لفت رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد الأنظار، بمساعيه الجادة لإرساء قواعد جديدة للسلوك الأثيوبي، تقوم على التعاون، وإنهاء الخلافات، وتعزيز روح الوحدة، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
ويترقب الأثيوبيون خطوات آبي أحمد السياسية والاقتصادية بشغف عميق، إذ يسعى القيادي الشاب إلى إلغاء هيمنة عرقية بعينها على مقاليد السلطة في البلاد، كما يعمل على بث روح نهضة اقتصادية تضمن إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين عرقيات الشعب المختلفة.
ورغم مرور أشهر قليلة على توليه منصبه، إلا أن أحمد تمكن من حلحلة وإنهاء خلافات تاريخية، حيث تمكن من إنهاء عقدين من العداء التاريخي مع إريتريا مدشنا الخميس برفقة الرئيس الإريتري مراسم إعادة فتح السفارة في أسمرة واعادة العلاقات إلى طبيعتها.
وينظر الأثيوبيون إلى آبي أحمد بتفاؤل كبير منذ وصوله إلى السلطة في آذار/ مارس الماضي بعد خطوات رسمت نهجه وسياساته، فلقد أطلق سراح آلاف السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع، وأنهى حالة الحرب التي استمرت 20 عاما مع إريتريا، ورفع حالة الطوارئ، وخطط لفتح قطاعات اقتصادية رئيسية أمام مستثمرين من القطاع الخاص..
وشهدت البلاد العديد من مظاهر الاحتفاء برئيس الوزراء الجديد. ففي العاصمة أديس أبابا، يتم لصق الزجاج الأمامي لسيارات الأجرة بملصقات آبي أحمد، في حين يقوم المواطنون بتغيير صورهم الشخصية على "واتس آب" و"فيسبوك" لشعارات موالية لآبي أحمد، وينفقون أموالهم على شراء قمصانه.
الجدير بالذكر أن آبي أحمد هو أول رئيس وزراء إثيوبي ينتمي لأكبر مجموعة عرقية في البلاد، وهي الأورومو، التي تشكل ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 100 مليون نسمة. ولدى إثيوبيا أكثر من 90 مجموعة عرقية، ولعقود من الزمان تم تنظيم سياسات البلاد على طول هذه الخطوط المثيرة للانقسام.
من هو آبي أحمد
ولد أبي أحمد، في منطقة أغارو، بمدينة جيما بإقليم الأورومو، والتحق بالنضال المسلح عام 1990 مع رفاقه في "الجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو" إحدى جبهات الائتلاف ضد حكم نظام منجستو هايلى ماريام العسكري (1974 - 1991)، حتى سقط حكم الأخير.
التحق رسميًا بقوات الدفاع الوطني الإثيوبية (الجيش) عام 1991، فى وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل لرتبة عقيد عام 2007.
اقرأ أيضا: "CNN": لماذا يعتقد الإثيوبيون أن آبي أحمد "نبي"؟
لم يغب أيضا عن الساحة السياسية، رغم تجوله ما بين المؤسسة العسكرية وتطوير إمكاناته العلمية والأكاديمية، ففي عام 2010، غادر وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية (إنسا) ليتفرغ للسياسة بصورة رسمية ومباشرة، كما أن المهام الأخرى التي تولاها كان يمارس السياسة بجوارها.
وبدأ أبي أحمد عمله السياسي التنظيمي عضوًا فى الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، وتدرج إلى أن أصبح عضوًا في اللجنة المركزية للحزب، وعضوًا في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم في الفترة ما بين 2010 - 2012.
وانتخب عضوًا بالبرلمان الإثيوبي عن دائرته في 2010، وخلال فترة خدمته البرلمانية، شهدت منطقة جيما بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر فى الأرواح والممتلكات.
ولعب أبي أحمد دورًا محوريًا بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية ورجال الدين، في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة.
فى عام 2015 أعيد انتخابه فى مجلس نواب الشعب الإثيوبي (البرلمان)، كما انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لـ"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو".
وفي الفترة من 2016 إلى 2017 تولى أبى أحمد، وزارة العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا ثم نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016، وترك الرجل كل هذه المناصب لتولي رئاسة الحزب.
إعادة التوازن
الخبير في الشؤون الأثيوبية الدكتور خيري عمر قال، إن سر الالتفاف الجماهيري الكبير خلف آبي أحمد، يرجع إلى مساعيه لإعادة ترتيب العلاقات بين الجماعات الإثنية والعرقية في أثيوبيا بحيث تنخفض هيمنة عرقية التيغراي (متهمة بالاستحواذ على المناصب الحكومية والعسكرية المهمة رغم أنها لا تمثل سوى نسبة قليلة من سكان البلاد) داخليا، وتمهد الطريق أمام القوميات الأخرى للحصول على حقوقها في الثروة والمناصب داخل الدولة الفيدرالية (أثيوبيا أقرت النظام الفيدرالي عام 1992) التي يهمن فيها "التيغراي" على المناصب السياسية والاقتصادية، فمنهم رئيس الوزراء، وقادة الجيش ورؤساء الشركات الحكومية والخاصة.
وأضاف عمر في حديث لـ"عربي21" أن آبي أحمد يريد جبر الخلل وإعادة التوازن في العلاقات بحيث يكون للقوميات الأخرى دور مركزي في الدولة، وهو ما يفسر القبول الكبير لتوجهاته في المجتمع الأثيوبي.
وتابع: "آبي أحمد يدخل الحكم في أثيوبيا ولديه منظور مختلف عن سلفه ميليس زيناوي، الذي كان منغمسا أكثر في قوميته (التيغراي) وكان يعتبر أن السياسات في أثيوبيا هي امتداد لمصالح قوميته، ومن هذا المنطلق دخل في صراع مع اريتريا عام 1992، وأرغمت سياساته المعارضين له للهروب خارج البلاد".
