أظهرت الأزمة الليبية الأخيرة، خاصة اشتباكات العاصمة طرابلس، حالة التنافس بين رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج واللواء الليبي خليفة حفتر على قيادة البلاد، وسط دعم دولي لكل طرف، ما يشكك في جدية المجتمع الدولي في حلحلة الأزمة.
وجاءت تأكيدات الدول الكبرى في بيانها الأخير حول الاشتباكات، حول التشديد على شرعية ودعم حكومة الوفاق والقوات التابعة لها، بمنزلة رسالة قوية لحفتر الذي يحظى أيضا بدعم فرنسي مباشر وغير مباشر، ما طرح عدة تساؤلات حول من يدعم المجتمع الدولي تحديدا؟ ولماذا يراهن على الطرفين؟
مناطق نفوذ
وكشفت الاشتباكات الأخيرة وقبلها المعارك التي اندلعت في الحقول النفطية حالة التنافس بين الطرفين وأماكن نفوذ كل منهما، وكذلك المناطق الممنوع الاقتراب منها أو التنافس فيها وعلى رأسها منطقة الهلال النفطي، التي رفضت الدول الكبرى سيطرة حفتر عليها، وتحكمه في تصدير النفط.
وأوضح مصدر عسكري ليبي لـ"عربي21" أن "مناطق النفوذ لكل الطرفين تتوزع كالتالي: مناطق نفوذ حفتر حدود بنغازي وقاعدة الوطية في الغرب التي تعد في حالة جمود الآن، ومنطقة براك الشاطئ وقاعدتها الجوية، وبعض المقاتلين الموالين له في سبها".
اقرأ أيضا: عين "حفتر" تتجه إلى طرابلس.. هل سيستغل الاشتباكات؟
وتابع: "أما مناطق نفوذ السراج أو (القوات الرافضة لحفتر) فهي مدن: طرابلس ومصراتة وزوارة وسبها وصبراتة وغريان والزاوية وزليطن وسرت، أي مدن الوسط والغرب والجنوب الليبيى بنسبة كبيرة، لكن يعتبر الجنوب المنطقة الأكبر خارج نفوذ السراج وحفتر"، وفق معلوماته.
والسؤال: كيف سينتهي هذا التنافس ومن سيحسمه؟
حسم دولي للسراج
من جهته، قال الضابط برئاسة الأركان بطرابلس، العقيد عادل عبد الكافي، إنه "في إطار الصراع الدولي على ليبيا ومناطق نفوذ إيطاليا وفرنسا، نجد من يدعم الطرفين لتغذية الصراع، ففرنسا التي تدعم حفتر تريد أن تجعل الصراع المسلح هو المسيطر على المشهد، وأن يكون الحسم عسكريا وليس سياسيا".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أنه "في الفترة الأخيرة تبدلت المواقف، وفرنسا الآن تدعم الحل السياسي وحكومة الوفاق وتخلت عن "حفتر" في معركة النفط، فأصبحت الرسالة واضحة وهي بقاء حدود "حفتر" العسكرية في الشرق الليبي، وأن توسيع رقعة الصراع العسكري سيواجه بحزم وشدة"، حسب تقديره.
وتابع: "أما بخصوص من سيفوز أو الأقوى الآن، فهذا يتوقف على الدعم الدولي، الذي يؤكد أنه يتجه لحكومة الوفاق ورئيسها السراج، خاصة بعد البيان الأخير حول اشتباكات العاصمة"، كما قال.
الحسم لحفتر
لكن الكاتب والأكاديمي الليبي، جبريل العبيدي، أكد من جانبه؛ أن "السراج لا يصلح منافسا حتى على بلدية طرابلس، بعد هذا الأداء السيئ، بالتالي ليس ثمة منافسة حقيقية مع المشير" حفتر، كون الأخير يحظى بحضور كبير جدا، بينما لا يجد أثره السراج حتى في قاعدة أبو ستة"، بحسب تعبيره.
