الكتاب: داخل "الإخوان المسلمين" الدين والهوية والسياسة
المؤلف: د خليل العناني
ترجمة: عبد الرحمان عياش ومراجعة عومرية سلطاني
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر
عدد الصفحات:256 صفحة
الطبعة الأولى بيروت 2018
من دراسة السلوك الخارجي إلى البحث في تشكل الهوية
خلافا لعدد من الدراسات التي انكبت على رصد وتحليل السلوك السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، يحاول هذا كتاب "داخل الإخوان المسلمين: الدين والهوية والسياسة" أن يدرس هذا التنظيم الحيوي من زاوية أخرى، تركز على الديناميات التي تؤطر عملية صياغة هوية الجماعة من الداخل، ويحقق حلقة أخرى من التراكم البحثي الذي راكمه الدكتور خليل العناني في دراساته للحركات الإسلامية منذ عقد من الزمن.
فبعد كتابه الأول عن الإخوان" الإخوان المسلمين في مصر شيخوخة تصارع الزمن" الذي نشره سنة 2007، والذي ساير فيه الدراسات البحثية التي كانت تراقب سلوك الإخوان، لاسيما بعد صعود نجمهم الإنتخابي سنة 2005، غير الدكتور خليل العناني، المتخصص في دراسة الحركات الإسلامية، زاوية اشتغاله البحثي، مفضلا الغوص في البنية التحتية بدل الانشغال بالسلوك الخارجي للجماعة، وبالتحديد الكيفية التي تصنع بها الهوية الإخوانية لدى المنتمين والمتعاطفين مع هذه الجماعة.
في مفهوم الهوية:
التزم الباحث في مشترطاته المنهجية تحديد مفهوم الهوية التي يسعى البحث لرصد وتحليل كيفية صناعتها داخل جماعة الإخوان، فهي عنده تعني نظام المعايير والقيم التي تلهم الجماعة وتوجه الأفراد في حياتهم اليومية. ومع إقرار الباحث بصعوبة قياس الهوية، إلا أنه أقر بإمكان تخيلها وتصورها من خلال عدد من التمظهرات التي تتجلى في الحياة اليومية للأفراد.
ويستعين الباحث بعدد من الدراسات الأكاديمية التي حاولت الإشتغال على تأثير الهوية في العمل الإجتماعي، إلا أنه فضل مرة أخرى، إعادة صوغ زاوية البحث، وذلك بالتركيز في دراسة الحركات الإجتماعية، على دراسة تأثير العمل الجماعي في هوية الأفراد، وكيف تحول الحركات الاجتماعية طرائق تفكيرهم، محاولا سد الثغرة التي لم تتنبه لها هذه عدد من الأدبيات الأكاديمية.
كيف يمكن للمرء أن يصير إخوانيا؟
هكذا يختصر المؤلف سؤاله البحثي، لكنه في عملية الإجابة عنه، يتخطى الطرح التقليدي، الذي يتجه لإبراز دور القناعات الدينية واللاهوتية في صوغ هذا الإنتماء، ويحاول اختبار معامل آخر، يدرس أثر الديناميات التنظيمية للحركة ورأسمالها الرمزي وإطارها الفكري في صناعة هذه الهوية.
وينطلق المؤلف من ملاحظة شكل الهوية وطبيعتها في تنظيم جماعة الإخوان، ويلاحظ بأن الجماعة ـ بوصفها حركة اجتماعية ـ بنت شكلا متفردا للهوية يميزها وأعضاءها عن الجماعات الأخرى، ويسمح لها بالإستمرار في أنشطتها، ويصطلح المؤلف على هذه الهوية، بـ "النزعة الإخوانية"، فعندما ينضم الأفراد إلى الحركة، ويخضعون لقواعدها وقوانينها، يتحول تصرفهم من تصرفات كانوا ينتجونها باعتبارهم "أفرادا"، إلى تصرفات أصبحوا ينتجونها باعتبارهم "إخوانا".
ومع ملاحظة صفة الوحدة والتماثل في تصرفات الإخوان، يؤكد الباحث في دراسته، أن هذه الهوية ليست مجموعة جامدة من القيم المقدسة أو الروحية، ولكنها تمثل مجموعة من المعايير الإجتماعية والتنظيمية التي تم خلقها واستثمارها في الحياة اليومية للأفراد. ويقدم الباحث تفصيلا للمعايير المشكلة لهذه الهوية، مختصرا إياها في خمسة معايير هي: البيعة، والطاعة والثقة والإلتزام والإنتماء.
