نظم دعم القرار هي أنظمة تفاعلية بين المستخدم وجهاز الحاسوب، وتعتمد أساسا على علوم الحاسب من المعلوماتية، والنمذجة والمحاكاة، والذكاء الاصطناعي، والنظم المعرفية؛ لمساعدة صانعي السياسات ومتخذي القرار في اتخاذ قرار رشيد في التوقيت الصحيح.
وتميل هذه النظم إلى التحليل، واستخراج المؤشرات الذكية، ومحاكاة
الواقع، وخلق منظومة من العلاقات الرياضية بين المتغيرات المختلفة المؤثرة في
النظام ومتغيرات النظام السياسية (Policy Variables)،
وتعظيم الاستفادة من خبرات خبراء المجال. ومن هذا المنظور، تمثل منهجيات وأدوات
نظم دعم القرار أهم المنهجيات في صياغة العقل الاستراتيجي الجمعي.
وتمثل
نظم دعم القرار المبنية علي نظم المعلومات حجر الأساس في تحليل البيانات واستنباط
المعارف والمؤشرات الذكية؛ للتعرف مثلا على توجهات الشعوب والتنبؤ بالأحداث
المستقبلية في أوطان هذه الشعوب.
فمن
خلال السوشيال ميديا يعكف العقل الاستراتيجي الجمعي في الغرب على دراسة شخصية
الشعوب والتغيرات التي تطرأ عليها من حين لآخر، والتغيرات المتوقعة مستقبلا من
خلال تحليل توجهات شبابها ومثقفيها سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا،
وأخلاقيا.
وهذه
التحليلات التي تستخدم فيها المنهجيات والآليات المعقدة تقنيا، والتي تدرس أدق
التفاصيل الحياتية لمستخدمي السوشيال ميديا، تستطيع هذه الدول اتخاذ قرارات حساسة
ومعرفة ردود أفعالهم تجاهها قبل تطبيقها، مثل نقل سفارة الولايات المتحدة من تل
أبيب إلى القدس.
ومن
أكثر الشعوب محل الدراسة والتحليل بالنسبة للعقل الاستراتيجي الجمعي بالولايات
المتحدة والكيان الصهيوني؛ هي الشعوب العربية والإسلامية ثم تأتي الصين ثانيا. وقد
سبق له التنبؤ المبكر بثورات الربيع العربي، واستطاع صياغة السياسات والتوصيات
اللازمة لتحقيق المنافع منها وتقليل التهديدات، ثم كيفية السيطرة عليها والقضاء
عليها، وتحليل قدرات اللاعبين الرئيسين في المنطقة وثقلهم وتأثيرهم في إدارة
المشهد في الربيع العربي.
وكذلك،
الأحداث التي تشهدها الولايات المتحدة الخاصة بالتدخل المزمع للدب الروسي في
الانتخابات الأمريكية، حيث تم تحليل بيانات المستخدمين الأمريكيين لفيسبوك
(كامبريدج أناليتيكا)، حيث أكدت فيسبوك أن تسريب البيانات ا?ضر بأكثر من 87 مليون
أمريكي، واستطاع الدب الروسي، كما تدعي جهات التحقيق الأمنية الأمريكية، من تحليل
ومعرفة التوجھات والمتطلبات والمزاج العام للمستخدمين، واستخدامها من خلال المتخصصين
في علم النفس والاجتماع للسيطرة على هؤلاء المستخدمين والدعاية الانتخابية لترامب
والدعاية السلبية للمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون.
كل
هذه التقنيات الحديثة وتقاناتها تشكل الأسلحة الجديدة لحرب الكترونية ذكية لا
ذخيرة فيها ولا جنود، لكنها قد تتسبب في حروب أهلية وانهيارات اقتصادية وتهديدات
للأمن القومي لدول عظمى.
وهناك
أيضا نظم دعم القرار المستخدمة في التخطيط الاستراتيجي طويل المدى تتكامل مع
منهجيات الدراسات المستقبلية والذكاء الاصطناعي، والتي تتميز باعتمادها الكبير
النمذجة والمحاكاة والنظم المعرفية. والمعرفة هنا تنقسم إلى نوعين أساسيين، الأول:
الخبرة التراكمية (Acumlated Knowledge) لخبير في تخصص ما،
والثاني: الحدس (anticipation) أو القدرة على استقراء
المستقبل ويسمى هؤلاء المستقبليين أو المستشرفين للمستقبل، وهناك نموذج في العصر
الحديث، وهو الإنجليزي برنارد لويس، الباحث بالأحداث والمتغيرات السياسية التي
وقعت في الشرق الأوسط.
وتعدّ
هذه المعارف الكنز حقيقي لبناء العقل الاستراتيجي الجمعي، لذلك تتسارع الدول
بماكينة هذه المعارف داخل المستودعات المعرفية، وتتراكم عبر السنين، وينتفع بها في
تقييم السياسات ودعم القرار بعد تكاملها مع أدوات النمذجة والمحاكاة والذكاء
الاصطناعي.
صياغة العقل الاستراتيجي الجمعي ومأسسة القرار (2- 6)