هكذا نجحت تركيا في تدويل قضية خاشقجي وإحراج السعودية

قيل الكثير عن حنكة وذكاء تركيا في إدارة قضية خاشقجي، بشكل حولّها إلى قضية رأي عام دولى وجعلها تتصدر منذ تفجرها قبل نحو أسبوعين؛ شاشات التلفزة وواجهات الصحف العالمية، ما دفع أحد المحللين للقول إن إدارة تركيا للأزمة كانت "ضربة معلم".

ومنذ اللحظة الأولى لاختفاء خاشقجي، أثارت القضية اهتمام الرأي العام العالمي، واتجهت الأنظار إلى السلطات التركية لمعرفة ملابسات القضية، وحقيقة ما حدث في القنصلية السعودية، في ظل سعي سعودي إلى نفي الحادثة.

لكن إحاطة السلطات التركية بتفاصيل ما جرى، وتعمدها تسريب ما بحوزتها إلى وسائل إعلام عالمية، ولّد ضغطا دوليا كبيرا على الرياض، ودفعها أخيرا للاعتراف بما حدث للكاتب الشهير، رغم أن روايتها في ذلك لا تقوى على الوقوف أمام ما يسربه الأتراك من وقائع حول الحادثة.الأمر الذي جعل ما تقوله أنقره محط اهتمام، بل ومبعث ثقة لدى معظم المسؤولين الدوليين ممن تحدثوا عن قضية خاشقجي، وهو ما يفسر حالة الإنكار الواسعة للتفسير الذي ساقته السعودية حول الحادثة.

والسؤال الذي يطرح نفسه؛ كيف تمكنت تركيا من تدويل قضية خاشقجي، وهل توجهات تركيا في كشف تفاصيل الجريمة مرتبط بحسابات سياسية، أم أنها تعاملت مع الموقف من منطلق أخلاقي ومبدئي بحت؟

الكاتب والمحلل السياسي القطري علي الهيل قال إن تركيا استطاعت أن تتحكم بذكاء في المشهد السياسي والإعلامي فيما يتعلق بقضية خاشقجي بأسلوب ذكي، وكان لأسلوبها في هذه القضية دورا كبيرا في إرغام السعودية على الإعتراف بالجريمة التي وقت في قنصليتها بأسطنبول.

وأضاف في حديث لـ"عربي21"، "نلاحظ أن اتصال الملك سلمان بالرئيس أردوغان قبل أيام حول قضية خاشقجي، جاء كنتيجة مباشرة للضغوط الدولية التي استدعاها الأتراك بحنكتهم حينما بدأو منذ الأزمة بتسريب المعلومات للصحف الأمريكية التي بدورها مارست ضغوطا على المشرعين الأمريكيين، حيث جاءت المكالمة كضغط مباشر من مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين على السعودية وإدارة ترامب التي بدا أنها تريد التواطؤ مع حليفتها الرياض في هذه القضية.

ولفت الهيل أنه بعد هذا الاتصال؛ خرجت السعودية بروايتها حول مقتل الرجل، ما يعني أن طريقة إدارة تركيا للأزمة كانت ناجحة وموفقة إلى حد كبير.

ضربة معلم

وشدد على أن تركيا دوّلت القضية منذ اللحظة الأولى، تفاديا لحصرها بين أنقرة والرياض، مردفا: "تركيا أصبحت الآن لا تستطيع أن تخفي أي تفاصيل في التحقيقات بشأن خاشقجي لأنها قضية دولية،  والعالم ينظر بشغف إلى نتائج التحقيقات النهائية التي ستعلنها تركيا، خاصة بعد الرفض الدولي للرواية السعودية". لافتا أن ما فعلته تركيا في قضية خاشقجي خطوة استراتيجية و"ضربة معلم".

