أن تطلب وزيرة الدفاع الإيطالية من فرنسا عدم التدخل في شؤون ليبيا وترك مسألة اختيار توقيت الانتخابات لليبيين أنفسهم، ليس دليلا على حرص روما على سيادة القرار الليبي، ولا رفضا لتعامل باريس مع ليبيا باعتبارها "ملكية خاصة"، مثلما حذر الوزير الأول الإيطالي قبل أيام قليلة.
لكن لأن الإيطاليين شعروا بفقدان السيطرة على مستعمرتهم السابقة، فقرروا اتخاذ هذا البلد الممزق بين المليشيات المسلحة أداة لضرب فرنسا في ظل أزمة دبلوماسية لم تعد خافية بين البلدين.
فرنسا تريد انتخابات في كانون الأول/ ديسمبر، بحثا عن حكومة موالية، وهي لذلك جمعت مختلف الإخوة الأعداء في باريس قبل أسابيع، ووضعت لهم خارطة طريق في مشهد أراد الرئيس ماكرون من ورائه تحقيق انتصار دبلوماسي.
لكن فرنسا سرعان ما تلقت طعنة في الظهر من خليفة حفتر، الرجل الذي عالجته من نزيف في المخ وأنقذت حياته من موت محقق قبل أسابيع، كما أنها تدخلت لصالحه في عمل عسكري كان من المفترض أن يبقى سريا في 2016، لكن حفتر وبمجرد عودته إلى بنغازي، غسل يديه من اتفاق باريس، فاحتل الآبار البترولية وأحكم سيطرته على مناطق الهلال النفطي.
كما أنه "حرّر" درنة من الجماعات المسلحة، ولم ينسحب سوى تحت ضغط غربي كبير، لكنه سجل نقاطا ضد حكومة طرابلس التي أضعفتها الانشقاقات السياسية، وأتعبتها التحالفات الهشة، فلم يعد المجلس الرئاسي موحدا ولا حكومة التوافق قادرة على المناورة.
ومع ذلك، قررت باريس ومن خلال وزير خارجيتها الذي زار طرابلس قبل يومين، منح رئيس هذه الحكومة فائز السراج مليون دولار أخرى من أجل استكمال الاستعدادات المتعلقة بإجراء الانتخابات، في الوقت الذي بات فيه المصرف المركزي أيضا تحت سيطرة المليشيات المسلحة في طرابلس، ولا أحد يعرف حتى الآن ما حجم سيطرة ونفوذ المليشيات، وتحكّمها بالقرار في ظل تناقل روايات عن سقوط الحرس الرئاسي في يدها وعدم قدرة السراج على اتخاذ أي قرار دون الرجوع إلى قياداتها؟!
لكن الوضع في طبرق وبنغازي ليس بأفضل حال من طرابلس، وعليه يبدو من الصعب جدا إنقاذ الانتخابات المقررة في كانون الأول/ ديسمبر، علما أن ليبيا تواجه ضغوطا أخرى يمارسها الاتحاد الأوروبي بغرض إقامة مراكز إيواء أو ما يطلق عليها "منصَّات" لاحتواء مهاجرين غير شرعيين.
إذ صرح السراج في حوار لجريدة ألمانية هذا الأسبوع، أنه لن يرضخ لكل تلك الضغوط، وهو يرفض إقامة تلك المنصَّات، فهل يصمد رأيه في ظل المتغيرات الداخلية الكثيرة التي تشهدها ليبيا حاليا، أم سيضطر للتفاوض؟ لا أحد يعرف.
(عن بوابة الشروق أونلاين الجزائرية)