أكدت مصادر مطلعة انسحاب المجموعة الصينية "هايتي" من مشروع بناء المدينة الذكية بطنجة (شمال المغرب)، الأمر الذي جعل شركة تهيئة مدينة محمد السادس للتكنولوجيا "طنجة تيك" تسابق الزمن للبحث عن تمويلات بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، اللازمة لبناء المدينة، وما يرتبط بالتزامات هذا المبلغ من إحداث 100 ألف منصب شغل وبناء 200 مصنع.
وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، ترأس بقصر مرشان بطنجة في آذار/ مارس 2017، حفل تقديم مشروع إحداث هذه المدينة، والتوقيع على بروتوكول الاتفاق المتعلق بها، بعد أن تم توقيع مذكرة تفاهم متعلقة بها في 12 أيار/ مايو 2016، بين كل من وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، وجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، والمجموعة الصينية "هيتي".
اتصالات محمومة
وكشفت المصادر ذاتها، لصحيفة "الصباح" المغربية المقربة من السلطة، عن ربط شركة التهيئة، التي يرأسها عثمان بنجلون، الرئيس المدير العام لمجموعة "فايننس. كووم" اتصالات مع مجموعات اقتصادية أخرى، للحلول مكان مجموعة "هايتي" المنسحبة، موضحة أن دائرة التواصل مع مستثمرين لم تتجاوز الصين، إذ عبر عدد منهم عن اهتمامه بالمشروع، الذي يواجه مشاكل مرتبطة بالتأخر في التنفيذ وفق الآجال المبرمجة، أبرزهم مجموعة "شاينا ستايت كونستراكشن انجينيرينغ كوربورايشن"، وهي أكبر مقاولة تابعة للدولة، متخصصة في الأشغال العمومية، حققت عائدات بقيمة 148 مليار دولار أمريكي، ما جعلها تحتل المركز 24 ضمن أغنى 500 مجموعة في تصنيف مجلة الأعمال "فوربس".
وأفادت المصادر للصحيفة المغربية، عدم توصل الشركة بأي عرض رسمي للاستثمار بدل المجموعة الصينية، إذ اقتصر الأمر على تعبير عن الاهتمام واتصالات مع مستثمرين، مؤكدة غموض أسباب تعثر المفاوضات مع مجموعة "هايتي" المنسحبة، في ظل ورود معلومات حول مواجهتها صعوبات تمويلية، مشددة على وجود تناقض بين المعطيات الواردة حول المجموعة الصينية في العرض التقديمي لمشروع "طنجة تيك" الذي اطلع عليه الملك محمد السادس، والواقع، أن هذه المجموعة التي تم الترويج لها باعتبارها رائدة في بناء المدن الذكية، ليست إلا شركة بسيطة بالنظر إلى وزنها الاقتصادي الدولي، متخصصة في أنشطة صيانة التجهيزات الجوية وصناعة الطيران، لا يتجاوز عدد موظفيها 800 شخص.
ونبهت المصادر إلى تقديم مجموعة "هايتي"، باعتبارها تكتلا متعدد المهن، ذلك أن رأسمالها عبارة عن مساهمات من مجموعة من صناديق الاستثمار، بعضها يتخذ شكل مضاربات "وهمية"، والأمر نفسه أيضا، بالنسبة إلى فروع المجموعة الأربعين، إذ يتلخص الأمر في الواقع، في فرعها الرئيسي "سيشوان هيتي هاي تيك كو"، مشددة على غياب أي بديل للمجموعة الصينية حتى الآن، إذ أكد عثمان بنجلون، الرئيس المدير العام لشركة تهيئة "طنجة تيك"، استمرار مفاوضات مع فاعلين ومجموعات دولية، عبروا عن رغبتهم في الاستثمار في المشروع، من بينهم "شاينا ستايت كونستراكشن انجينيرينغ كوربورايشن".
وأجبرت الشكوك التي حامت حول تنفيذ مشروع مدينة محمد السادس للتكنولوجيا في طنجة، بنجلون على الخروج لاستعراض حصيلة 15 شهرا من العمل في المشروع، لم تتجاوز تخصيص السلطات ما مجموعه ألفين و150 هكتارا في منطقة عين داليا، والتمكن من تحرير الوعاء العقاري الخاص بالشطر الأول من هذا المشروع، بحيازة الأراضي المنتزعة عبر مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، إضافة إلى الانتهاء من الأشغال خارج الموقع، الخاصة بهذا الشطر، وتتعلق بشبكات الطرق والماء الصالح للشرب والتطهير السائل، وكذا الربط بالكهرباء.