من جهته قال الكاتب الصحفي التركي إسماعيل ياشا إن تركيا تعاملت مع هذه قضية خاشقجي منذ اللحظة الأولى بمنتهى الحساسية والجدية، في إطار القوانين والمواثيق الدولية؛ نظرا لأبعادها العديدة وتبعاتها الخطيرة.

وقال ياشا في مقال نشرته "عربي21" إن أنقرة قامت بتسريب بعض المعلومات المؤكدة إلى وسائل الإعلام العالمية؛ لحشد الرأي العام العالمي بهدف إفشال محاولات طمس الأدلة، وتحويل القضية إلى مجرد أزمة بين أنقرة والرياض، وذلك بالتزامن مع قيام النيابة العامة في إسطنبول بفتح تحقيق لكشف ملابسات اختفاء خاشقجي.

لكن ياشا قال إن أنقرة ما زالت تتريث في إعلان نتائج التحقيقات، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول سبب تأخر الإعلان الرسمي، ودعا ذلك إلى استدعاء أسئلة في مواقع التواصل الاجتماعي، من قبل متعاطفين مع قضية الكاتب السعودي، من يصطادون في الماء العكر؛ للإساءة إلى تركيا ورئيسها.

اقرأ أيضا: المجلس الأوروبي يطالب بتحقيق شامل وشفاف في قضية مقتل خاشقجي

وحسب ياشا فإن أسئلة عديدة أثيرت من قبيل: "هل هناك صفقة ما بين السعودية وتركيا لطي صفحة هذه القضية؟ وهل ستخفي أنقرة أدلة الجريمة؟ وهل باع أردوغان دم خاشقجي؟ 

ملف متكامل

ولفت الكاتب التركي إلى أن التطورات التي حدثت حتى الآن في قضية خاشقجي أثبتت أن تركيا لن تساوم على دم خاشقجي، ولن تمتنع عن كشف الحقائق وإعلانها إلى العالم؛ لأنها ليست دولة انتهازية. ولكنها في المقابل، ليست أيضا دولة تبدي ردة فعل انفعالية غير مدروسة، ركوبا للموجة، واستجابة لإثارة هذه الجهة أو تلك. كما أنه من الطبيعي أن تنتظر السلطات التركية استكمال التحقيقات والإجراءات القضائية، حتى يتم جمع كافة الأدلة وإعداد ملف متكامل.

ورأى ياشا أن تركيا قامت حتى الآن بما يجب عليها في قضية اختفاء خاشقجي، ومن المؤكد أنها لن تتردد في كشف الحقائق، وملابسات القضية، وإعلان نتائج التحقيقات إلى الرأي العام العالمي، ليأتي بعد ذلك دور المجتمع الدولي في محاكمة المجرمين ومعاقبتهم. وقد يتم تشكيل لجنة تحقيق دولية أو محكمة خاصة لتقوم بهذه المهمة.

في سياق متصل قال مصدر تركي لـ"عربي21" إن تركيا تسعى إلى أن تكون حادثة خاشقجي قضية إنسانية عالمية ضمن القانون الدولي.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته، أن قانون الانتربول الدولي لا يعالج مثل هذه القضايا التي حدثت في القنصلية السعودية، كونها ارض دولة وموظفيها لديهم حصانة دولية.

اقرأ أيضا: ترامب يشير إلى "أكاذيب" في روايات الرياض عن قضية خاشقجي

وأشار المصدر التركي إلى أن "تركيا لا تريد أن تقول إن هذا هو ما وجدناه، وبالتالي فإننا يجب أن نعاقب فلانا وفلانا، بل تريد أن ترفع القضية إلى العالمية لمنع وقوع أي حادثة مماثلة في المستقبل".

وأكد أن "تركيا نجحت بالفعل حتى الآن بجعل حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قضية دولية، وما تسعى إليه هو وضع قانون دولي للتعامل مع مثل هذه القضايا".

لقراءة كل ما نشرته (عربي21) عن قضية مقتل خاشقجي اضغط (هنا)