ويلاحظ الباحث في رصده للداخل الإخواني، من خلال استعانته بالمقابلات الكثيفة، التلازم الوثيق بين تشكل الهوية الإخوانية وبين البنية التنظيمية، فالهوية الإخوانية، لا تعمل في فراغ، وإنما تحتاج إلى بنية تنظيمية قادرة على تفعيلها والحفاظ عليها حية في حياة الأفراد. ويرى الباحث أن هذه البنية التنظيمية، تم تصميمها في الأصل، لتدعيم عملية التلقين وتكثيفها، بحيث تتطلب أنظمة الحركة ومعاييرها بأن يتصرف الأعضاء بصورة تستجيب بشكل كامل لأهداف الجماعة وأيديولوجيتها.
ومع ملاحظة الباحث لأوجه التعقيد في البنية التنظيمية لجماعة الإخوان، غير أنه يذهب إلى أنها لا تساعد في جمود الهوية وسكونها، بل بالعكس من ذلك، فهي تساعد الجماعة على تجنيد أعضائها وتكيفهم، واستيعاب أفراد من خلفيات اجتماعية وثقافية وتعليمية ومهنية وجغرافية متباينة، ودمجهم جميعا تحت مظلة الجماعة.
ويستعين الباحث بالتراكم الأكاديمي في حقل دراسة الحركات الاجتماعية، ويخلص إلى أن الهوية الإخوانية تنتج عن عمليات معقدة من التشبيك الإجتماعي والتلقين، إذ تقوم - بوصفها حركة اجتماعية ـ بوظيفة تخصيص الموارد وتعبئة الأفراد، ووضع الأطر الإيديولوجية التي تربط الأعضاء معا وتعزز التزامهم بالتنظيم، كما تستفيد من شبكاتها الاجتماعية وعلاقات أفرادها التنظيمية والروابط الدينية من أجل توسيع قاعدة مؤيديها.
القمع يساعد على تقوية الهوية الإخوانية
يسجل الباحث في معرض استقرائه لمسار القمع والتضييق على جماعة الإخوان في مراحل متباينة عدم تأثر الهوية الداخلية للإخوان بهذا التحدي، بل على العكس من ذلك، يذهب الكاتب إلى أن مسار القمع والحصار ضد الجماعة، وصمودها في مواجهته، ساعدها في تقوية هويتها الداخلية، إذ دائما ما كان يصب مسار القمع والمضايقة في مصلحتها، وحققت من خلاله ثلاث أهداف رئيسة: اكتساب الدعم الشعبي، وتعزيز التماسك الداخلي، وتجنب مطالب التغيير الداخلية.
ويرصد الباحث الأثر الذي أحدثه قمع نظام مبارك للإخوان، ويرى أن هذا القمع لم يساعد الحركة فقط في بقائها ومحافظتها على وجودها، ولكن ساعدها أيضا في تمددها وتماسكها الداخلي وتلافي الإنقسامات والإنشقاقات الداخلية.
المحاضن ودورها في تشكل الهوية الإخوانية
بعد جهد الـتأسيس النظري والمنهجي الذي استغرق من الباحث الفصل الأول والثاني من الكتاب، وبعد التفصيل في الجزء الثالث من الكتاب في دور مرشد الجماعة ومنظرها الرئيسي حسن البنا في صياغة الإطار الهوياتي والتنظيمي للحركة، يدخل الكتاب مباشرة وعلى امتداد الفصول الأربعة الموالية (من الفصل الرابع إلى الفصل الثامن)، في دراسة البنية الداخلية في جماعة الإخوان، واستراتيجية التجنيد والتعبئة التي تتبعها الحركة، مستعينا بما أسماه بمنهجية الإخوان في "مطاردة الفريسة" من أجل تجنيد الأعضاء الجدد واجتذابهم، والمراحل المختلفة التي يعتمدها الإخوان في استراتيجية التجنيد، ومدى انسجامها مع عمليات التنشئة والتلقين، كما يسلط الضوء على الكيفية التي تعزز بها الجماعة هويتها عبر صهر مكونات إيديولوجيتها ومعاييرها وأهدفها معا، ويركز الباحث بهذا الخصوص على عمليات التنشئة والتلقين التي تحدث داخل الإخوان، وذلك باجتراح مقاربة جديدة، تعتمد التركيز على العوامل الفكرية من جهة، والعوامل المؤسسية من جهة ثانية، فقد سلط الباحث الضوء على ما يسمى في أدبيات الإخوان بـ "المحاضن" التي تتم فيها عملية التنشئة، والتي تضمن تطابق إيديولوجية الجماعة مع معاييرها وأهدافها.