تشكيك
وكان موقع "لوديسك" قد شكك في مقدرة مجموعة "هايتي" الصينية من مواكبة المشروع فيما نقلت مجلة "تيل كيل" عن مصدر مطلع على الملف منذ مفاوضات 2016 قوله إنه منذ عامين، وهو يقول لعدد من المسؤولين المغاربة إن "هايتي" لا تستطيع مواكبة المشروع.
وذكرت "تيل كيل" أن مصدرا حضر حفل توقيع مذكرة التفاهم مع المجموعة الصينية في 2016، قال: "إن هذه الأخيرة تنشط في مجال "صيانة الطيران"، وهذا القطاع لا علاقة له بالمناطق الصناعية. فلكي تكون "هايتي" قادرة على تنفيذ هذا المشروع، عليها أن تكون مالكة لعشر مناطق صناعية على الأقل تتراوح مساحتها بين 50 و100 هكتار. هذا فقط ما يخول لها التوفر على التجربة اللازمة، والبرمجيات الضرورية لتدبير هذه المناطق، فضلا عن الموارد البشرية المتخصصة.. وهايتي لا تتوفر على أي شيء من كل هذا".
اقرأ أيضا: تعرف على أول مدينة ذكية بالمغرب تنشئها الصين (فيديو)
من ناحيته، أوضح خبير في المجال أن مصنع المجموعة الصينية "الخاص بصيانة الطائرات في مدينة 'شينغدو' تكفلت ببنائه شركة أخرى. فكيف يمكن لـ'هايتي' المساهمة في بناء 200 مصنع بالمغرب، وهي ليست متخصصة في المجال". والواقع أن المجموعة الصينية، وكما يظهر على موقعها الإلكتروني، تنشط في مجال بعيد عن صناعة السيارات، والاتصالات، والطاقات المتجددة، أو العقار، وهي القطاعات المعنية بمشروع "طنجة تيك". ومن بين العشرات من فروع "هايتي" توجد شركة وحيدة هي المدرجة في بورصة "شينزين"، وهي "غواتشين"، وأداؤها ليس مغريا بالمرة. "الشركة حققت أرباحا لا تتجاوز 11 مليون دولار، وهذا يعتبر مستوى متواضعا جدا في الصين" يقول خبير مالي صيني.
شركة بدون خبرة
وخلصت المجلة المغربية إلى أن "العملاق" الذي يعول عليها لخلق مدينة تضم 300 ألف نسمة، ليس له الأكتاف الكافية للنهوض بهذه المهمة. فالشركة الصينية "لا تملك الخبرة الكافية ولا الموارد المالية الضرورية، بل إنها لم تحصل على الضوء الأخضر من الحكومة الإقليمية أو المركزية بالصين" يوضح مصدر شارك في المفاوضات مع "هايتي".
وحسب معلومات حصلت عليها "تيل كيل"، فإن المساهمين في المجموعة لم يتم إخبارهم بالمشروع، وهذا ما تسبب في انسحابها. "ما إن علموا بتوقيع رئيس المجموعة 'لي بيو' بالمغرب، حتى أبدى المساهمون رفضهم، فقيل لهم لا شيء تم بعد"، يقول مصدر من الصين كان قريبا من المشروع منذ البداية.
وأوضحت المجلة أن الموقع الذي سيحتضن مبدئيا "طنجة تيك" أصبح غير صالح بسبب الفيضانات، وصار من اللازم القيام بسلسلة جديدة من الدراسات، بل إن المتدخلين في المشروع صاروا يتقاذفون هذه "الكرة الحارقة"، وفق تعبيرها.
انقطاع التواصل
وكانت صحيفة "أخبار اليوم" ذكرت في عدد سابق
نقلا عن مصادر متطابقة من داخل – جهة طنجة تطوان الحسيمة- أن الشركات الصينية التي
كان من المفروض أن تبدأ في إقامة المصانع منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي لم
تصل بعد، ولم يتم بناء أي مصنع في المنطقة، مضيفة أنه "لحد الآن لا يوجد شيء،
فالشركات الصينية التي تقدر بـ200 شركة، حسب الاتفاقية التي وقعت بين المملكة
وشركة “هايتي” الصينية، لم تأت للاستثمار في المنطقة، وهو ما يضع رئيس الجهة إلياس
العماري ووزير التجارة والصناعة مولاي عبدالحفيظ العلمي في مأزق".
ووفق مصادر مطلعة فإن "الشركاء الصينيين الذين
يُفترض أن يضخوا مليار دولار في المشروع، بدءا من سنة 2018، لا أثر لهم، إذ إن
رئيس الجهة يحاول التواصل معهم، لكن، حسب المصادر، انقطع التواصل مع هذه الشركات".
ومن المتوقع أن تستقبل المدينة الصناعية لطنجة نحو 300 ألف شخص. وستتمكن من تسجيل رقم معاملات سنوي سيصل إلى 15 مليار دولار ومداخيل جبائية بقيمة 300 مليون دولار.