا يستويان. هناك شخص تدير معه معركة مدنية على أرضية سياسية تملك كمدني أدواتها، بخلاف العسكري الذي لن تستطيع أن تجاريه في قوة السلاح.
ثالثا: في كل الفرضيات التي طرحها كان طرفي المعادلة هم المعارضة والنظام الحاكم الحالي ورجل الشارع، مع إسقاط طبقة التكنوقراط الرسمية وغير الرسمية والتي يميل بعضها لهذا التيار أو ذاك، لكنها غير مسيسة. وهي عماد أي نظام حاكم. وقد رأينا من الوزراء ووكلاء الوزارات من تنقل من عهد مبارك للمجلس العسكري لمرسي ثم للسيسي بكل أريحية. ويمكن القول إن البقية الباقية من هذه الطبقة هي التي تسند البلد حاليا، ودائما ما ترتفع أسهم التكنوقراط أثناء الأزمات السياسية كمخرج مؤقت أو لفترة انتقالية. وأتصور أن المعارضة ليست لديها خصومة مع الكفاءات التكنوقراط، من أعلى المناصب وحتى أصغر الدرجات الوظيفية.
ختاما، فإن مثالب المعارضة التي سردها الدكتور فشير لا يمكن علاجها بشكل نظري بعيدا عن الممارسة العملية التي تتمثل في فتح المجال العالم، والمشاركة بشكل جزئي أو كلي في السلطة. ويمكن الجزم باستحالة حكم المعارضة لمصر في حالة واحدة، وهي أن يستمر النظام بشكله الحالي لمدة عشر سنوات أخرى مثلا، حينها سيكون هناك جيل كامل لم يرَ أي عمل سياسي في النور، وجيل سبقه أنهكته السجون والمنافي، وعندها سيكون أي فراغ متوقع في السلطة فرصة لحرب أهلية أو غزو خارجي كما حدث في دول أخرى، وهو ما لا نتمناه قطعا.