على أن دراسة "المحاضن" في هذا العمل البحثي، لم تركز فقط على عملية التنشئة، ودورها الدمجي، وإنما اتجه أيضا لدراسة التفاعل بين البنية التنظيمية للجماعة وبين أيديولوجيتها، إذ يسلط البحث الضوء على الأدوار التي قامت بها البنية التنظيمية في تحصين الحركة في وجه الضربات التي تلقتها من قمع النظام، إذ استطاعت بهذه البنية المؤسسية أن تحافظ على وجودها وتضمن تمددها وتوسعها، وتحيد الآثار السلبية لمفعول القمع على الحركة. وينتهي البحث في فصله السابع، لتقرير خلاصة مهمة، تؤكد على أن "النزعة الإخوانية" تعمل كنظام للهوية، يساعد على الحفاظ على نشاط الحركة وبقائها.
ما بعد انقلاب السيسي وصراع الأجيال داخل الإخوان
يستعرض المؤلف في خاتمة الكتاب موقف الإخوان في التعاطي مع الربيع العربي ومع تدبير الانتقال نحو الديمقراطية، وسلوكهم داخل مربع السلطة، والمواقف التي اتخذوها من نظام السيسي، ويسلط الضوء على الفرز الحاد الذي وقع داخل مكونات الإخوان، لاسيما بين الجيل القديم وجيل الشباب.
وعلى الرغم من تأكيده على وظيفة الهوية في الحفاظ على تماسك الجماعة وتلافي الإنشقاق الداخلي، إلا أنه توقف عند التباينات الحادة في مواقف الطرفين بخصوص التعامل مع نظام السيسي، إذ يجنح الشباب - في تقييم الباحث ـ بنزعتهم الراديكالية اليائسة من إمكانية تحقيق تغيير سلمي إلى الدعوة إلى موقف أكثر حزما في مواجهة نظام السيسي، فيما تستمر الكوادر التقليدية القديمة على نفس استراتيجيتها الإصلاحية المتدرجة، التي تسعى للحفاظ على الحركة وتحصين تماسكها وتحسين صورتها في الخارج.
تحديات أمام الجماعة
لا يغفل الباحث في خاتمة كتابه أن يقدم رؤيته الإستشرافية لمستقبل الجماعة، ففي تقديره، لا تزال الجماعة تعيش تحدي البقاء والإستمرار في نشاطها، ويتأرجح مستقبلها بين التحول إلى جماعة ثورية، وبين العودة إلى خيار التسوية وتجنب الصدام، بما يعنيه ذلك الحاجة لإحداث تعديلات مهمة على مستوى إيديولوجي واستراتيجي وتكتيكي.
ويلاحظ الباحث أن جواب الجماعة ينبغي أي يأخذ بعين الإعتبار الضرر الذي لحق صورتها من جراء الأخطاء التي ارتكبتها في مربع السلطة، بسبب ضعف أدائها الاجتماعي الاقتصادي، ودور القيود الإيديولوجية في منعها من نسج تحالفات واسعة والحيلولة دون تبني خطاب وسلوك استيعابي للقوى السياسية الأخرى.
ومع تأكيد الباحث على نفس خلاصته السابقة بشأن دور حملة القمع في تماسك الجماعة ووحدتها، فإنه يرى أن الجماعة تحتاج إلى جهد كبير لإعادة بناء شبكاتها الإجتماعية وقواعدها، وإلى إعادة صوغ العلاقة بين السياسي والدعوي، وقراءة واقع ما بعد الثورة بمقاربة أخرى، تتجه بخطوات سريعة نحو الإستيعاب والتكيف مع البيئة السياسية ومكوناتها وقواعدها.
*كاتب وباحث مغربي