يقول لنا "سيسي" إنه يحاول انتشالنا من "العَوَز"، يستخدم كلمة "العَوَز" كثيرا هذه الأيام – ولست أدري من الذي علمه هذه المفردة الفصيحة من لغتنا العربية – ثم يستنكر أن يكون جزاؤه على ذلك هاشتاج (ارحل يا سيسي) !
هذا المشهد الذي شاهده عشرات الملايين من المصريين حقيقي ... ليس مشهدا كوميديا في مسلسل أو مسرحية، وهو مشهد ينمُّ عن شخص سيكوباتي في غاية القلق (راجع مقالة "سيسي السيكوباتي" للكاتب).
بعد أن قال هذه الجملة بدقائق كان رد الشعب المصري بأن أعاد هاشتاج (ارحل يا سيسي) إلى صدارة الهاشتاجات في مصر، ثم بدأ الهاشتاج يأخذ موقعه عالميا، ولست أدري ماذا سيفعل مكتب تويتر في أبوظبي هذه المرة، وكم تغريدة سيحذف لكي يمسح هذا الهاشتاج من الصدارة.
إن السخرية من مشهد "سيسي" المرعوب من هاشتاجه ليس خطأ، ولكن الخطأ أن يكون ذلك هو الفعل الوحيد الذي يقوم به المعارضون للنظام.
فلنستمر في سخريتنا، وفي تحطيمنا لصنم المهرج الذي يحاول أن يبدو زعيما استثنائيا فيأبى غباؤه إلا أن يظهره قزما على حقيقته.
ولكن لا بد أن نخجل من أنفسنا لأن هذا القزم محدود الذكاء، عديم الإمكانات، قد تمكن من الانتصار على الجميع !
ليس بفضل ذكائه، بل بغبائنا، وليس بحنكته بل بحماقاتنا، وليس بقوته بل بضعفنا وتفرقنا !
***
في اليوم نفسه تنطق محكمة (مصرية) يرأسها (قضاة) مرموقون بتحويل أوراق أكثر من خمسة وسبعين متهما إلى (فضيلة) المفتي، في قضية فض رابعة.
المتهمون هم القتلى، هم الضحايا، وقد فقدوا عشرات الأحباب في ذلك اليوم المشؤوم وما تلاه، بعضهم فقد أبناء أعزاء، وبعضهم فقد إخوة، وأصدقاء، وأحباب، ولا أحد يدري على وجه الدقة من أين يأتي هؤلاء (القضاة) برصيد الصفاقة ذاك لكي يصدروا هذه الأحكام.
إنهم مجموعة من السفاحين في ثياب قضاة، وهم يطلقون الرصاص اليوم بطريقة أخرى لإزالة آثار الجريمة الأولى، ولكن كلنا ثقة أن ما سيحدث هو العكس ... ستضاف بصمات جديدة لمسرح الجريمة، وستضاف أسماء قتلة آخرين، وفي وقت ليس ببعيد سيأتي العدل.
كل من يظن أن القاتل قد فرّ بجريمته مخطئ، وكل من يظن أن الفرصة الوحيدة للبقاء هي أن يعتذر المقتول للقاتل يمهد لقتل جديد، ويُعَلِّمُ القتلةَ الصغار أن يكبروا بمزيد من الدم، وأن يبنوا أمجادهم بمزيد من الجماجم.
لقد كانت لحظة حزينة على هؤلاء المظلومين، وعلى أسرهم وأحبابهم، ولكن الحزن الأكبر فيها كان شماتة بعض المحسوبين على الثورة فيهم.
ما أسعد المستبد بهذه الدناءة !
***
في اليوم نفسه – وإمعانا في إذلال مصر وعلى رأسها الجيش – يقرر "سيسي" أن يكافئ وزير دفاعه برتبة جديدة، فيصبح الفريق ... فريقا أولا، وبدلا من أن يقوم السيد رئيس جمهورية الأمر الواقع بمنحه الرتبة بنفسه، بأن يقلده النجمة الجديدة على كتفيه بيديه ... يكلف "سيسي" شابا وشابة بترفيع السيد الوزير خلال ما يسمى مؤتمر الشباب، في مشهد متكلف، غير طبيعي، ظهرت آثاره على وجه وزير الدفاع، فتجهم وكأنه يبتلع قنفذا بريا بلا شربة ماء !
لقد وصلت الإهانة كرسالة مسجلة بعلم الوصول، واستقبلتها المؤسسة العسكرية لا شك ... وهي إهانة قبلها إهانات، وبعدها بالتأكيد إهانات، ويبدو أن تلك المؤسسة قد استمرأت تلك الإهانات، وتعايشت معها، حتى أصبحت مؤسسة لا تبالي بشرفها ... ما دام الثمن مدفوعا مقدما.
لا بد أن يعلم من يظن أن التغيير مرهون بهذه المؤسسة أنه مخطئ، إن التغيير الحقيقي سيقوده الناس، حتى لو بدأ سقوط قطع الدومينو من خلال تحرك عسكري، فإن الشعب هو من سيضمن أن لا يضيع ذلك هباء كما حدث في 2011.
التغيير سيقتضي توافا من الجميع، ولكن حارسه الحقيقي هو الناس، ليس مؤسسة، ولا جماعة، ولا حزب، ولا مجموعة من المشاهير ... كل هؤلاء سيكونون جزء صغيرا من المشهد، والناس هي من ستحرك بيدق التغيير للأمام.
***
ما أسهل أن ينتصر المصريون على هذا النظام، وما أصعب أن يبقى هذا النظام في مكانه دون أن يظل الناس على حالهم ... يائسين، متفرقين، لا يثق أحد في أحد، وكل منهم يشمت في ذبح أخيه ولا يدري أن السكين ستذبحه بعد قليل.
عبدالرحمن يوسف
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: arahman@arahman.net