اقرأ أيضا: السراج: لن نسمح بوجود مليشيات مسلحة في ليبيا
وأضاف لـ"عربي21": "وبخصوص الدعم الغربي، فهو واضح كونه يدعم الاتفاق السياسي، بالتالي عليه احترام مخرجات الاتفاق، وكون "المشير" حفتر قائدا للجيش بتكليف من السلطة الشرعية وهي البرلمان، لهذا يتعاطى الغرب بواقعية مع "حفتر" كقائد عام للجيش الليبي، ومع السراج رئيسا للحكومة".
واستدرك: "للأسف، الموقف الإيطالي وحتى الفرنسي من الأزمة الليبية لم ينضج لحد التعامل مع ليبيا كدولة، وليس كبئر بترول تتصارع وليس فقط تتنافس عليه "إيني" الإيطالية و "توتال" الفرنسية"، حسب كلامه.
توازن قوى
أما الباحث السياسي الليبي، علي أبو زيد، أشار إلى أن "المجتمع الدولي يسعى للمحافظة على حالة توازن القوى بين مختلف الأطراف، وإن كان كل طرف مقربا من دولة معينة ويمكن اعتباره حليفا لها، فحفتر مقرب من فرنسا جدا، وهي التي أقحمته في العملية السياسية، وإيطاليا الداعم الرئيسي للسراج، وهي التي تساند بقاءه".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "هدف هذه الدول من تدعمها لهذه الأطراف هو محاولة إنقاذ مبادراتها لحل الأزمة، وهي لا تريد الدخول في حالة فوضى وإرباك لا يمكن السيطرة عليها وتعيد العملية السياسية للمربع الأول، خاصة أن الاقتتال الحاصل في طرابلس لا يحمل هدفا سياسيا واضحا"، كما قال.
السياسي أم العسكري؟
وقال الإعلامي الليبي، ياسين خطاب، إن "هناك فرقا جوهريا بين الدعم الدولي الذي يحظى به السراج باعتباره معترفا به دوليا ويتولى رئاسة حكومة انبثقت عن الاتفاق السياسي، وبين الدعم الذي يحظى به حفتر وهو دعم إقليمي لا دولي، يقوم على دعم مشروع عسكري "كاريزمي" محوره شخصية حفتر ورؤيته".
اقرأ أيضا: هدنة في طرابلس الليبية بعد تدخلات أممية.. هل ستنجح؟
وتابع: "ودعم مشروع حفتر كون الأخير تلتقي رؤيته مع الرؤية السياسية لداعميه، لكن كون السراج منبثقا عن الاتفاق السياسي، يجعل كل الدول تدعمه حتى تلك الدول التي تدفع باتجاه مشروع حفتر مثل فرنسا ومصر والإمارات، وهو ما لا يتحقق لحفتر"، بحسب حديثه لـ"عربي21".
"ليسا خصمين"
الكاتب الليبي، نصر عقوب أشار إلى أن "الدول المتصارعة على ليبيا لا تهدف إلى تحقيق الاستقرار، ودعمهم لطرفي الصراع يؤكد ذلك، ولو أرادت تمكين حفتر والسراج معا أو أحدهما لفعلت، لأن هذه القوى تتحرك حسب أجنداتها ومصالحها، وآمل أن يدرك حفتر والسراج ذلك"، بحسب كلامه.
وأكد خلال تصريح لـ"عربي21" أن "حفتر والسراج ليسا خصمين جزما، لكن تجمعهما المصالح المتبادلة، وما يجمعهما أكبر مما يُفرق بينهما، وأحسب أن الرسائل التي ترسلها الدول المتصارعة لأحدهما ترسل للآخر أيضا، وقد رأينا السلوك ذاته من هذه الدول مع الأطراف الليبية إبان بدايات ثورة شباط/ فبراير 2011".
القضاء الفرنسي يستدعي مسؤولا مغربيا.. لماذا؟
ما دلالة تصنيف طرابلس من أسوأ المدن للعيش؟ وما موقف حفتر؟
قمة رباعية بشأن سوريا في أنقرة قريبا بمشاركة أوروبية