تفتتح السعودية اليوم الثلاثاء، منتدى يهدف إلى استقطاب الاستثمارات للمملكة الساعية إلى تنويع اقتصادها، رغم انسحاب رجال أعمال ومسؤولين من عدة دول منه على خلفية تطورات قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ومن المقرر أن تبدأ أعمال منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" الذي ينظمه "صندوق الاستثمارات العامة" برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأن تتواصل حتى الخميس.
وتسعى السلطات السعودية من خلال هذا الحدث إلى تقديم المملكة المحافظة على أنها وجهة تجارية واستثمارية مربحة، في إطار خطة تنويع الاقتصاد المرتهن تاريخيا للنفط، وتمهيد الطريق لمبادرات جديدة وعقود بمليارات الدولارات.
ولكن مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يطغى على المؤتمر الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام اسم "دافوس في الصحراء" تيمّناً بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
فبعدما أكدت السلطات السعودية أن خاشقجي غادر القنصلية بعد مراجعتها في الثاني من تشرين الأول / اكتوبر، عادت وقالت إنه قتل في داخلها، نافية في الوقت ذاته أي دور لولي العهد في ذلك بعدما تحدثت تقارير إعلامية عن احتمال تورطه في القضية.
وحمّلت الرياض مسؤولية مقتل خاشقجي، الذي كان يعيش في الولايات المتحدة ويكتب مقالات في صحيفة "واشنطن بوست" منتقدة لبعض سياسات الأمير محمد، لمجموعة من السعوديين قالت إنهم حاولوا التفاوض معه في القنصلية لإعادته إلى المملكة، قبل أن يندلع شجار و"اشتباك بالأيدي" ما أدى إلى مقتله.
وذكرت أنها أوقفت 18 شخصا على ذمة القضية، متعهدة بمحاسبة المتورطين، وقامت بإعفاء مسؤولين أمنيين من مهامهم، بينهم نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري.
وعشية افتتاح المؤتمر، التقى ولي العهد الشاب (33 عاما) وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين في الرياض، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء السعودية، علما بأن المسؤول الأميركي ألغى مشاركته في المؤتمر على خلفية قضية خاشقجي.
ولم يتأكّد بعد حضور ولي العهد للمنتدى بعد مشاركة استثنائية في النسخة الأولى العام الماضي قال فيها إنه سيقود السعودية نحو "الانفتاح" والانعتاق من التشدد.
ترامب "غير راض"
وإلى جانب منوتشين، ألغى مسؤولون دوليون ورؤساء شركات مشاركتهم في المؤتمر، بينهم رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد.
وكان آخر هذه الشخصيات رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء فرنسا "أو دي إف" جان برنار ليفي. وسبقه في ذلك رئيس مجلس إدارة شركة "سيمنز" جو كايزر الذي كتب في رسالة طويلة على موقع "لينكد إن" أنه "القرار الأنسب لكنه ليس الأكثر شجاعة".
وسبق وأن أعلنت مؤسسات إعلامية بينها بلومبيرغ و"سي أن أن" و"فايننشال تايمز" انسحابها أيضا.
إلا أن رؤساء شركات آخرين قرروا المضي في مشاركتهم، وبينهم باتريك بوياني رئيس مجلس إدارة المجموعة النفطية الفرنسية "توتال".
وقام منظمو المنتدى الاقتصادي بإزالة لائحة المتحدثين من الموقع الإلكتروني الرسمي، ورفضوا يوم الاثنين التعليق على أعداد الحاضرين.
وقال مصدر حكومي إن لائحة المشاركين ليست نهائية حتى الآن، مع استمرار انسحاب الكثير من المشاركين "بوتيرة سريعة".
وتعطّل مساء الاثنين الموقع الإلكتروني للمنتدى بعد تعرّضه على ما يبدو لهجوم إلكتروني.
وبعدما اعتبر أن الرواية السعودية لمقتل خاشقجي جديرة بالثقة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين أنه "غير راض" عن توضيحات الرياض. وعندما سئل عن ما إذا كان السعوديون يقولون الحقيقة حول ظروف مقتل خاشقجي، أجاب ترامب الصحافيين في البيت الابيض: "سنعرف قريبا جدا".
الحقيقة الكاملة
وربما تتوضح تفاصيل جديدة عن قضية مقتل خاشقجي بالتزامن مع افتتاح المؤتمر الاقتصادي في فندق "ريتز كارلتون" في الرياض حيث أوقف العام الماضي عشرات المسؤولين والأمراء على خلفية قضايا قالت السلطات السعودية إنها تتعلق بالفساد.
فقد تعهّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد بكشف "الحقيقة الكاملة"، موضحا أنه سيدلي بتصريح جديد بشأن هذه القضية عندما يلقي كلمة أمام نواب حزبه الحاكم في البرلمان الثلاثاء.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في مؤتمر صحافي الاثنين "منذ البداية، خط رئيسنا واضح: لن يبقى سرّ بشأن هذه القضية".
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قال الأحد إن خاشقجي ضحية عملية قتل، نافيا أن يكون الأمير محمد أمر بهذه العملية، ومؤكدا أن الرياض "تجهل مكان وجود الجثة".
لكن صحيفة "يني شفق" التركية اليومية الموالية للحكومة قالت إن المسؤول الأمني السعودي ماهر عبد العزيز مطرب، المشتبه بأنه قائد العملية، اتصل ببدر العساكر رئيس مكتب الأمير محمد "أربع مرات بعد الجريمة".
وقال أحد عناوين الصحيفة إن "الدائرة تضيق حول ولي العهد".
وتقول مجموعة "أوراسيا" الاستشارية للمخاطر إن ولي العهد يواجه "أزمة علاقات عامة حادة".
وينتهج الأمير محمد سياسة القبضة الحديدية في الملفات الرئيسية في المملكة. وشن حملة اعتقالات طالت رموزا دينية وثقافية وحقوقية، بالتزامن مع حملة انفتاح اجتماعي شهدت السماح للنساء بقيادة السيارات وإعادة فتح دور السينما.
وتشارك الرياض في حرب مكلفة في اليمن وتقود "حصارا" دبلوماسيا على قطر، ما يثير قلق المستثمرين.
كما أن الرياض انخرطت في نزاعات دبلوماسية دولية، بينها مع ألمانيا وكندا، منذ تسلم الأمير محمد، الذي يتولى أيضا منصب وزير الدفاع، ولاية ولي العهد في حزيران / يونيو 2017.
وتهدد هذه النزاعات العلاقات بين السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، ودول عدة. وقد دعت برلين الاثنين الأوروبيين إلى تعليق أي عقد تسليح جديد مع الرياض ما لم تكشف حقيقة قضية خاشقجي.
هل تستخدم السعودية النفط سلاحا لمواجهة أزمة "خاشقجي"؟
هل تبخرت رؤية ابن سلمان "2030" في "دافوس الصحراء"؟
الريال السعودي يتحسن والبورصة تواصل الانهيار بسبب "خاشقجي"