ورأى عمر أن رئيس الوزراء الجديد يعتبر أن تحقيق السلام الداخلي ومع دول الجوار يمكن أن يدعم قوة الدولة، وفي هذا السياق يذهب إلى حل المشكلات وليس تعقيدها، ويسعى لأن تكون أثيوبيا قائدة لمنطقة القرن الأفريقي، ولكن ليس بمنظور الهيمنة والحفاظ على حالة عدم الاستقرار مع الجوار كما كان في السابق، وإنما بمنظور التعاون، فآبي أحمد يعتقد أن السلام في القرن الأفريقي سيكون قاطره للاستقرار، وهو بذلك يتلاقي مع توجهات الكثير من الدول.
لكن الخبير في الشؤون الأثيوبية لفت إلى وجود صراع في البلاد بين الجماعات العرقية حول الامتيازات والاستحواذ عليها، وكيفية توزيع الثروة على القوميات المختلفة في البلاد، خاصة في ظل تفاوت مستوى التمنية. مشيرا إلى أن سياسات أحمد ستثير حفيظة النخب السياسية القديمة في البلاد، التي ستعمل بدورها لعرقلة الإصلاحات.
اقرأ أيضا: إثيوبيا تعيد فتح سفارتها بإريتريا بعد إنهاء العداء التاريخي
واستطرد: "هناك تحديات أمام آبي أحمد لابد له أن يحيدها أو يتخلص منها، وهذا سوف يتوقف على الإنتخابات القادمة في البلاد عام 2020 وما يترتب عليها".
الطوائف والعرقيات في أثيوبيا
يتكون المجتمع الإثيوبي من طوائف عرقية عديدة يصل عددها نحو 90، وتتداول على السلطة في هذا البلد قوميات معينة، بينما تشكو أخرى من تهميشها وحرمانها من المشاركة السياسية، مثل قومية الأورمو ذات الغالبية المسلمة.
ويقع الإثيوبيون تحت حكم طائفة واحدة منذ عام 1991، وهي قومية تيغراي المتهمة بالاستحواذ على المناصب الحكومية والعسكرية المهمة، رغم أنها لا تمثل سوى نسبة قليلة من سكان البلاد.
وفي ما يلي أبرز الطوائف الرئيسية في إثيوبيا:
قومية الأورمو: تعد كبرى القوميات الإثيوبية تنتشر في جنوب غرب البلاد، تشكل 40% من سكان إثيوبيا البالغ حوالي مئة مليون نسمة، ويعتنق ما يزيد على 70% من شعب "أورومو" الدين الإسلامي، و20% منهم المسيحية.
تشتكي الأورومو منذ عشرات السنين بسبب ما تعتبره انتهاك حقوقها والتمييز الاقتصادي والمجتمعي الذي تمارسه الحكومة ضدها، وخلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2016 وقعت احتجاجات في منطقة الأورومو لمطالبة الحكومة بتوفير أجواء من الحرية والديمقراطية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي) في تقرير لها إن السلطات الإثيوبية "تستهدف بلا رحمة" وتمارس التعذيب بحق أكبر قومياتها "الأورومو".
القومية الأمهرية: تنتشر في شمال البلاد، تقدر نسبتها بـ 25% من السكان، حكمت البلاد لعقود، ومن أبرز السياسيين الذين ينتمون إليها الإمبراطور هايلي سيلاسي، وقبله الإمبراطور مينيليك (1889-1913)، وبعده نظام "ديرج" لمينغيستو هايلي مريم.
هيمنت هذه القومية على جميع القوميات الأخرى وجعلوا لغتهم لغة البلاد الرسمية، استعادت السلطة من التجريين الذين يقطنون ولاية تجرى بوصول مينيليك الثانى إلى الحكم عام 1889.
والأمهرية هي لغة جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية، حيث تعتمد في المراسلات الرسمية، وهي لغة الجيش الإثيوبي ولغة العلامات التجارية وغيرها.
القومية الصومالية: تقدر نسبة هذه القومية بنحو 6.2%، ويقطن سكانها في إقليم أوغادين الذي يعرف بالإقليم الخامس بحسب التقسيم الإداري الإثيوبي، وقد ضُمَّ إلى إثيوبيا منذ عام 1954.
تنتمي الغالبية العظمى من سكان الإقليم إلى الأعراق الصومالية، وخاصة قبيلة الأوغادين إحدى قبائل الدارود، كما توجد فيه جماعات الدناكل، وهناك جالية عربية استقرت في المنطقة واختلطت بالسكان منذ عهد قديم.
قومية تيغراي: تقطن منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إرتيريا، تشكل نحو 6.1% من سكان إثيوبيا، ورغم ذلك فهي العرقية التي تحكم إثيوبيا منذ تولي ميليس زيناوي السلطة عام 1991.
وتسيطر تيغراي على قوات الجيش، إذ إن نسبة 99% من ضباط قوات الدفاع الوطني من هذه الطائفة، ونسبة 97% منهم من القرية نفسها، ما عدا رئيس الوزراء المستقيل هيلا ميريام ديسيلين الذي ينتمي إلى طائفة "وولايتا" التي ينتمي إليها معظم سكان منطقة الأمم والجنسيات والشعوب الجنوبية.
ولم يكن لعرقية التيغراي تأثير في الحياة السياسية، لكونهم لا يشكلون حجما سكانيا يحسب له، غير أن بروز "الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي" بزعامة زيناوي عام 1989 قلب المشهد السياسي في البلاد، حيث تولى زعامة البلاد ابتداء من عام 1991 حتى وفاته عام 2012.